15/06/2015 - 20:00

وجبة من الإطعام القسري/ خالد تيتي

أقر هذا القانون العام الماضي في الكنيست بالقراءة الأولى قبل أن يُزال من جدول أعمال الكنيست ولجنة الداخلية بعد عراك برلماني طويل وعنيد تضمن عرض عشرات التحفظات القانونية ومرافعة دولية ومحلية بواسطة جمعيات حقوق إنسان ومؤسسات طبية

وجبة من الإطعام القسري/ خالد تيتي

صادقت الحكومة الإسرائيلية أمس مجددا، على مشروع قانون الإطعام القسري، أو بحسب الاسم الرسمي: 'منع ضرر الإضراب عن الطعام للأسرى'. وأقر هذا القانون العام الماضي في الكنيست بالقراءة الأولى قبل أن يُزال من جدول أعمال الكنيست ولجنة الداخلية بعد عراك برلماني طويل وعنيد تضمن عرض عشرات التحفظات القانونية ومرافعة دولية ومحلية بواسطة جمعيات حقوق إنسان ومؤسسات طبية، أدى إلى إفراغ القانون من المضمون وإرجاء التصويت عليه بالقراءة الثانية والثالثة مرارًا.

ومن الملفت للنظر في تعاطي الحكومة الإسرائيلية مع هذا القانون هذه المرة أنها اختارت أن تبدأ بمداولة القانون من النقطة التي توقف بها البت به في العام الماضي، بمحاولة منها لتخطي العقبات والنقد من مختلف القطاعات الأكاديمية والحقوقية وحتى الطبية الرسمية، التي كان لها دور فاعل ومركزي في عرقلة مشروع القانون العام الماضي وفضحه أمام الرأي العام العالمي والمحلي. فالموضوع ببساطة هو شرعنة التنكيل الجسدي بالأسرى الذين اختاروا الإضراب عن الطعام كوسيلة نضالية، عن طريق التكبيل والإطعام القسري (والذي يطلق عليه أيضا التغذية القسرية بمحاولة لأنسنة الفعل) بواسطة أنابيب تدخل عبر الأنف عنوة. الحديث إذا عن مشهد مريب وغير محتمل.

ربما من المفيد بمكان الخوض في الجوانب العديدة التي تدعوا للوقوف على هذا القانون ومناهضته بشكل خاص وبكل الوسائل، فها هي نقابة الأطباء الإسرائيلية قد أعلنت العصيان على هذا القانون قبل أن يقر نهائيًا، يقولون: 'لن نمتثل لهذا القانون حتى وإن دخل كتاب القوانين الرسمي'. إلا أنني سأسلط الضوء على منهجية عمل المنظومة الإسرائيلية من هذا الباب بالذات، فإذا ما توقفنا عند توقيت المصادقة  على القانون الآن، فلن نجد له أي أهمية إستراتيحية اليوم في أولويات الحكومة، اللهم إلا بعض من الأسرى الفلسطينيين الذين يخضون نضالا بأمعائهم الخاوية، ففي العام الماضي على سبيل المثال استُنفرت المؤسسة بمقدراتها وعدتها وعتادها بهدف التعجيل في تمرير القانون في أوج إضراب الأسرى الفلسطينيين (معركة الأمعاء الخاوية)، لكسب ورقة ضغط إضافية في المفاوضات الحثيثة التي جرت بين الأسرى وإدارة مصلحة السجون في حينة، أما اليوم فتقوم الحكومة الإسرائيلية وبدون سابق إنذار بتفعيل الجهاز القضائي والبرلماني من أجل استئناف التقدم بالقانون والتصويت علية في الكنيست بأسرع وقت ممكن ومن دون أي رقابة مهنية، أما التوقيت الحالي فيعود للمعركة الجديدة القديمة للأسير خضر عدنان المضرب عن طعامه في الأسر. هذه هي إسرائيل، لا ضير في إشغال أجهزة دولة كاملة من أجل كسر إرادة أسير واحد فقط.

هذه العقلية المتجذرة في مبنى المؤسسة الإسرائيلية والتي تجيد 'عمل النملة' من دون أي تفريق من كبيرة وصغيرة، قادرة على تلقي الأوامر بشكل عمودي من الاتجاهين، فإذا أقرت الحكومة سياسة ما ضد الأسرى، ترى سهولة تعامل المستوى التنفيذي المنخفض مع الأوامر حتى وإن كانت غير إنسانية، ولا يتوقف الأمر هنا، فثمة في إسرائيل دولة عميقة أيضا، يخيل لنا أنها غير موجودة، فبإمكان مصلحة السجون أن تطلب قانونا على مقاسها، يسن وينفذ وفق طلبها، حتى وإن كان الهدف منه التلويح بالخطر أو الضغط على أسير منفرد، فبكل الأحوال تمتلك إدارة السجن، وفق قوانين حقوق المريض، الآليات المطلوبة للتعامل مع الأسير المضرب والحفاظ على حياته، إلا أنها تتعمد انتزاع صلاحيات خاصة تشدد الطوق حول الأسير كي لا ينقل إلى المستشفى للعلاج أثناء الإضراب، وليكون مصيره الطبي خلف الأبواب المغلقة المظلمة للسجن نفسة.

قد يبدو هذا الكلام إنشاءً أو عرضًا لمعطيات مملة، بيد أن الحديث يدور عن وسيلة بإمكانها أن تقتل الأسير قبل أن يعذب بيد أطباء أرغموا على تعذيبه والتنكيل به. من حق الأسير علينا أن نسمع صوته المنطلق من أمعائه الخاوية، من واجبنا جميعا أن نتصدى مجددًا، بكل السبل لمنع إقرار قانون الإطعام القسري وهذا أضعف الإيمان، وهو أمر ممكن كما أثبتته التجربة في العام الماضي. من واجبنا أن نَذكر ونُذكّر ونتذكر هذةه القضية كل صباح، حتى وإن أصبحت وجبة يومية من الإطعام القسري.

التعليقات