13/06/2015 - 11:59

ثمة طريقة لتغيير الإسلاميين/ خالد تيتي

من الممكن الإطاحة بالحزب الحاكم، ومن الممكن إعطاء الإسلامين فرصة وبعدها الإطاحة بهم إذا أخفقوا، الطريقة بسيطة: عبر صندوق الاقتراع.

ثمة طريقة لتغيير الإسلاميين/ خالد تيتي

'كلهم يتكلمون والعدالة والتنمية يفعل' كان هذا الشعار المركزي لحزب 'العدالة والتنمية' التركي في الانتخابات الأخيرة، بإشارة واضحة إلى سمات الضخامة والزخم الذي اتسم به هذا الحزب داخل تركيا وخارجها، استنادا إلى تجربتة البراقة في مجال الاقتصاد والنمو والسياسة الخارجية، خاصة وأن الحزب يحمل توجهات إسلامية، ورؤيا شاملة تبشر بعودة الحكم العثماني، إسلاميًا وسياسيًا.

البلبة التي أحدثتها نتائج الانتخابات في صفوف 'مصفقي الأيديوليجيات'، تعدت حدود تركيا وعاثت في الآراء المختلفة، فرغم فوز الحزب بأغلبية الأصوات كان كافيا أن يفسر بعضهم تراجع نسبة المصوتين له بالعداء للإسلام وكل ما هو إسلامي، وعلى النقيض فسر البعض الآخر هذا التراجع بأنه انحسار  للمد الإسلامي!

وقد ذهب آخرون بعيدا حد القول إن هذه النتائج هي نتجة مباشرة لاشتراك أردوغان في المؤامرة الكونية على سوريا، متناسين بذاك السبب الرئيسي لهذا لتراجع العدالة والتنمية من جهة، ولفوز الأكراد من جهة أخرى: الديمقراطية.

المسألة مسألة الديمقراطية

لا شك أن توجهات أردوغان التوتاليتارية واضحة المعالم طغت في الآونة الأخيرة على نجاح تركيا الباهر في المجال الاقتصادي والتنموي وفي المحافظة على الدولة المدنية الحديثة، وهي أمور غاية في الأهمية يعود الفضل بها إلى نهج حزب العدالة والتنمية، إلا أنه وبعد أن 'أعجبتهم كثرتهم' حاول الحزب أن ينتقل من مرحلة تسويق النجاح وتطويره إلى مرحلة تسويق الحزب وإحكام سيطرته، وهذا من حق أي فصيل سياسي أن يفعله ما لم ينقلب على المنظومة الشرعية.

ولا شك أن اردوغان وحزبه كانوا قد قطعوا شوطا طويلا في هذا المنحى، حتى بدأ خصومهم السياسيون في تركيا والعالم بالانذار والتحذير من خطر تسلط وحكم الإسلاميين، إلا أن الانتخابات الأخيرة أثبتت حصانة المنظومة الديمقراطية في تركيا، وقدرتها على احتمال الصدمات وابتلاع الازمات التي من الممكن أن تأخد البلاد إلى مناطق مظلمة، وأبرزت قدرة النظام الديمقراطي على إحداث التوازن المطلوب، واستثمار حكمة الجماهير في الحفاظ على الاستقرار مهما اشتدت الخصومة السياسية ومهما تضاربت مصالهحا.

ويشكل بيان الحزب بعد الانتخابات إقرارا صريحا بأن الأتراك أنقذوا العدالة والتنمية وأردوغان من نفسه، بغض النظر عن تأييدهم لتوجهه، حيث جاء في البيان الرسمي للحزب بشكل واضح أن نتائج الانتخابات أقرت بأنه  لا يوجد حزب قادر بمفرده على تشكيل حكومة، وهذا ببساطة اختصار لسر عمل المنظومة الديمقراطية الصحية.

ليس الموضوع أردوغان إذاً، ولا هو الإسلام السياسي مقابل العلمانية، إنها مسألة الديمقراطية. وقد يخيل لنا للوهلة الأولى أن خيار الأتراك مضر بمسيرة الحزب ونهجه، إلا أنه مصحح لمساره، ومقو له ولشرعيته، وإعلان واضح أنه ثمة ديمقراطية فاعلة، وقادرة على احتواء الصدمات وإرساء الاستقرار، فلا ضمان للديمقراطية في ظل حكم الحزب الواحد، حتى وإن وصل الحكم بشكل ديمقراطي وشفاف.

تجدر الإشارة والإشادة هنا إلى أقوال داود أغلو بعد الانتخابات بأن مسيرة العدالة والتنمية والتي عمرها لا يتعدى 13 عامًا هي مسيرة لا تذكر في تاريخ الشعوب وبناء الحضارات، مقرا ومشيرا بذلك إلى خضوعه للمنظومة الديمقراطية والمسار الديمقراطي الطويل والشاق في سبيل إحداث التغيير.

ولعل هذه التجربه محفزة لإعادة التفكير بأشكال التحولات الديمقراطية اللازمة في العالم العربي (على كل حال لسنا في طور هذا التحول اليوم) وصعوبة حدوث أي تحول ديمقراطي من دون إشراك الإسلاميين على وجه الخصوص فيه، فالخوف من الإسلاميين غير مبرر ما دامت المعركة هي على شكل النظام لا على شكل من يشارك به.

وتثبت قراءة نتائج الانتخابات التركية أن الموضوع ليس موضوع أردوغان وحزبه، إنه موضوع الديمقراطية، والحرص عليها وعلى آلياتها، والرسائل المتبادلة بين الشعب والسلطة. أما الرسالة الأهم، فهي أنه ثمة اكتشاف عظيم يجيب أن يصل العالم العربي يوما ما: من الممكن الإطاحة بالحزب الحاكم، ومن الممكن إعطاء الإسلامين فرصة وبعدها الإطاحة بهم إذا أخفقوا، الطريقة بسيطة: عبر صندوق الاقتراع.

 

التعليقات