29/03/2015 - 13:03

كي لا نترأس المعارضة/ خالد تيتي

قد يكون حجم الانتصار الذي أحرزه نتنياهو وحزب الليكود في الانتخابات البرلمانية الأخيرة مغالطًا كونه يعيد تقسيم الساحة السياسية الإسرائيلية إلى معسكراتها الكلاسيكية عبر مسميات اليمين واليسار، غير المُعرّف "يمينها من يسارها".

كي لا نترأس المعارضة/ خالد تيتي

قد يكون حجم الانتصار الذي أحرزه نتنياهو وحزب الليكود في الانتخابات البرلمانية الأخيرة مغالطًا كونه يعيد تقسيم الساحة السياسية الإسرائيلية إلى معسكراتها الكلاسيكية عبر مسميات اليمين واليسار، غير المُعرّف "يمينها من يسارها". 

وقد يذهب هذا التقسيم بتفكيرنا بعيدًا، حد التنازل عن فكرة تشكيل "حكومة وحدة وطنية" تجمع الليكود والمعسكر الصهيوني أو حتى حزب العمل لوحده، وتؤسس لحكومة واسعة "يسرح بها نتنياهو ويمرح" ويزيد الوهن في منافسيه من الأحزاب اليمينية بعد الوهن الذي أصابهم في ليلة الثامن عشر من آذار، ساعيًا بذلك إلى دب الرعب في صفوف الأحزاب المتهافتة على غنائم الحكومة والملفات الوزارية عبر تحديد الثمن السياسي لمثل هذه الأحزاب في حال اضطر نتنياهو تشكيل حكومة ضيقة تعيده إلى حاله الابتزاز التي آلت إليها حكومته السابقة. 

تشكيل "حكومة وحدة وطنية" بعد شهر أو شهر ونصف من الآن ليس أمرا خياليًا بعيدًا عن واقع الظروف التي نتجت عن الانتخابات الأخيرة، فلا علاقة بالأمر لأي تقسيمات أيدولوجية، بين يمينيّة نتنياهو الوطنية ويساريّة هرتسوغ الصهيونية، ولا تغرنّك الحرب الإعلامية الشرسة أو التراشق المبتذل بين الاثنين قبيل الانتخابات؛ كل ما في الأمر هو اعتبارات الربح والخسارة وحجم الغائم والمصالح التي من الممكن أن يقتنصها حزب العمل من دخول الائتلاف، وقد تكون تسيبي ليفني كبش الفداء إذا ما اضطر هرتسوغ فك الشراكة معها للموازنة بين دخوله حكومة نتنياهو وبين الحيلولة دون اقتسام الغنيمة الائتلافية مع ليفني. 

أي سيناريو كهذا، سيضع القائمة المشتركة في خانة أكبر كتلة في المعارضة، وسيرشحها على الفور إلى ترأس المعارضة، بحسب قواعد اللعبة البرلمانية. وبغض النظر عن احتمال تكاتف أحزاب المعارضة الأخرى ضد المشتركة لإجهاض احتمال ترأسها المعارضة، على المشتركة بكل مكوناتها أن تتخذ موفقًا مبدئيًا من معادلة انضباط الخوض في اللعبة السياسية الإسرائيلية التي اختارت جل الأقلية الفلسطينية الخوض بها وترسيم حدود المشاركة فيها، عبر مخاطبة قياديّة للجماهير العربية بصدق وصراحة تامة، أن لا ناقة لنا في غنيمة الحكم ولا جمل، بيد أن المعارضة ورئاستها تشكل جزئًا تكامليا من منظومة الحكم، لا يقل عن المشاركة في الحكومة مثلًا أو في المجالس الوزارية المصغرة، حيث تحظى رئاسة المعارضة مند العام ٢٠٠٠ بمكانة قانونية هامة تحول رئاسة المعارضة إلى ند لرئاسة الحكومة في تقارير الحرب والسلم والاستشارة المتبادلة، ومفاوضة الائتلاف على قوانين تصب في صلب الإجماع الصهيوني، علاوة على تحويل رئيس المعارضة إلى رمز من رموز الدولة ليحظى بحراسة أمنية مشددة ويحضر مختلف مراسيم الدولة الرسمية ويخطب باسم المعارضة لا باسم قائمته فحسب. 

وتشكل المعارضة، في نظام الحكم البرلماني النسبي، آلية لضمان سير العملية الديمقراطية عبر دور الرقابة السياسية التي تقوم به المعارضة بالإضافة إلى خلق توازن بين القوى  السياسية لمنع استئثار الحزب أو الائتلاف الحاكم، كما أن إعطاء مكانة رسمية للمعارضة تهدف إلى ضمان فرصة لمختلف القوى السياسية لتداول السلط، وذلك كله ضمن الإجماع والعقد السياسي المتعارف علية في كل دولة ودولة. 

فحيث لا تشكل “الديمقراطية الإسرائيلية” التي نبتت ونمت في فضاء التناقض ومبدأ يهودية الدولة وفي ظل تسخيرها لترسيخ احتلال الشعب الفلسطيني، الحيز الطبيعي "للدفاع عن الديمقراطية"، لا يمكن لنا كعرب في هذه البلاد أن نقلق لأجلها أو أن نتناسى الضوابط للمشاركة السياسية ضمن اللعبة السياسية منذ اخترنا الخوض بها. 

مشاركتنا في البرلمان الإسرائيلي هي الحالة الشاذة وليست "القاعدة"، وهي تنازل يعكس واقع المواطنة التي فرض علينا بعد النكبة قوامه تعبئة الفراغ السياسي وحد أدنى من السيطرة على متغيرات الواقع، إلا أنه لا يعني الهرولة نحو المواطنة المنزوعة الهوية ولا يعني تعليق الآمال على منظومة القامع، التي أثرنا أن ننتزع حقوقنا منه انتزاعا. لذلك على القائمة المشتركة عدم تحميل الوحدة أكثر من حجمها وأن لا تعجب بكثرتها فتذهب ريحها . 

بعد فوز نتنياهو وتحريضه الذي أنقذنا من أنفسنا ومن صخب متاهات الائتلافات الحكومية والأجسام المانعة والواقية على إشكالها، علينا ألا نعجب بمنصب رئاسة المعارضة. لنمتنع عن الخوض في متاهة مقارعة الحكم بدلا من مقارعة الصهيونية ويهودية الدولة.

التعليقات