21/06/2015 - 20:11

"السطوة"... دون الدولة ودون الثورة/ حنين زعبي

إن رغبة حركات الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة كانت الدافع الأساسي للمصالحة أو محاولة المصالحة، أو منفعة المصالحة، ما بين برامج تلك الحركات وبين الديمقراطية أو تقبل الآخر، لكننا هنا، دون الدولة، ودون الثورة، بحاجة أيضا لتلك المصالحة

نتساءل لماذا دخلت الثورات العربية مسار إجهاض، ما زالت تكافحها، أو على الأقل لم نغلق نحن بعد هذه المرحلة؟

لماذا فشلت 'الثورة النموذج' في مصر؟ بقوة الدولة العميقة؟ ما سبب السهولة المرئية في الانقلاب على قيم الثورة ومنجزاتها؟ هل اعتمدت الدولة العميقة على شرخ وعداوات أو مخاوف داخل المجتمع نفسه، لكي تنقلب على الثورة وتعود وتزيد من إحكامها في النظام؟ 

وإذا كنا نقول إن سبب تعثر مسيرة بناء الديمقراطية هو ضعف التنظيمات والنخب السياسية، فهل سببها أيضا عدم حماس الجماهير المسيّسة في حماية حركة 'الإخوان المسلمين' التي استلمت السلطة، من انقلاب مؤسسات دولة النظام القديم عليها؟  

كتب الكثير على أن قدرة المجتمع على محاربة الإستبداد، لا تتعلق بالعلاقة بين المجتمع والنظام فقط، بل تتعلق بالعلاقة بين قطاعات المجتمع نفسه، وعلى أن العداوات والتخوفات وثقافة الإقصاء الداخلية، تخفف من العداء للأنظمة الاستبدادية، ولا تزيد منها، حتى لو كان النظام مساهما ومنتجا ومستفيدا من ثقافة الإقصاء والعداوات الاجتماعية تلك.

وبالرغم من أن هناك مصلحة مجتمعية واسعة للإجابة على سؤال العداوات والمخاوف الاجتماعية، إلاّ أنّه يبقى أوّلا، سؤال الحركات الإسلامية نفسها، لوعينا وإدراكنا التام، أنّها وعلى خلاف حركات سياسية أخرى، تؤسس لسلطتها السياسية على أساس سطوتها الاجتماعية، في مجتمع يشكل الدين جزءا من نسيجه الوجداني، وتتبوأ فيه أي مرجعية باسم الدين، وبغض النظر عن مضمون أقوالها وسلوكياتها سطوة مجتمعية.

رغم أن حركة الإخوان المسلمين في مصر أبدت بعد الثورة استعدادا – ربما ظاهريا- لتبني خطاب المواطنة والحقوق الفردية المتساوية، وبناء الحيز العام على أساس شراكة سياسية كاملة، إلا أنها استمرت في نهج إقصائي، واستمرت في ثقافة معاداة لقطاعات واسعة من الشعب، لا يبرر بأي حال من الأحوال الانقلاب عليها، لكنه على الأقل، يدعوها للتساؤل حول أدائها السياسي الذي لم يختلف كثيرا بعد استلامها السلطة، عنه قبل استلامها.

لكننا هنا، ودون ثورة، وحتى دون دولة، نطالب الحركة الإسلامية أن تحسم، بين طريقها في تطوير خطاب المخاوف والكراهية والإقصاء والتضليل والتحريض،  وبين خطاب وحدوي جامع مبني على أساس مساواة الأفراد في إنتاج الحيز العام، وفق مرجعية وطنية واجتماعية جامعة.

نحن نطالب قيادات الحركة الإسلامية، بمراجعة مساري التحريض الذي تنتهجه أحياناً، والصمت على التحريض، الذي ينجر إليه شباب لم يتمتع بفرصة التسييس والتربية على قيم الإصغاء والحوار، وتأكيد الجامع وقبول المختلف.

والمراجع لخطاب الفيسبوك الدموي في الأسبوع الأخير، والمراجع لردود غريزية، تقوم على المطلق والاستئصال، يستطيع ربطه بسهولة مع خطاب بعض القيادات من الحركة الإسلاميّة، التي من أجل مكاسب سياسية ما، تُضحَي بعقول الشباب، وبجيل كامل من شبابها، ينشأ على فكر استئصالي قمعي وعنيف، بدل أن ينشأ على تربية وطنيّة حقيقية، لهدف لا يتعدٓى الربح السياسي، ومناكفة قوة وطنية يراها منافسة، وتغطية نقاش سياسي مهم وحقيقي، لا يملك له أجابات ولا حجة مقنعة.

تحتاج الحركة الإسلامية إلى الكثير من التجديد وإعادة الحسابات مع نفسها، تشبه تلك التي مرت، والتي ما زالت وستمر بها، بعض حركات الإسلام السياسي في العالم العربي.

يصح مطلب التجديد وإعادة الحسابات هذه،  لكل وقت، لكن ضرورته تنبع في هذا السياق، من كوننا نتعامل مع حركة سياسية تصر أن تتعامل مع نفسها كمرجعية دينية، مصممة بذلك أن تدخل 'المقدس' في كل نقاش، مثيرةً عصبيات تؤدَي إلى ثقافة استئصالية، غير آبهة بالنتيجة، وهي إدخال المجتمع في دائرة من العداوات والعنف والتشكيك وفقدان الثقة بالآخر، حالة لا يمكن فيها الحديث حتى عن 'مجتمع' أو جامع وطني، ناهيك عن الحديث عن أي نضال أو نهضة. وضمن هذه الرؤيا تندرج سلوكيات التحريض والتشويه والعنف والإقصاء والتكفير، كسلوكيات لا وطنية بامتياز.

كما أن المزاوجة بين 'المقدس' والعنف، حيث يتم الدفاع بعنف لا متناه عما يعرضه البعض كـ”مقدَّس'، هي وصفة  لإبعاد الناس عن الدين وليس لتقريبهم، وهي وصفة لا قدسية فيها، حيث يستغل المقدس لأهداف أيديولوجية. ولا تختلف الحركات الإسلامية، حينما تلجأ لذلك، عن الأنظمة العربية الاستبدادية التي تحاربها (بعد أن أقامتها لمحاربة تيارات قومية ويسارية)  والتي تغطى بعضها بـ” شرعية دينية' لتبرير نظامه القامع وعنف سيطرته.

إن رغبة حركات الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة كانت الدافع الأساسي للمصالحة أو محاولة المصالحة، أو منفعة المصالحة،  ما بين برامج تلك الحركات  وبين الديمقراطية أو تقبل الآخر، لكننا هنا، دون الدولة، ودون الثورة، بحاجة أيضا لتلك المصالحة.

ففي مسار عملية بناء الوطني الجامع، وليس فقط في مسار الثورات، أو السعي إلى الديمقراطية، نصطدم مع مواقع 'السطوة'، وتلك عليها أن 'تتنازل' عن 'تميزها' كحركة تطرح مرجعيتها كمرجعية مطلقة، وعليها أن تتنازل عن 'المقدس' في الخطاب السياسي، وعليها أن تحرص على عقول أجيال، وعلى الجامع الوطني..

نتحمّل جميعنا مسؤولية بناء، ليس لجنة المتابعة فقط، بل القاسم الوطني والاجتماعي، بشكل مشترك ومتساوي.

ثورة ستنتصر وروح ثورية مستمرَّة...

التعليقات