05/06/2015 - 12:04

حملة المقاطعة وموقف السلطة الفلسطينية/ محمد محاميد و باسل فراج

على القيادة السياسية الفلسطينية إما العمل خارج إطار أوسلو والتماشي مع إرادة الشعب من خلال تبني حركة المقاطعة العالمية كسلاح إستراتيجي لمواجهة العدو الصهيوني وعنصريته، أو أن تبقى على مسارها كشريك إستراتيجي لإسرائيل وعائق أمام كرة الثلج الآ

حملة المقاطعة وموقف السلطة الفلسطينية/ محمد محاميد و باسل فراج

الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، والتي كانت ثمار حركات المجتمع المدني في فلسطين، باتت اليوم أحد الأمور التي تشغل بال الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وكذلك الكنيست التي عقدت جلسة طارئة لبحث حملة المقاطعة. 

غدت المقاطعة موضوعا لا يمكن تجنبه أو تجاهله في إسرائيل. فبعد أن عقد ريفلين، قبل أيام، اجتماعا طارئا مع رؤساء اتحاد الجامعات الإسرائيلية، بات واضحا أن دولة الاحتلال أصبحت على مفترق طرق، أو كما قال وزراء حكومة الاحتلال أمام خطر إستراتيجي.

هناك العديد من التصريحات التي تدل على حجم هذا الخطر على إسرائيل. فعلى سبيل المثال، أعلن ريفلين أن حركة المقاطعة الأكاديمية تشكل تهديدا إستراتيجيا على إسرائيل. من المنطلق ذاته هاجم نتانياهو حركة المقاطعة  في لقائه مع وزير الخارجية الكندي يوم الأربعاء. هذا 'الخطر الإستراتيجي' الجديد دفع الملياردير الأميركي - الليكودي شلدون أدلسون، المقرب من نتنياهو، إلى عقد “قمة طارئة” لمحاربة حركات المقاطعة المتزايدة في جامعات الولايات المتحدة. منذ سنين وحركة المقاطعة فلسطينية المنشأ، والتي احتفلت بعامها العاشر قبل أيام، تحصد العديد من النجاحات في مختلف المجالات والدول. ولعل أحد أكبر نجاحاتها هو قدرتها على مخاطبة عقول وقلوب الناس، والتأثير القوي على الخطاب الدولي المتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. 

وبالرغم من قوة اللوبي الصهيوني، السياسية والإعلامية، إلا أن خطابه لم يعد كما كان، ولم يعد الخطاب المهيمن دوليا. كما ويمكننا القول إن العديد من شعاراته وتصريحاته الجاهزة للاستخدام (ولإعادة الاستخدام) لم تعد قادرة على إيجاد سوق لها في الجامعات الغربية وغيرها من المؤسسات الدولية (على سبيل المثال يقولون في تصريحاتهم: حركة المقاطعة هي حركة لاسامية هدفها الأساسي القضاء على إسرائيل، أو مثلا إسرائيل دولة ديمقراطية لأن في الكنيست نواب وأحزاب عربية).

دولة الاحتلال في مأزق حقيقي، إذ لم يعد بإمكانها إيقاف كرة ثلج المقاطعة والعزل الدولي من التدحرج. كما ولن تستطيع أن تغطي عنصريتها وانتهاكاتها لأبسط مبادئ حقوق الإنسان كما كانت تفعل من قبل بشعارات مزيفة، ومن خلال توظيفها لرأس المال و اللوبي الصهيوني. وهنا يجدر بنا القول إن النضال الفلسطيني لعب على مدار السنين الماضية الدور الأساسي في خلق ما نشهده من حالة تضامن دولي واسعة مع قضيتنا. كما وأنه نجح في مقارعة الخطاب الصهيوني الساعي إلى  إلغاء الوجود الفلسطيني وتعريفنا كإرهابيين كارهين للسلام والحرية. في ذات الوقت، يجدر بنا، عند الحديث عن حركة المقاطعة العالمية والمحلية أن نخاطب أنفسنا والدور الرسمي المتخاذل في دعم حركة المقاطعة، والدعوة إليها كإحدى أهم وسائل نضال الشعب الفلسطيني والتضامن معه. 

مواقف السلطة الفلسطينية

لا يمكن فصل مواقف السلطة الفلسطينية الأخيرة وهاجس التحرك ضد إسرائيل عن اتفاقية أوسلو التي ولّدت جواً من “الانبطاحية” والسلام الزائف وشكلت غطاءً شرعياً لما تفعله إسرائيل. فبعد أن سحب الرئيس الفلسطيني أبو مازن تقرير لجنة غولدستون والذي كان بمثابة تحقيق في العدوان على قطاع غزة المحاصر في نهاية العام ٢٠٠٨ ومطلع العام ٢٠٠٨، الذي راح ضحيته مئات الفلسطينيين، بتنا لا نستغرب أي خطوة مشابهة. ها هي السلطة ترتكب اليوم الخطأ الكارثي نفسه بعد أن سحبت مقترحها لتعليق عضوية إسرائيل في الفيفا. 

إذا ما نظرنا إلى الحالة الفلسطينية الراهنة، سنجد أن السلطة لا زالت تتخبط في مستنقع اتفاقيات أوسلو محاولة بذلك البحث عن طوق نجاة لا وجود له أصلاً. لا يكتفي من يراهنون على هذه الاتفاقية المشؤومة بتحريف وتحويل الأهداف النضالية، وإنما باتوا أيضا يعبثون بالمسارات النضالية بطريقة تضمن نمطا معينا من الاستقرار القائم على مصالح معينة، وقد شهدنا هذه المسرحية عندما سحبت السلطة مقترحها لإقصاء إسرائيل في كونجرس الفيفا، وما تلاه من تعقيب رسمي. تقوم السلطة بهذا كله من خلال وضع مفاهيم وصيغ حياتية عامة تكون فيها المواجهة مع إسرائيل أبعد ما تكون، وسط تعايش مع الوضع القائم والرضى بشكل غير مباشر بالمستعمِر، وإلغاء إستراتيجية المواجهة بكل أشكالها وتوظيفها بما يتلاءم مع المصالح الخاصة.

هذا النمط من السلوك هو قمة الخنوع للمحتل. إن قيام السلطة في رسم معالم جديدة لصراع يكون سقفه المصالح السلطوية وأجهزتها الأمنية ومصالح نيو-ليبرالية أخرى، يؤدي بنا إلى استنتاجات مفادها أن السلطة دخلت المعركة لتغير الواقع فثار الواقع عليها مغيرا مساراتها و أهدافها.

الدور الرسمي المتخاذل في دعم حركات المقاطعة العالمية والمحلية، يُفهم من خلال فهم العلاقة بين الاحتلال والسلطة ومخرجاتها. السلطة الفلسطينية، وبالرغم من 'تعثر' المفاوضات، إلا أنها ترى في كيان الاحتلال كشريك إستراتيجي يضمن استمراريتها. في الوقت ذاته، ترى فيه جاراً يتوجب عليها تحسين العلاقات معه. أليس هذا من أساسيات مبدأ حل الدولتين؟ في ذلك يمكن تفهم عدم دعوة السلطة الرسمية لمقاطعة إسرائيل بسبب انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، جرائمها المستمرة ووجودها كدولة عنصرية واستعمارية. 

تقتصر دعوات مؤسسات السلطة على مقاطعة بضائع المستوطنات لأنها مقامة على الأراضي المحتلة في حزيران/ يونيو ١٩٦٧، و بهذا المثال (وغيره كما حصل في الفيفا) يمكن فهم العلاقة بين السلطة والاحتلال، و فهم أقصى الطموحات السياسية للسلطة. 

بمقدورنا أن نشير إلى المزيد من الأمثلة، و أن نسهب في الحديث عن العلاقة بين قيادة برجوازية مرحلية تستمد شرعيتها من المستعمر، إلا أننا نرغب أن نركز على أهمية تغيير'القيادة' السياسية لرؤيتها المتعلقة بالمقاطعة لكي لا نخسر الزخم الحالي. 

نخشى  من أن السلطة الفلسطينية بقيادتها الحالية وعلى رأسها أبو مازن لا زالوا يعيشون في وهم المفاوضات خصوصا بعد تصريحات نتنياهو الرافضة لإقامة دولة فلسطينية. ونخشى أيضا، أن السلطة الفلسطينية  وقيادتها لا زالوا يتوهمون بأن باستطاعتهم إقامة دولة فلسطينية من خلال الأمم المتحدة والمحافل الدولية. 

المحافل الدولية لها أهميتها ولكنها لا تقدم الكثير. ما يعزز الموقف الفلسطيني وممارسته هو التنظيم الحقيقي والنفس الطويل، بعيدا عن التحركات التكتيكية التي أصبحت مجرد أداة للضغط على إسرائيل من أجل العودة إلى المفاوضات. في هذه المرحلة بالذات، فيما العالم الحر في انتظار انتهاء الانقسامات الفلسطينية الداخلية،  بتنا في أمسّ الحاجة لإعادة تعريف المشروع  الوطني الفلسطيني. ولا بد من أن نعود إلى جذور المشكلة ونبلور نضالنا كما بلورته جنوب أفريقيا. حيث تم في جنوب أفريقيا تبني 'ميثاق الحرية' موحدين بذلك الصوت الداخلي. آن الأوان لإعادة توحيد الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال برنامج واضح المعالم وأن نتبنى إستراتيجية نضال شعبي في فلسطين تكون بوصلة للحراك الخارجي المتمثل بحركة المقاطعة العالمية. فإذا لم يناضل صاحب القضية لا يمكن أن نتوقع الكثير من الحراك الخارجي. مع أن الحراك الخارجي وصل الى مرحلة متقدمة، إلا أن المحافظة على هذا الزخم يكون باستثمار الجهود الخارجية وتوجيهها إلى مسار يخدم المشروع الوطني الفلسطيني بدلا من هدمه.

سنشهد في الأيام المقبلة المزيد من التصريحات و التحركات السياسية الإسرائيلية ضد حركة المقاطعة العالمية، فهوس إسرائيل الحالي لم يعد فقط ما تسميه قيادة حكومة الاحتلال خطر إيران النووي أو التنظيمات مثل داعش، بل باتت المقاطعة أيضا تأخذ حيزا كبيرا منه. بحث الكيان الصهيوني الدائم عن عدو جديد أوصل قادته للإقرار بقوة حركة متجذرة بضمائر الناس وقلوبهم، و آخذة في الوصول إلى المزيد من الانتصارات المهمة على كافة الأصعدة. 

على القيادة السياسية الفلسطينية إما العمل خارج إطار أوسلو والتماشي مع إرادة الشعب من خلال تبني حركة المقاطعة العالمية كسلاح إستراتيجي لمواجهة العدو الصهيوني وعنصريته، أو أن تبقى على مسارها كشريك إستراتيجي لإسرائيل وعائق أمام كرة الثلج الآخذة بالتدحرج.

* محمد سامي محاميد، ناشط فلسطيني يدرس للقب الثاني في جنوب أفريقيا، وباسل فراج ناشط وطالب فلسطيني في جنوب أفريقيا. 

التعليقات