02/06/2015 - 12:10

غزوة الفيفا/ رامي منصور

آن الأوان لكي يخرج النضال الفلسطيني من “تقليعاته”، فمرة غزوة في الفيفا ومرة أخرى غزوة في غولدستون. يبدو أن وتيرة هذه “التقلعيات” ستزداد مع احتدام المنافسة الصامتة على خلافة محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية.

غزوة الفيفا/ رامي منصور

وتتواصل الوقائع الغريبة في اختفاء النضال الفلسطيني لتفوق خيال الروائي وسخريته؛ فمن كان يغني قبل أكثر من ثلاثة عقود للحرب الشعبية وطريق الانتصارات، صار يغني للانتفاضة الشعبية ومن ثم للانتفاضة السلمية والنضال الشعبي وصولاً إلى نضال اللعبة الأكثر شعبية ليرفع البطاقة الحمراء في وجه “المتخاذلين”، ويجرنا في ذلك من هزيمة إلى هزيمة.

والوقائع الغريبة ليست صنع خيال أو مخيال روائي ساخر، بل هي من صنع “أيادينا” ويصح عليها المثل القائل “غرقان وبتعلق بقشة”، فأولئك الذين يشتمون جبريل الرجوب لسحب قرار إقصاء إسرائيل من الفيفا بالكاد يعرفون اسم فريق فلسطيني واحد أو اسم لاعب في المنتخب الفلسطيني، لكنهم يعلقون آمالا على كل محاولة لمواجهة إسرائيل حتى لو في مجال الطبخ في “موسوعة غينيس”. لكن ليست هذه المشكلة وإنما في من يصنع التوقعات ويضخمها ومن يصدقها. 

وليس على السلطة الفلسطينية إلا أن تلوم نفسها في قضية الفيفا والهجوم عليها، فهي من ضخمت من أهمية الطلب وجعلت منه موقعة نضالية بمقاييس دولية. لكن ما بني على باطل فهو باطل. فجميعنا ندرك أن حيز المناورة السياسية للسلطة محدود جدا ولم يعد في جعبتها أي “مفاجآت” لمواجهة إسرائيل، لا شعبيا ولا دبلوماسيا، فأسلحتها السياسية أشبه بأسلحة الجيش المصري في حرب ١٩٤٨ - فشوش، وهي سياسة فشوش لا طائل منها لأن هدفها الحفاظ على الوضع القائم لكن على حساب الحق والأرض الفلسطينيين. عندما يكون القرار هو المواجهة وتغيير الوضع القائم ستختلف الموازين وسنكتشف فينا أشياء لم نكن ندرك لأننا “صغرنا من أنفسنا” سياسيا.

وليس على المخذولين من سحب الطلب إلا أن يلوموا أنفسهم، لأنهم أصبحوا مثل الكومبارز في فيلم هندي طويل. فتعويلهم المتجدد على “نضالات” السلطة الفلسطينية مثير للحيرة، هل هو براءة وطنية أم غباء سياسي؟ هل يصدقون حقا أن من يدخل ويخرج من الضفة الغربية بإذن إسرائيلي صادق في نواياه بإقصاء إسرائيل من مؤسسة دولية بغض النظر عن أهميتها؟ وهل بمقدروه أن يصمد في وجه الضغوطات الأوروبية والأميركية والعربية؟ إنها طبقة كومبرادورية، كما سماها نمر سلطاني في مقال سابق له، ولا يمكن التعامل معها إلا من منطلق ثوري، لا إصلاحي. فوظيفة هذه الطبقة هو لعب دور الوسيط بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، بالإضافة إلى “إعادة إنتاج الوضع القائم وبالتالي منع ظهور البدائل التي يتشدقون بعدم وجودها”، أو ما اصطلح على تسميته 'ديكتاتورية انعدام البدائل”.

ولا بد للتطرق إلى قضية فصل الرياضة عن السياسة، وهذه كذبة أو فرية من السهل جدا إثبات بطلانها. إسرائيليا، كم من مباراة “سلام” جرت بين أطفال من فلسطين وإسرائيل؟ وما حجم العنصرية والكراهية للعرب في الملاعب الإسرائيلية؟ وما ذلك الإصرار الإسرائيلي على شمل المنتخب الإسرائيلي للاعب عربي واحد على الأقل لتظهر بمظهر الدولة الطبيعية؟ أي محاولة لفصل السياسة عن الرياضة مصيرها الفشل، لأنه من المفترض أن السياسة والرياضة مثل الثقافة قوامها الأخلاق وقيم إنسانية سامية، بالتالي لا يمكن فصل وتجزئة مثل هذه القيم بين مجالات وكأن كل مجال هو عالم منفصل.

ما تكشفه “غزوة الفيفا” هو أن في جعبة الفلسطيني الكثير من وسائل مقارعة إسرائيل في المحافل الدولية وإشغالها في معارك دبلوماسية وإعلامية بمقدورها أن تسهم في كشف الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، لكنه بحاجة أن يتعامل معه نفسه أولا بجدية أكبر. كما تؤكد “غزوة الفيفا” أن الفلسطيني ما زال يؤمن بالنضال مهما كان شكله أو سطحيته، وأن في داخله شغفا حقيقيا للنضال، فهو ليس بحاجة للتحريض لكي يناضل فالواقع أكبر محرض، لكن هو بحاجة  إلى من يدعم صموده ولا يقمعه باسم ضبط الأمن والعقلانية والواقعية السياسية، أو لنقل ألا تعيق السلطة الفلسطينية هذه الرغبة.

كما تؤكد “غزوة الفيفا” أن التنسيق الأمني مع الاحتلال ليس محصورا في المجال الأمني، بل يطال كل مناحي حياة الفلسطيني بما فيها الرياضية والثقافية. فلا مجال للتنسيق في المجال الأمني والتصعيد في المجال الرياضي. كما ثبت أن التنسيق الأمني يحبط أي محاولة نضالية فلسطينية.

وأخيرًا، آن الأوان لكي يخرج النضال الفلسطيني من “تقليعاته”، فمرة غزوة في الفيفا ومرة أخرى غزوة في غولدستون. يبدو أن وتيرة هذه “التقلعيات” ستزداد مع احتدام المنافسة الصامتة على خلافة محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية.

التعليقات