05/04/2015 - 11:57

الفلسطينيون بعد المحكمة الجنائية الدولية/ داود كتّاب

المسافة بين القدرة على المقاضاة والإدانة الفعلية ستكون طويلة وشاقة، وستتطلب استراتيجية جديدة تماماً. وتتطلب مثل هذه الاستراتيجية عنصراً كان مفقوداً لسنوات، وهو الوحدة الوطنية. ويجب أن تركز أية استراتيجية فلسطينية جديدة على الهدف النهائي،

الفلسطينيون بعد المحكمة الجنائية الدولية/ داود كتّاب

أصبحت دولة فلسطين رسمياً عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، في الأول من شهر إبريل/نيسان الجاري، الأمر الذي يسمح لها بمقاضاة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم الحرب. المسافة بين القدرة على المقاضاة والإدانة الفعلية ستكون طويلة وشاقة، وستتطلب استراتيجية جديدة تماماً. وتتطلب مثل هذه الاستراتيجية عنصراً كان مفقوداً لسنوات، وهو الوحدة الوطنية. ويجب أن تركز أية استراتيجية فلسطينية جديدة على الهدف النهائي، المتمثل في إنهاء الاحتلال، إلا أن من المهم عدم الاستمرار في استخدام قضية المحكمة الجنائية الدولية ورقة مساومة، فالتأخيرات الماضية تمت مقابل مكاسب مخزية قصيرة المدى.

الفريق الفلسطيني الذي يعد القضية ضد إسرائيل، لديه مجالان مختلفان لمقاضاة إسرائيل، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. يمكنه اتهام الإسرائيليين بجرائم الحرب في أثناء الحرب على قطاع غزة، في الصيف الماضي، حيث قُتل ما يزيد عن 2100 فلسطيني، وجُرح آلاف، وهُدمت مبان، بما في ذلك مستشفيات ومدارس ومنازل. في المجال الآخر، يمكن أن يبدأ الفلسطينيون دعوى ضد إسرائيل، لاستمرارها في جرائم الحرب في الأراضي المحتلة، وهي النشاطات الاستيطانية الاستعمارية. وفيما كلتا الحالتين ستكونان مميزتين، فإن خبراء كثيرين يعتقدون أن التركيز على المستوطنات سيكون القضية الأقوى. ووفقاً للقانون الإنساني الدولي، يمكنك أن تقاضي المسؤولين السياسيين أو العسكريين أو الجنود بارتكاب جرائم حرب، فقط إذا لم تُجرِ بلدانهم أي تحقيق جدي في تلك الأفعال المحددة. في حين أن الجهود الإسرائيلية العنيفة في الماضي تم التحقيق فيها بشكل سطحي، فإن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان استنتجت أن هذه التحقيقات في الجرائم التي ارتكبت ضد الفلسطينيين ليست جدية، ولا تفي بالمعايير الدولية.

مع ذلك، الحقيقة أن الإسرائيليين يحققون فعلاً في أعمال العنف القاتلة ذات الصلة تجعل القضية ضدهم أضعف. وعلاوة على ذلك، سوف تفرض القضية ضد العنف الإسرائيلي في غزة بالتأكيد تحقيقاً في العنف الفلسطيني، باستخدام صواريخ غير متطورة، وقد يتم استخدامه لإضعاف القضية الفلسطينية، على الرغم من أن عدد الإسرائيليين الذين قتلوا، أو أصيبوا، جراء سقوط الصواريخ الفلسطينية قليل، مقارنة بالعنف الذي بدأه الإسرائيليون.

ومع ذلك، هناك قضية أقوى بكثير، وهي القضية ضد المستوطنات. وتظهر اتفاقية جنيف الرابعة التي تفصّل كيف ينبغي إدارة احتلالٍ طال أمده، بوضوح، أنه لا يسمح لقوة محتلة جلب سكانها إلى الأراضي المحتلة. إن إمكانية تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة تم تسويتها في الطلب الذي قدم إلى محكمة العدل الدولية، بشأن عدم شرعية الجدار الأمني الإسرائيلي الذي تم بناؤه على الأراضي الفلسطينية. أما القضية حول المستوطنات فهي أيضاً أقوى بكثير بسبب استمرارها، وهذا ليس عملاً يجري مرة واحدة، بل هو عمل مستمر. وهو لا يجري لأسباب أمنية، وإنما لأسباب سياسية وإيديولوجية بحتة، لا يمكن إنكارها أو الدفاع عنها. الحقيقة أن أنشطة الاستيطان وحماية المستوطنات تتم علناً، ومن دون خجل، من الحكومة الإسرائيلية، ما يجعل الجهد القانوني الدولي أكثر يسراً، والقضية ضد المستوطنات أسهل إثباتاً.

بالطبع، المشكلة الأكبر في ما يخص هذه القضية سياسية، سواء داخل المحكمة، أو خارجها. بينما القضاة الدوليون سيدّعون أن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة، وفي منأى عن الضغوط السياسية، والحقيقة أن جميع القضايا التي وصلت إلى مستويات متقدمة في إجراءات المحكمة كانت مدعومة بإجماع سياسي. وبالنسبة لكثيرين حول العالم، وحين أن ولاية المحكمة الجنائية دولية، فإن معظم القضايا التي تم الاستماع إليها كان مصدرها أفريقيا، أو تلك التي لديها دعم دولي، مثل البوسنة واغتيال رفيق الحريري.

المصدر السياسي الأكبر هو الضغوط السياسية التي ستوضع على الرئاسة الفلسطينية. الضغط المالي وغيره من الوسائل جميعها سيقع على كاهل الفلسطينيين لتأجيل المحكمة الجنائية الدولية في مقابل العودة إلى المفاوضات المباشرة الفاشلة. ولكي يكون الفسطينيون قادرين على رفض هذه الضغوط، عليهم أن يتحدوا، ويجب بذل جهد جدي في تجاوز المشكلات السابقة، وتقديم جبهة موحدة من أجل القضية المقبلة.

وهذا يعني أن الخلاف بين حركتي فتح وحماس الذي جعل الاهتمام الفلسطيني ينحرف سنوات يجب حله فوراً. كما يجب إعلان موعد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وكذلك إعادة صياغة المجلس الوطني الفلسطيني. وعلى جميع الأطراف الالتزام بإنجاح العملية الانتخابية، وبتقبل النتائج. وبغض النظر عن الانتخابات، يجب الاتفاق على استراتيجية شاملة معقولة، بحيث يكون الفلسطينيون من جميع الأطياف داخل الأراضي المحتلة وخارجها متّحدين في السعي إلى إنهاء الاحتلال. يجب إلا يجب تتضارب أية مسألة أخرى مع هذا الهدف.

(صحافي فلسطيني، عن “العربي الجديد”)

التعليقات