03/07/2015 - 10:05

مصر.. سيناريو جزائري/ بشير البكر

تُعدّ تطورات الأيام الأخيرة، بدءاً بالعملية الإرهابية التي أودت بحياة النائب المصري العام، هشام بركات، مؤشراً صريحاً إلى أن الموقف العام في مصر بات ينذر بما هو أخطر مما تشهده القاهرة وسيناء بكثير

مصر.. سيناريو جزائري/ بشير البكر

تُعدّ تطورات الأيام الأخيرة، بدءاً بالعملية الإرهابية التي أودت بحياة النائب المصري العام، هشام بركات، مؤشراً صريحاً إلى أن الموقف العام في مصر بات ينذر بما هو أخطر مما تشهده القاهرة وسيناء بكثير، فانفجار السيارة المفخخة التي كانت تقل بركات وقع وسط مربع أمني محروس جيداً، والضحية ليست شخصية عادية، بل هو أحد رجالات النظام الأساسيين الذين يحفل سجلهم بالنقمة العارمة، بسبب دوره في إرساء الانقلاب العسكري الذي قام به الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، في الثالث من يوليو/تموز 2013، فهو من تولى تشغيل الماكينة القضائية التي شرّعت مذبحة رابعة، ومن ثم الاعتقالات التعسفية والمحاكم القاسية والمشينة بحق رموز وقيادات سياسية، نالت أحكاماً بالإعدام والمؤبد لأسباب واهية، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية المنتخب، محمد مرسي.
 
منذ اليوم الأول لانقلابه، استعار السيسي النموذج الذي اعتمده الجيش الجزائري عام 1992، حين ألغى نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وزج قياداتها في السجن، وسط تأييد فرنسي أولاً، وغربي ثانياً. وكانت النتيجة أنه فتح على الجزائر باباً لم يكن في الحسبان، هو باب العنف الذي تطور إلى حرب أهلية، استمرت قرابة عشرة أعوام، وراح ضحيتها نحو ربع مليون جزائري، عدا الآثار النفسية والاقتصادية التي لا تزال ماثلة للعيان. وفي ذلك الوقت، لم توعز قيادات "الإنقاذ" لجماهيرها وأنصارها بإتباع أسلوب العنف، وكان أن خرجت قيادات شبابية لتحمل السلاح، وجرّت معها قطاعات واسعة متضررة تاريخياً من نظام الحزب الواحد والتهميش والإقصاء، بالإضافة إلى أوساط فقدت الأمل بالتغيير السلمي، ووجدت في اللجوء إلى القوة حلاً ناجعاً، فكانت النتيجة خسارة للجميع، والجزائر قبل كل شيء التي أضاعت فرصتها في بناء تجربة ديموقراطية تعددية، على أساس التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع.

واليوم بعد مرور 23 عاماً على التجربة المريرة في الجزائر، لا تزال دروسها ماثلة للعيان، معطوفاً عليها ما حصل في عدد من البلدان العربية من ثورات شعبية، أساسها المطالبة برحيل الأنظمة القمعية الفاسدة. وفي سياق هذه الثورات التي هبت رياحها من تونس في نهاية عام 2010، تظل ثورة 25 يناير المصرية ذات مكانة سياسية ووجدانية، لأنها شقت طريقاً خاصاً أفضى إلى انتخاب برلمان جديد ورئيس جديد، الأمر الذي أشاع الأمل في العالم العربي بأن تكون رافعة للوضع العربي، وسنداً للثورات في تونس وسورية وليبيا واليمن، لكن رياح العسكر في مصر دفعتها في اتجاه آخر، حين قاموا بثورة مضادة، من دون أن يتعظوا بما آل إليه الوضع في سورية التي ذهبت إلى حرب أهلية، بسبب إصرار نظام بشار الأسد على مواجهة أحلام الناس بالحرية والكرامة بالرصاص.

وفي يومنا هذا الذي تشهد فيه مصر بداية مسار خطير، لا صوت فيه يعلو على صوت العنف، لا يمكن للحكم العسكري الحالي أن يتهرب من المسؤولية الأولى عن جر البلد إلى نفق مظلم، فهو لا يمتلك أي شرعية، وليس في يده سلاح غير سلاح القوة، ومن يلغي نتائج صناديق الاقتراع بالقوة، ويبيح لنفسه الرد على معارضيه بأحكام الإعدامات والمؤبد، ليس من حقه الشكوى، إذا أدى ذلك إلى الفوضى العامة والإرهاب.

صحيح أن طريق الإرهاب مذموم وعدمي ومغلق، لا يفتح أي أفق. ولكن، من يضع قدمه أولاً على هذا الطريق يكون هو الذي جلب هذه اللعنة على نفسه، وعلى الآخرين. ولذا، تحتاج مصر اليوم إلى من يرفع صوت العقل، ويبعد عنها هذه الكأس المرة، قبل أن يسقط المعبد فوق رؤوس الجميع.

(نائب رئيس تحرير "العربي الجديد")

التعليقات