20/05/2015 - 09:58

أسئلة كردية سورية تحتاج إلى أجوبة عربية../ جوان سوز

وحدات حماية الشعب لا تحمل الصفة الكُردية في اسمها، وهي فقط "وحدات حماية الشعب"، ويشارك فيها كلّ مكونات الجزيرة السورية من الكُرد والعربّ والسريان والأرمن والتركمان وغيرهم

أسئلة كردية سورية تحتاج إلى أجوبة عربية../ جوان سوز

لا يحبّذ زملاء صحافيون كثيرون، ومثلهم من الأصدقاء السوريين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم، استخدامي مصطلح 'العرب السنّة السوريين'، ويرون أنه لا يمكننا استخدامه إلا في العراق، لكن الواقع الذي يفرض نفسه علينا جميعاً أن الغالبيّة من العرب السنة السوريين في المناطق الشمالية من سورية، وتحديداً في المناطق الكُرديّة والمجاورة لها، يتخوّفون من سيطرة أي قوة كُردية على مدينة الحسكة في أقصى شمالِ شرق سورية، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، داعش، على مناطق قريبة منها، وهكذا بالنسبة لأية منطقة كردية أخرى، من دون أن يتخوّف هؤلاء أنفسهم من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات كبيرة من مناطقهم، وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة النصرة التي يعتبرها كثيرون من هؤلاء بمثابة 'فصيل ثوري'، يناضل من أجل الحريّة والكرامة في سورية، ما يدل على موالاة نسبة كبيرة منهم لهذه الفصائل العسكرية التي تنتهك حقوق الكُرد والعرب وغيرهم في الوقت نفسه، غير أن قراءة المشهد بعمق تبيّن أن ما يكمن وراء هذه المفارقة الصارخة يعود، في تفاصيله البعيدة، إلى الجذور الدينية والعرقية المشتركة بين هذين الفصيلين وغيرهما، فضلاً عن عقدة الاستعلاء على الآخر/ الدوني، بما يفرض عليهم حالة الاصطفاف هذه، حتى وإن كانت دفينة في حقيقتها.

إضافة إلى ذلك كله، فإن أفراداً وشخصيات سنّية عربيّة كثيرة في منطقة الجزيرة السورية ينظرون إلى الكُرد من منطلقٍ إزاء 'الأقلية'، على خلاف وقائع التاريخ والجغرافيا، متجاهلين اتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت كُردستان الكبرى بين أربع دول، هي سورية والعراق وتركيا وإيران، وهو ما يدفع تلك الشخصيات العربية السنيّة لتعمل باستمرار، في السرّ والعلن، على إشعال نار فتنة كُرديّة ـ عربية في تلك المناطق، فمنذ تأسيس وحدات حماية الشعب، وهي تتهمها بارتكاب جرائم وهمية، انطلاقاً من مواجهات الأخيرة من تنظيم 'داعش' وغيرها من القوى الراديكالية التي حاولت غزو المناطق الكُردية في عام 2012، نتيجة مخطط شوفيني وإقليمي معروف للجميع.

وهنا، لابد من التذكير، مرة أخرى، أن وحدات حماية الشعب لا تحمل الصفة الكُردية في اسمها، وهي فقط 'وحدات حماية الشعب'، ويشارك فيها كلّ مكونات الجزيرة السورية من الكُرد والعربّ والسريان والأرمن والتركمان وغيرهم، كما أن الإدارة الذاتية المدنية لا تحمل، أيضاً، الصفة الكُردية في اسمها، وهي فقط 'الإدارة الذاتية المدنية الديمقراطية في سورية'، وإن حاكم مقاطعة الجزيرة هو عربي أيضاً، ينحدر من شيوخ عشائر الجزيرة السورية، وفي هذا كله، ما يفند مزاعم تلك الشخصيات السنيّة حول 'الخطر الكُردي'، في ما يتعلق بسيطرة أية قوة كردية على تلك المناطق، وهو ما يعده هؤلاء بمثابة جريمة بحق السيادة الوطنية للأراضي السورية على حد وصفها.

والسؤال هنا: لماذا لا ترى تلك الشخصيات العربية السنّية أن قوات حماية الشعب باتت تحمي مواطني 'الغمر' حقيقة، بما جعلها كأحد مآخذ باقي فصائل الحركة الكردية في سورية على حزب الاتحاد الديمقراطي الـ PYD، وفروعه، ومؤسساته، وقواه، ويمكن الاسترسال في أسئلة كثيرة متفرعة، منها: لماذا لا يعاضد هؤلاء المتذمرون من قوات الحماية الشعبية مطالبة شركائهم الكُرد بإخراج 'عرب الغمر' من مناطقهم، واعتبار ذلك أمراً طبيعياً، ولاسيما أن النظام السوري هو من جلبهم إلى تلك المنطقة، بغية تغيير ديموغرافية المناطق الكردية السورية، وفصلها عن بعضها بعضاً، بطول 300 كلم وعرض يصل إلى 15 كيلومتراً من مدينة من 'كري سبي' المعروفة (بتل أبيض) غرباً مروراً بمدينة 'سري كانيه' المعرّبة إلى (رأس العين) وانتهاءً بمدينة 'ديريك' المعربة إلى (المالكية) قرب دجلة شرقاً.

وفي هذه الحال، يجب أن يكون هذا المطلب وارداً جداً في وقت تعمل فيه تلك الشخصيات العربية السنيّة على تشويه الحقائق وتزويرها، متناسين بذلك أن الكُرد يعيشون على أرضهم التاريخية هناك.

وبمدّ النظر أكثر في هذه النقطة، نجد أن تلك الشخصيات العربية السنّية لا تمت بصلة إلى الثورة السوريّة، فالثورة للسوريين جميعاً، وشارك فيها الجميع، في حين أن تلك الشخصيات تتوحد مع أي فصيل عسكري، أو سياسي، كان ضد حقوق الكُرد في سورية، فإن تحدّثنا عن سيطرة وحدات حماية الشعب على منطقة ما، مع الأخذ بالاعتبار وجود عرب سنّة سوريين وآشوريين ومسيحيين وغيرهم، فذلك يكون لخدمة النظام السوري، متهمين بذلك ومدّعين أن الكُرد في سورية خونة وعملاء للنظام السوري، وغير ذلك من الصفات المهينة بحقهم، فقط لوجود تنسيق بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، على حد زعمهم، في وقت يعتبرون فيه أن سيطرة تنظيم الدولة، وغيره من الفصائل العسكرية الإسلامية الراديكالية، على تلك المناطق أمر شرعي. إذاً، لماذا تغضبون من الكُرد حين يتهمونكم بالموالاة لتلك الفصائل، وكل الوقائع والأحداث على الأرض تشير إلى صحّة ذلك، وإليكم هذه التوضيحات:

اتهمت عشائر عربيّة عديدة، أخيراً، في الجزيرة السوريّة على ذمة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وحدات حماية الشعب، بإحراق قرى عربية في ضواحي مدينة القامشلي وبلدة تل تمر، نتيجة سيطرة الوحدات الشعبية على تلك المناطق، بعد معاركها مع تنظيم الدولة، مطالباً الوحدات الشعبية بالتحقيق في ذلك، على الرغم من نفي الوحدات هذا الأمر، من دون أن يشير المصدر نفسه إلى المشاركة العربية في تلك الوحدات، بمعنى أن العرب والكُرد هم من أحرقوا تلك القرى في حال كان هذا الاتهام صحيحا.

وبالعودة إلى بعض الوقائع الأخرى السابقة، نجد أن الائتلاف الوطني كان قد دان، أيضاً، تلك الوحدات بارتكابها مجازر جماعية ضد السكان العرب في تلك المناطق، على حد زعمه، من دون وجود أية قوائم بأسماء هؤلاء الضحايا، ومن دون وجود أية قبور أو جثث وحتى أشلاء لهم، ما يجعل المراقب يتعامل مع مثل هذه الاتهامات على أنها مجرد جرائم مصطنعة، للتسويق الإعلامي، وهي بمجملها، مفبركة، لا تمت للحقيقة بصلة.

وفي المحصلة، إن كان الائتلاف الوطني لا يتهم الوحدات الشعبية وحدها بهذه الأفعال، ويعمم الحالة على الكُرد، شعباً يرتكب المجازر ويحرق القرى العربية في تلك المناطق، فلماذا لا يفتح 'الائتلاف' نفسه تحقيقاً في أحداث مدينتي تل أبيض (كري سبّي) وكذلك رأس العين (سري كانييه) الكرديتَين في أثناء هجوم فصائل من الجيش الحرّ وجبهة النصرة على هاتين المدينتين اللتين طرد منها سكانهما الكُرد، بمشاركة ومباركة من عشائر عربيّة؟ أو بالأحرى، لماذا لا يطالب الائتلاف الوطني العشائر العربية في الجزيرة السورية، وفي المدن المجاورة للمدن الكُردية، اتخاذ موقف واضحٍ وصريح من تنظيم الدولة، وغيرها من الكتائب الإسلامية الراديكالية، فتنظيم الدولة حين يهاجم المناطق العربية يصبح إرهابياً على حد وصف الائتلاف، وحين يهاجم قرية كُردية يتحول اسمه إلى 'جيش حرّ'. وبالتالي، على العشائر العربيّة أن تحدد خياراتها: ماذا تريد، وهل هي مع تنظيم الدولة الإسلامية ضد أي قوة عسكرية أخرى، فقط لأنّها كُردية؟

(كاتب سوري من كوباني، عن "العربي الجديد")

التعليقات