02/10/2015 - 12:48

ملاحقة الحجر والعبادة: أطفال القدس ومصليها/ حنين زعبي

لا تحارب إسرائيل انتفاضة، ولا تمردا شعبيا كاسحا، ولا مقاومة واسعة، لكنها مع ذلك لا تستكين، ولا تكتفي بأقل من "حالة هدوء كامل"، فمن يستطيع أن يملك السيطرة الكاملة، لماذا يكتفي بنصفها؟. وتتحول استراتيجية إسرائيل بعد التأكد من خلو مشهد الصرا

ملاحقة الحجر والعبادة: أطفال القدس ومصليها/ حنين زعبي

لا تحارب إسرائيل انتفاضة، ولا تمردا شعبيا كاسحا، ولا مقاومة واسعة، لكنها مع ذلك لا تستكين، ولا تكتفي بأقل من 'حالة هدوء كامل'، فمن يستطيع أن يملك السيطرة الكاملة، لماذا يكتفي بنصفها؟. وتتحول استراتيجية إسرائيل بعد التأكد من خلو مشهد الصراع من مقاومة واسعة، إلى تشخيص 'حالات الاستثناء'، والقضاء عليها قضاء محكما، فهي تخاف من توسع تلك الحالات فتفسد الهدوء الذي يحيط بها. وعلى مدار السنتين أو الثلاث الأخيرة، شخصت إسرائيل بدرجات متفاوتة بعض الحالات واستهدفتها، واضعة خطة من قوانين وتوجيهات لمواجهتها: الشباب المتظاهرين في الداخل، فبدأت حملة  غير مسبوقة من التحقيقات بالجملة، ومن الاعتقالات الوقائية، ومن الشهادات الكاذبة. ثم بعض نشطاء التنظيمات، فارتفعت وتيرة الاعتقالات الإدارية بدرجة غير مسبوقة. 

أما في السنة الأخيرة، ( بشكل أكثر وضوحا منذ مقتل الطفل أبو خضير) فقد دخل لاعب غير متوقع، دخلت القدس بأطفالها ومصليها، مشهد 'الشغب'، وكسرت حالة شبه هادئة من قبل أبعد بقعة عن المخاوف الإسرائيلية: القدس. ولم يتمركز 'التمرد' في حي ما، بل شمل كافة أحياء القدس ومركزها الأهم ' الأقصى'.    

ولكي لا تشكل الأحداث واقعا استراتيجيا جديدا، سارعت إسرائيل لإخمادها بأعنف الوسائل وأكثرها همجية: أوامر قنص الأطفال، وأوامر إبعاد المصلين. إصرارها على عدم المخاطرة بالوضع في القدس، وإطمئنانها إلى ردة الفعل، جعلها لا تبخل في الرد.

وقد أتاح عدم محاكمة أي قناص من الشرطة، أو وزير شرطة أو رئيس حكومة، على أثر قتل شهداء الانتفاضة الثانية قنصا، أو قتل أربعين فلسطينيا بدم بادر بعدها، وعدم إحالة أي جندي أو جنرال أو رئيس حكومة إٍسرائيلي، للمحاكمة الإسرائيلية أو لمحكمة الجنايات الدولية، بعد مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، أتاح كل ذلك، القرار الإسرائيلي بتحويل قنص الفلسطيني، من أداة احتلال، تفعل في الضفة الغربية، إلى أداة سياسية رسمية شرعية، تفعل على جانبي الخط الأخضر. وقررت حكومة إسرائيل تغيير أوامر إطلاق النار، والسماح بإطلاق النار على أطفال القدس والنقب والجليل، حسب تصريح نتانياهو قبل أسبوعين، 'مساوية' بين جرائمها لكل أطفال فلسطين، فلا اختلاف بين أطفال راهط أو الخليل أو الدهيشة أو كفر كنا. 

طالبت شرطة إسرائيل إعطاءها حرية القتل، طالبت بمساواتها مع الجيش، طالبت حرية نصب 'مصائد قناصة'، وحرية استعمال بارودة بقطر معين، منعت الشرطة من استخدامها حتى اليوم. وبعد تصريحات لا تحصى من السياسيين و'بكاء' بأن 'أيديهم مكبلة' أمام أطفال الحجارة في القدس، وبعد حملة إعلامية من صحفيين غاضبين من 'قلة حيلة' السلاح مقابل الحجر - معدل قتل طفل فلسطيني كل 3.7 يوم هو قلة حيلة على الأغلب بالنسبة لأي مجتمع تعود القتل دون محاسبة - صادق المستشار القانوني للحكومة - من يتكلم عن فصل سلطات عندما نتحدث عن عدو؟-  على توجيهات جديدة تعطي ضباط الشرطة حرية القرار في الميدان، وأمام ضباط كهؤلاء، تتحول التوجيهات من إطلاق نار على الأرجل، كما هي رسميا، إلى إطلاق نار على الجزء الأعلى من الجسد، كما رأينا في الأشهر الأخيرة.   

من يسمح لنفسه بأن يحول الأطفال إلى مشروع موت، يسمح لنفسه أيضا بأن يحول الصلاة إلى جريمة، والمصلين إلى مشبوهين. 

لقد قامت نفس الشرطة، التي وصفها تقرير 'أور' بالمعادية للعرب، بتوسيع دائرة الملاحقة والمعاداة، فمن الشباب والمتظاهرين وأطفال الحجارة، إلى من هم غير متهمين بالحجر أو  بالمقاومة، بل فقط ب' نية العبادة'. قامت إسرائيل بملاحقة المصلين ومنعهم من الصلاة ليس على مداخل الأقصى، بل على مداخل بيوتهم. قامت بتوقيف سائقي الباصات والتحقيق معهم، وتم تغريم 3 باصات منهم بغرامات مالية كبيرة، عقابا لهم على 'مساعدة العبادة'. لقد تم سن قانون يزيد عقاب 'المساعدين في عمليات' استشهادية، لكن إيقاف 'مساعدي العبادة' لا يحتاج إلى قانون، فشرعي استهداف كل ما يمت للأقصى بصلة، ليس فقط المصلين، بل شبابيكه التاريخية، منبره، ثرياته، وسائقي حافلاته. وقد تم منع 7 باصات من الجليل والمثلث، من التوجه للقدس، دون أوامر واضحة، ودون تهم، ودون وثائق، احتاج الأمر لجندي فقط 'لديه أوامر عليا'. ولاحقت شرطة كفر قاسم كل حافلة وحققت معها، خوف أن تكون متوجة إلى القدس. وأصبحت الشرطة تطالب شركات الحافلات بأخذ تصريح خاص قبل 'التوجه للقدس'، وهو اسم التهمة الجديد، إلى جانب العبادة والحجر.    

أما ملاحقة المصلين والتنكيل بهم، فلا تتم فقط عبر إبعادهم، بل عبر جمع هوياتهم وسحبهم إلى محطات تحقيق الشرطة ثم إجبارهم على العودة بعد الصلاة لأخذ هوياتهم. ويأخذ الإبعاد، أبعادا غير مسبوقة، ضمن سياسة تفريغ وليس إبعادا، فقد أصدرت شرطة إسرائيل في الأسبوع الأخير فقط أوامر إبعاد ل 15 مصليا، فيما تم استدعاء 30 مقدسيا، بينهم أطفال ونساء، لجلسة استماع في الشرطة، وتم تسليمهم أوامر إبعاد إدارية تتراوح بين أسبوعين و6 أشهر!

تحت هذه السياسة المدروسة، تم في السنة الأخيرة اعتقال 100 إمراة، و144 رجلا، بينهم 28 طفلا، (8 طفلات)، وإصدار 70 أوامر إبعاد لنساء وعدد مماثل للرجال، معظمهم تم تحريره بكفالة مالية، وتم الاعتداء العنيف على 12 منهم.  كما تملك شرطة القدس 'قائمة سوداء' بأسماء رجال ونساء يتم منعهم من الصلاة في أوقات معينة، حتى دون وجود أمر إبعاد.    

أمام سياسات تجريم نضالنا الشرعي، ليس أمامنا سوى الوحدة، وتعزيز النضال، وتعزيز صمودنا ووعينا السياسي الوطني، وأمام الجرائم الإسرائيلية، ليس أمامنا سوى فضح وملاحقة القوانين والمخططات الإسرائيلية، والمطالبة بمقاطعة إسرائيل، ومحاكمة قاتلي الأطفال وملاحقي العبادة.  

التعليقات