27/06/2015 - 12:18

محاكمة المسؤولين الاسرائييلين في المحاكم الدولية../ حنين زعبي

يشكل التقرير فرصة، لوضع إسرائيل أمام مسؤوليتها الدولية، وفرصة للعناد الفلسطيني الشعبي والرسمي، للإصرار بمطالبة إسرائيل بالتوقيع على معاهدة روما. وعلينا ألا نسمح لأنفسنا، بحق النضالات العنيدة لهذا الشعب، وبحق صمود غزة البطولي، ألا نحمل هذا التقرير، إلى المحكمة الدولية، بكل إصرار وعناد

محاكمة المسؤولين الاسرائييلين في المحاكم الدولية../ حنين زعبي

تبارك الضحية دائما الحقيقة، ويهرب منها الجاني، ترفض إسرائيل أن تقبل نتائج أي تحقيق، أو تناقشها، أو حتى تفندها، وتبدأ بالشتم والتحريض، وتمنع وفود الأمم المتحدة من الدخول إلى غزة، بينما نبارك نحن أي تحقيق جدي فيما حدث ويحدث في غزة، مع أننا لم نكن نحتاج لتقرير الأمم المتحدة لكي يؤكد لنا أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد شعبنا، وندعم التقرير مع أنه لا يشكل لائحة اتهام ضد إسرائيل، وليس نتاجا لمجريات قضائية، إنما هو تقرير مقدم من قبل لجنة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة.

مع ذلك فإن مثل هذه التقارير تستطيع أن تشكل أساسا لتقديم شكوى وطلب تحقيق لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. رد الفعل الإسرائيلي المستهتر بتقرير الأمم المتحدة، هو مؤشر كاف للمحافل الدولية، لكي تستهتر هي بالتقارير الإسرائيلية، فمن يتعامل مع تقارير دولية على أنها "تقارير ملطخة بالدماء"، يبرهن على عدم قدرته هو على التعاطي الموضوعي مع تقارير من مثل هذا النوع، حتى لو كان هو مصدرها.

لا يهمنا رد الفعل الإسرائيلي، ما يهمنا هو ردنا نحن، وتعاملنا كضحية مع وثيقة تشكل أساسا لملاحقة قاتلي الأطفال، الذين "لا ينسون توزيع الحلوى عليهم".

يجب أن يكون الرد الفلسطيني: أننا نرحب بالتقرير، وبكل تحقيق جدّي ومستقل لجرائم الحرب التي ارتكبت، ونقبل توصية التقرير بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في لاهاي، كما نقبل توصية تقرير الأمم المتحدة بمطالبة إسرائيل بالتوقيع على وثيقة روما لمحاكمة مجرمي الحرب، سيما وأن السلطة الفلسطينية وقعت مؤخرا على هذه الوثيقة.

أما بخصوص البعض في إسرائيل، الذين يريدون " تعزية النفس" بالموازنة بين المجرم والضحية، فيدّعون بأن التقرير هو أكثر توازنا من تقرير "جولدستون" وأنه يضع الطرفين إسرائيل و"مجموعات فلسطينية مسلحة"، في خانة "مجرمي الحرب"، فإن قراءة للتقرير توضح عدم صحة ذلك، خاصة أن التقرير:

1.  يلمح  إلى أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن الوضع الذي أدى لارتكاب جرائم حرب، ويشير إلى أن ما حدث، هو ضمن سياق الحصار، وأنه لا يمكن فهم ما جرى في غزة وتقييمه بمعزل عن الحصار المفروض من قبل إسرائيل، والذي هو بمثابة "عقاب جماعي" للفلسطينيين. كما شدد التقرير على الرفض الإسرائيلي المتواصل للتعاون مع اللجنة، بما في ذلك إعطاء تصاريح لوفود اللجنة للدخول إلى غزة والضفة والقدس، والإشارة إلى أن مصر أيضا لم تسمح للوفود الدخول إلى غزة عن طريق معبر رفح. مما اضطر اللجنة بالاكتفاء بـ280 مقابلة مباشرة، و500 شهادة مكتوبة، ومراجعة المواقع الرسمية للحكومة الإسرائيلية، أما السلطة الفلسطينية فيشير التقرير إلى تعاونها مع اللجنة. 

2.  يتعامل التقرير مع حجم الجريمة بما ينسجم ويتلاءم مع حجم الدمار والقتل، فيفرد للجرائم الإسرائيلية حصة الأسد، مظهرا الجريمة بالأرقام، ومتحدثا عن: 2251 شهيدا، بينهم 551 طفلا، و 11231 جريحا، بينهم 3436 طفلا، منهم 430 طفلا سيبقى معاقا لمدى الحياة، كما خلف العدوان 1500 طفل يتيم، وأباد عائلات بكاملها، ومسح أحياء بكاملها، وأن 142 عائلة فلسطينية فقدت على الأقل ثلاث أفراد من أعضائها. وخلص التقرير إلى أن "الخسارة البشرية الكبيرة في غزة تكسر القلب".

أما فيما يتعلق بالدمار وهدم البنية التحتية، فأشار التقرير إلى هدم 18 ألف بين في غزة، وإلحاق ضرر بشبكة الكهرباء والمياه والمياه العادمة، وتخريب 73 مركزا طبيا وعشرات سيارات الإسعاف، وتحويل نصف مليون فلسطيني، أي 28% من غزة إلى لاجئين. كما تحدث عن تدمير إسرائيل لملاجئ الأمم المتحدة، ولمؤسسات تابعة للأمم المتحدة، منها مؤسسات طبية، وسيارات إسعاف. وأظهر التقرير أن إسرائيل، أطلقت 6000 غارة، أدى معظمها إلى ضرب أحياء سكنية.

في المقابل تحدث التقرير عن مقتل 73 اسرائيليا، وعن 1600 جريح، بينهم 270 طفلا، وعن إطلاق  4881 صاروخا، و1753  قذيفة.

3.  في الوقت الذي استخدم التقرير تعابير مثل: "صدمات نفسية"، "خوف"، "ذعر"، "الإحساس بالأمان"، " كسر الروتين اليومي"، و" العيش ضمن تهديد متواصل"، لوصف الحالة الإسرائيلية، استخدم تعابير مثل: "حالة من الدمار الكامل"، "خسارة بشرية تكسر القلوب"، " أزمة أمن"، و"حالة خرق مزمنة ومنتشرة ومنهجية لحقوق الإنسان"، لوصف الوضع في غزة.

4.  يحمل التقرير التقرير  اتهاماً لإسرائيل، ليس فقط بحجم الدمار، بل بالقتل المتعمد. مثلاً: أن إسرائيل تقصد قصف المباني في ساعات الإفطار أو السحور الرمضانية، أو خلال الليل حيث الجميع نيام، أن إسرائيل تقصف مباني آهلة بالسكان، وأن اعتقادها بوجود "مدنيين" من ضمنهم، لا يعفيها من مسؤولية ارتكاب جريمة حرب. أما الادعاء الإسرائيلي، بأن إسرائيل أعطت إنذارا مسبقا للسكان بإخلاء المكان، فقد أجاب عليه التقرير بأن 44% من غزة هي أماكن محصورة، لا يمكن إخلاؤها إلى مكان "آمن" قريب.  

وخلص التقرير إلى أن إسرائيل لم تفعل ما بوسعها لكي تضمن عدم قتلهم، وأن "جهلها" بأن عملياتها تقتل مدنيين، كان يمكنها أن تتبدد بعد أيام قليلة من الغارات، لكنها استمرت في نفس طريقة الغارات، مشيرة بأن هنالك "نموذج ثابت من الغارات" Patter of attack، موحيا بذلك أن إسرائيل هدفت إلى قتل أكبر عدد من الفلسطينيين. 

5. شدد التقرير أن إعادة البناء، ليست بديلا لفك كامل وفوري للحصار. 

يشكل التقرير فرصة، لوضع إسرائيل أمام مسؤوليتها الدولية، وفرصة للعناد الفلسطيني الشعبي والرسمي، للإصرار بمطالبة إسرائيل بالتوقيع على معاهدة روما. وعلينا ألا نسمح لأنفسنا، بحق النضالات العنيدة لهذا الشعب، وبحق صمود غزة البطولي، ألا نحمل هذا التقرير، إلى المحكمة الدولية، بكل إصرار وعناد.

التعليقات