18/06/2015 - 11:47

ضرورة مقاطعة إسرائيل وليس فقط الاستيطان/ د. محمود محارب

ترفض إسرائيل علنا ورسميا تنفيذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية التي تدعوها إلى الانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967 وإلى وقف الاستيطان وإزالته، وتصرّ على تحدي المجتمع الدولي والاستمرار في الاحتلال وفي توسيع الاستيطان الإسرائيلي في

ضرورة مقاطعة إسرائيل وليس فقط الاستيطان/ د. محمود محارب

ترفض إسرائيل علنا ورسميا تنفيذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية التي تدعوها إلى الانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967 وإلى وقف الاستيطان وإزالته، وتصرّ على تحدي المجتمع الدولي والاستمرار في الاحتلال وفي توسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة والبطش بالشعب العربي الفلسطيني.

 لقد أقامت إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة نظاما احتلاليا كولونياليا استيطانيا عسكريا أسوأ في جوهره وفي جوانبه الأساسية من نظام الأبارتهايد البائد في جنوب أفريقيا. وهي تسابق الزمن في تعزيز مشروعها الاستيطاني الكولونيالي في جميع المجالات، سواء لجهة عدد المستوطنين أو المستوطنات أو البؤر الاستيطانية التي تعمل حكومة نتنياهو على منحها وضعا قانونيا والتي يزيد عددها عن مئة بؤرة استيطانية تنتشر في مناطق الضفة الغربية المحتلة، أو لجهة زيادة عدد الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة أو لجهة تعزيز البنية التحتية الاقتصادية لمشروعها الاستيطاني.

 من الواضح منذ فترة طويلة أن إسرائيل ترفض السلام مع الفلسطينيين وترفض المبادرة العربية التي دعتها إلى عقد سلام شامل ودائم مع جميع الدول العربية وتطبيع العلاقات معها مقابل انسحابها من جميع المناطق المحتلة سنة 1967 وإقامة دولة فلسطينية.

ومن الواضح أيضا أن إسرائيل، تحت قيادة حكومة نتنياهو والحكومات الإسرائيلية السابقة أيضا، تتعامل مع احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة كحالة دائمة وليست كحالة مؤقتة، وأنها تنتظر اللحظة المناسبة دوليا وإقليميا لضم قسم كبير من هذه المناطق المحتلة إليها تصل إلى 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة، كما يطالب اليمين المتطرف واليمين الفاشي في إسرائيل.

 وبات واضحا أيضا أن إسرائيل استعملت وتريد أن تستمر في استخدام المفاوضات الثنائية المباشرة ليس للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وإنما للاستفراد بهم والاستقواء عليهم وتجريدهم من مختلف عوامل قوتهم، وكغطاء لاستمرار الاستيطان والاحتلال وكأفضل وسيلة لتجنب المقاطعة والعقوبات الدولية ضدها.

ومن الواضح أن إسرائيل ستستمر في الاحتلال والاستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ما لم تدفع ثمنا باهظا الذي لا يمكنها تحمله والذي يرغمها على تغيير سياستها ويجبرها على الانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة والكف عن التنكر لحق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال والعودة.

إن الطريقة الأجدى والأفضل في الظروف الحالية وفي الزمن المرئي، والشرعية في الوقت نفسه، والتي بات قطاع واسع من الرأي العام في العالم يؤيدها، وهو يزداد ويتضاعف عاما بعد آخر، هي تدفيع إسرائيل ثمن الاحتلال والاستيطان وثمن تنكرها لحقوق الفلسطينيين وبطشها بهم وارتكابها الجرائم بحقهم؛ بواسطة مقاطعتها دوليا وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية والأكاديمية الجدية والمؤلمة عليها الكفيلة بإرغامها على الانسحاب من المناطق المحتلة.

لقد ثبت في العقدين ونيف الماضيين بشكل قاطع أن الخنوع لإسرائيل والخضوع لأهدافها وأجندتها منذ اتفاقية أوسلو في سنة 1993، لم يقد إلى النتائج المتوخاة، وإنما أدى إلى ازدياد إسرائيل في عدوانيتها وتوسعها. علاوة على ذلك، لقد ثبت أيضا أن الخنوع لإسرائيل وتقديم التنازلات لها لإرضائها بدل مواجهتها ومجابهتها ونبذها ومقاطعتها وفرض العقوبات عليها، لم يساهم قيد أنملة في جلب السلام وإنما أبعده وساهم مساهمة أساسية في تعزيز قوة معسكر اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل وتشجيعه في الاستمرار في سياساته الاستيطانية العدوانية والتوسعية والعنصرية، وأضعف موضوعيا من قوة القوى الإسرائيلية التي تطالب بإنهاء الاحتلال والاستيطان.

إن الدعوة لمقاطعة المستوطنين والمستوطنات ومنتوجاتها مهمة، ولكن ينبغي ألا تكون بديلا عن مقاطعة إسرائيل وإنما جزءا من النضال لمقاطعة إسرائيل دوليا وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. فإسرائيل هي التي تحتل الأراضي الفلسطينية وهي التي تقوم بعملية الاستيطان، والاستيطان وتعزيزيه واستمراره هو مشروعها الوحيد فيما يخص القضية الفلسطينية.

لقد حان الوقت أن تولي الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها، أي قيادة السلطة، أو بشكل أدق السلطتين، وقيادة مختلف التنظيمات والحركات والأحزاب والفعاليات الفلسطينية في مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، سواء في داخل الأراضي المحتلة سنة 1967 أو في داخل الخط الأخضر أو في تجمعات الشعب الفلسطيني في خارج فلسطين، الأهمية القصوى والأولوية العليا لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، في المشروع النضالي الوطني الفلسطيني. فهي الوسيلة الأنجع والسلاح الأمضى في الظروف الحالية وفي الزمن المرئي، لتدفيع إسرائيل ثمن تمسكها بالاحتلال والاستيطان والعنصرية ولإرغامها على الانسحاب من المناطق المحتلة سنة 1967 والاستجابة للحقوق الفلسطينية، لا سيما إذا ما استند النضال الوطني الفلسطيني إلى استراتيجية شاملة تعتمد الوحدة الوطنية والنضال الجماهيري المتواصل في الأراضي المحتلة الكفيل بتحويلها إلى مناطق لا يمكن لإسرائيل حكمها، وتفعيل طاقات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده.

التعليقات