28/06/2015 - 16:49

ابن تيمية محظوراً في الأردن/ معن البياري

يمكن تفهم الغضبة الحكومية الأردنية من ابن تيمية، وهي ليست مستجدة تماماً، بالنظر إلى أن القتلة في "داعش" استخدموا فتوى له في حرق الطيار معاذ الكساسبة. ويمكن، لهذا الأمر، تفسير حرق شبان أردنيين بعض كتب الرجل

ابن تيمية محظوراً في الأردن/ معن البياري

موجز الخبر أن كتب ابن تيمية صارت ممنوعة من الدخول إلى الأردن، فبات استيرادها محظوراً، أما الموجود منها في داخل البلاد فلا قرار بشأنه. هذا ما يتبدّى من طلب مدير المطبوعات والنشر من وزير الأوقاف استئناساً برأيه في شأن كتب الفقيه المعروف، فيرد الوزير بأنها موجودة في المكتبات، وبعضها يتم تدريسه في كليات الشريعة في الجامعات الأردنية. نتسقّط تفاصيل القصة، فلا نعثر على قرارٍ معلن بمنع مؤلفات (شيخ الإسلام)، وإنما هو إجراء بالتحفظ عليها في المطارات والمعابر البرية، وفي البال أن استيراد الأردنيين (درء تعارض العقل والنقل) و(نقد المنطق) و(قاعدة الجهاد)، وغيرها من مصنفات الرجل، وبعضها يحتوي فتاويه في غير شأن وقضية، كان يتم من لبنان ومصر والسعودية والمغرب. ومعلوم أن فضاء الإنترنت المباح والمتاح يتوفر على هذا كله، ما يعني أن أبا العباس، تقي الدين أحمد بن تيمية، لن يجد حاجة إلى أن يدخل إلى الأردنيين تسللاً، كما كان يفعل كتّاب عن الشيوعية والإلحاد إبّان عقود مضت.

يمكن تفهم الغضبة الحكومية الأردنية من ابن تيمية، وهي ليست مستجدة تماماً، بالنظر إلى أن القتلة في "داعش" استخدموا فتوى له في حرق الطيار معاذ الكساسبة. ويمكن، لهذا الأمر، تفسير حرق شبان أردنيين بعض كتب الرجل، في غضون تلك الهبة الشعبية الحانقة من تلك الجريمة الشنيعة. ولكن، هل يمكن اعتبار قرار دائرة المطبوعات والنشر الأردنية مجدياً في إطار جهود المملكة في تطويق أسباب الإرهاب ومنابعه ومصادره الثقافية؟ لو أن منعاً جرى لابن تيمية في الكويت وتونس، مثلاً، هل كان البلدان سينجوان من الجريمتين الشنيعتين، أول من أمس؟ ومن قال، أصلاً، إن كل فتاوى الفقيه الشهير الذي مات قبل أكثر من سبعمائة عام في التكفير والقتل وحرق الأسرى وتفجير المساجد؟ 
هي بعض أسئلة تتناسل منها أسئلة أخرى، تتصل بالمناخ الفكري، والتأصيلي، المنحرف الذي يروج فيه هذا الظلام المخيف، والسرطان الإرهابي المعتم، في البيئة العربية، بعد هزيمةٍ مدوية لقيم الحداثة والتنوير والديمقراطية والانفتاح في مجتمعاتنا العربية التي تسرّب إليها وباء التكفير والطائفية والمذهبية، وغير هذه وتلك من أمراضٍ فظيعة، لا نبرر لها، عندما نؤرخ أنها طرأت في المشهد العربي والإسلامي بعد قتل مسار انتخابي في الجزائر، ثم الاحتلال الأميركي للعراق، وبعد أن أمعن النظام السوري قتلاً في رعاياه. وفي الوسع القول إن مصنفات ابن تيمية كانت في الأسواق العربية منذ عقود، وطولعت كثيراً، واختص بها علماء دين ومشايخ معتدلون، بل وشوهد مسلسل تلفزيوني جيد عن ابن تيمية، قبل سنوات، أدى دور البطولة فيه الراحل عبد الله غيث. 

إذا كان الجهلة في داعش قد استخدموا ابن تيمية، بكيفيةٍ يستطيع حسم صحتها أو عدمها علماء الشريعة المختصون، وإذا كان مجانين زرقاويون وقاعديون وبن لادنيون، وأشباحهم وأشباههم، قد استثمروا الفقيه القديم، وإذا كان في فتاوى الرجل ما هو شاذ، وفي غير صحيح العقل والمنطق، فذلك كله لا يعني أن مواجهته تتم بحظر الكتب والرقابة عليها، ولا سيما أن شرّاح ابن تيمية بلا عدد، فما من دارس في الفقه والشرع الإسلاميين، بل ومن أهل التفكير الإسلامي، إلا ومرّ على أفكاره وطروحاته، موافقة أو اعتراضاً أو تحبيذاً أو درساً، ما لا يعني أننا سنكون مطالبين بالتربص لكل هؤلاء، ومنهم رشيد رضا ومحمد عبده وغيرهما من إصلاحيين ونهضويين، ومن أصوليين وسلفيين أيضاً. ولأهل المعرفة والدراية بالأصول وعلوم المقتضى والتجديد في الفقه والفتوى أن يقولوا، في شؤون الأمة، ما يعزز صلاحها، ويفيد في منجاتها من هوة ظلام خطير، ولهم أن يُفتونا بشأن ابن تيمية، وفي ظننا أن ذلك لا يوجب منع كتبه ومؤلفاته، في الأردن وغيرها.

("العربي الجديد")

التعليقات