11/04/2015 - 09:59

بين "داعِشَ" و"ديف"!../ أحمد دراوشة

يحارُ المرءُ تحت أي بابةٍ يُصنِّف خطابَ نتنياهو يومَ الإنتخابات الأخيرة، حين أطلّ علينا بخطابٍ تصلُ وقاحته حدَّ الصفاقةِ

بين

يحارُ المرءُ تحت أي بابةٍ يُصنِّف خطابَ نتنياهو يومَ الإنتخابات الأخيرة، حين أطلّ علينا بخطابٍ تصلُ وقاحته حدَّ الصفاقةِ داعيًا أنصاره للتصويت بحجّة أن العربَ في البلاد 'يتدفّقون' إلى صناديق الإقتراع، وهي ذريعة تكشف زيفَ الخطابِ الديموقراطي الذي تحاول الدولة ومؤسسّاتها تثبيته في عقولنا، بأن كُنّا مُشّرّدين أذلةً في بلادنا القاحلة قبل أن تهبطَ علينا الديموقراطيّة الإسرائيليّة الموبوءة من السماء حُبًا وكرامةً، عشنا بعدها في واحة الديموقراطيّة الأجمل في الشرق الأوسط.

وكي لا نضيّعَ التاريخَ أو ننساهُ، في ظلٍ مناهجَ تعليميّةٍ بائسة تختصرُ النكبةَ بحرب استقلالٍ لا غير، يبدو الرجوعَ إلى نشأةِ الدولة لزامًا علينا، في ظل تمدّد الدول الدينيّة البائسةِ الظالمة من حولنا.

فتشابهٌ كبير جدًا، ومريبٌ حدّ السماء، ذلك الذي يربط 'داعشَ' بـ 'ديف'. واسم داعش هذا الذي ألفناه، أو قُل، ألِفنا الحقد والكره والجرم والإجرام المقرون به هو نحتٌ للتسميّة القديمة لما يُعرَفُ بـ 'الدولة الإسلاميّة في العراق والشام' قبل إعلانِ العدنانيّ الخلافة، وتنصيبِ الكاذب على دين الله إبراهيم عوّاد البدري ( أبو بكرٍ البغداديّ) خليفة على المسلمين، هواهُ بيعةٌ في رقابِنا، وإطاعته فرض علينا. أمّا ديف، فهو نحتٌ أشارَهُ عليَّ عمٌّ فاضِلٌ، ولغويٌ بارع، إختصارًا للـ 'الدولة اليهوديّة في فلسطين'، أو بما باتت تُعرفُ بإسرائيل، أو 'جارَتُنا إسرائيلُ حبيبتُنا' كما رآها الشاعر مظفرّ النوّاب في عيون حكّامنا.

أمّا في تفاصيل الحكايةِ، فمن النشأةِ نبدَأ، حيث بدأت 'ديف'، أو العصابات المُمّهِدةِ لها (أذكر منها الهاجاناه، الإرغون وشتيرن)، حربَ إبادةٍ وتهجيرٍ للسكان الأصليين، أصحاب الأرض، استمرّت طويلًا في البلاد، قبل الإستعمار البريطاني، أثناءه وحتى الآن، بقصِصٍ يندى لها جبين البشريّة لبشاعتها، شذوذها وقذارتها، فأنقُل عن قائلٍ قوله: 'إجونا يا ستّي قبل الحرب، خطفوا أختي، والسلاح بإيدهِن، وقالوا لأبوي: يا منغتصِب بنتَك قبالك وقبال أهل البلد، يا (أو) بتعطينا كوشان الأرض، مترَدّدش أبوي، أعطاهن الكوشان، وانفَلَج (أصابَه فالِجٌ، جلطة)'، ناهيكُم عن المجازر المروّعة التي أُرتُكِبَت تحت هدف إقامة 'هيكل سليمان المزعوم' وَصَلت أوجها في مجزرة دير ياسين (التاسع من نيسان عام 1948) ارتقى فيها أكثر من 360 شهيدًا بين ليلةٍ وضحاها، وكم تتشابه هذه الأفعال مع ما تقوم به داعش في سوريا والعراق، من سبيٍ للإيزيديّات وقصصٍ تشيبُ من هولها الولدان لبشاعتها وفظاعتها، في دربِ إقامة 'الخلافة التي على منهاج النبوّة'. من يستصعِب استذكار التاريخ واستحضاره فلينظرنَّ إلى ما تفعل داعش في العراق والشام وليقارننّهُ بما فعلت 'ديف' في فلسطين.

والفكرة، الداعشيّة – الديفيّة، تقوم على إبدال الغرباء، ومن لم يَعِش في الأرض، أبناء اللامكان، بالسكان الأصليين، وأصحابِ البلاد، فـ'يُجاهد' الأفغاني والشيشاني والسعوديّ واليمانيّ والمصريّ والتونسيّ في أرض سورية والعراق، طاردًا سكّان سوريا إلى لبنان والأردن وتركيّا، غانمًا ما ترك من مالٍ وأرضٍ وممتلكات، وكذلك فعلت ديف، حين جلبتِ اليهود من كل أصقاع الدُنيا، فرادىً وجماعات، نحو أرض فلسطين، طاردينَ الفلسطينيين فنهبوا أموالَهم، وفتكوا بممتلكاتهم، واغتصبوا نساءَهم، واستوطَنوا بيوتَهم. كل ذلك أيضًا استنادًا على الدين في جوهره.

وفي عرضِ التشابِه بينهم، نعرّجُ على الأسماء، إذ تُسمّي داعش 'برلمانها' المُفترض بـِ 'أهل الحل والعقد'، وهو أسم قديم جدًّا – من فترة الجاهليّة أعتقد-، وعلى ذلك سارت إسرائيل في تسمية برلمانها بالكنيست، وفي اختيار عدد أعضائه الـبالغ عديدهم 120 فردًا، وفي الرايات والأعلام أيضًا، إذ تستخدم داعش راية الرسول، وتستعمل ديف شعارًا لها شمعدان سليمان.

وكلتا 'الدولتان' تعتبران القدسَ عاصمةً لهما، وتقومان على الحرب والحرب فقط، على التوسّع والتمدّد والاستيلاء والقتل والإبادة، على الإجرام والمجازر والترويع والترهيب، فديف، منذ احتلالها لأرض فلسطين لم يمر عقد من الزمان دون حربٍ وسفك دم، وكذلك تفعل داعش! فيخرج نتنياهو ليقول للعالم متبجحًا: 'نحن ندافع عن أطفالنًا'، أما العدناني فيقول: 'لكِ اللهُ أيتها الدولة المظلومة'! ومن التشابه ما قَتَل!

ولكل من ظلَّ يسألُ عقودًا من الزمان، كيف استطاعت 'ديف' السيطرة على مرتفعات الجولان الشاهقة خلال ساعات محدودة، رغم أنها عصيّةً على الدبابات تبدو، أقول، أنظر كيف استولت داعش على الرقّة والموصل، وستعرف الإجابة، الجولان كما الرقّة سُلّم تسليمًا، لـ ديف تارةً ولداعش تارةً أخرى، في المرّة الأولى كان الأسد الأب قائدًا للجيش السوري، وفي المرّة الثانية كان الأسد الإبن!

ويبقى السؤال الأقسى، ما سرّ التورّط الداعشيّ-الديفيّ في الدم الفلسطينيّ والتوغلّ فيه؟، فذات المسن الذي هرب من العصابات الديفيّة عام 1948، شابًّا، يتعرض دمه الآن للاستباحة من عصابات داعِش بعد أن تعرّض طوال عامين لحصار مطبِقٍ قاده شبيّحة الأسد، دون معرفة كيفيّة دخولهم للمخيّم بصورةٍ واضحة وهو الممنوع عن أهله الماء والغذاء، حتى أضحوا يأكلون القطط وأوراق الأشجار.

وأنا كدرويشُ أيضًا، لا أريد لهذا المقال أن ينتهي...

التعليقات