16/10/2015 - 10:22

اليهودي الذي يشبه أحفاد خالد تاجا.. / سهيل كيوان

عسكرة هذه الهبة الشريفة هي الحبل الذي ينتظره نتنياهو للخروج من أزمته ولو مؤقتا، أما الخوف والرعب الذي يعيشه الشعبان، فهو ثمرة الشر التي زرعتها وما زالت تزرعها حكومات إسرائيل المتعاقبة بتعنتها وعنصريتها وعدوانيتها.

اليهودي الذي يشبه أحفاد خالد تاجا.. / سهيل كيوان

من عبثية المشهد في فلسطين، أن يقوم يهودي بطعن يهودي آخر  قرب مدينة حيفا، يوم الثلاثاء الماضي، فيصيبه بجروح وصفت بأنها متوسطة، وفقط بعد الطعن ومن طريقة توجّع وأنين وصرخات واستغاثة الضحية، فهم الجمهور والمعتدي أن الضحية يهودي مثلهم، وفهم المعتدي أنه تسرّع، والحمد لله أنه لا يجلس على أزرار الصواريخ النووية في إسرائيل، وإلا لقصف القدس وحيفا وعكا وغزة وأقفل ملف القضية الفلسطينية إلى الأبد. 

كان عليه وحسب أصول الإرهاب الرسمي، أن يطلب البطاقة الشخصية، والتحقق من هوية الشاب، فإذا كان عربيا صاح على طريقة الفنان الراحل فؤاد المهندس "إلحقونا..يا ناس..يا هو..مخرّب مخرّب" وهذا يكفي لقتله، وإذا كان يهوديا عانقه وطلب منه السماح، ولكن من حسن حظ الضحية أيضا، أنه نجح بالتألم بالعبرية قبل أن يفقد وعيه، وأقنع أبناء جنسه في اللحظة الأخيرة بأنه ليس عربيا، وإلا كانوا أجهزوا عليه بالهراوات والرفس والسكاكين، وحضرت الشرطة وأطلقت النارعليه من مسافة صفر، ثم ادعى أفرادها بأنهم منعوا كارثة، وسيظهر وزير الأمن الداخلي ليمتدح شجاعتهم ويقول" هكذا يجب أن يكون رد الفعل، "القتل بلا تردد"، وسوف تُجرى مقابلات صحافية كثيرة مع الشاب الذي طعن الضحية، وتصوّره كبطل أنقذ حياة العشرات من اليهود، وسيتبين من التحقيق الأولي أن هذا "المخرّب الافتراضي" كانت عينه على أسرة يهودية معها رضيع في عربة أطفال، أتى والداه للاحتفاء بميلاده الثاني، وسيعلن وزير خارجية أمريكا كيري عن تضامنه مع العائلة التي كانت معها عربة الأطفال التي كان فيها الطفل الذي كان سيقتل لو أن الشاب الذي يشبه العرب كان عربيا بالفعل، وكانت ستنتشر صورة الطفل في عربته، وتنافس صورة الطفل السوري إيلان الذي قذفه البحر في رسالة احتقار إلى البشر عموما، ولأنظمة العرب خصوصًا! 

ولا ننسى الصحافي المصري، إبراهيم عيسى، الذي سيقدم درسا في أخلاق المقاومة لهذا الذي يشبه العربي! وسوف يسأله مستنكرا "هل هكذا تُحرر فلسطين يا أخي!” وسيرد عليه ملايين العرب “معك حق يا أستاذ إبراهيم، ليس هكذا تتحرّر فلسطين"، علما أن الرجل ليس عربيا أصلا، ولا هو مقاوم ولا مهاجم، ولا جاء ليحرر فلسطين بنظاراته الشمسية، وكل جريمة الشاب أن جده الذي يشبه الفنان السوري المرحوم خالد تاجا، أورثه ملامحه، فكاد يُقتل بسبب هذه الشبه الملعون. 

في هذه الأيام العصيبة بالذات، يتّضح الشبه الكبير بين العرب واليهود الشرقيين، فبعض اليهود لا يمكن أن تميزه عن العربي بسهولة، وبعض العرب لا تميزهم عن اليهود، لا أتحدث عن المستعربين الذي يلفون رؤوسهم بالكوفيات الرقطاء، ولا عن المستعربات اللاتي يتحجبن وتحت ملابسهن الداخلية مسدسات القتل، بل عن أناس عاديين كان أهلنا يعرّفونهم بأنهم يهود أولاد عرب، ليس شكلهم وكلامهم فقط، فالأغاني التي يسمعونها في سياراتهم من القدود الحلبية، وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم، إضافة للشكل العربي الشامي أو العراقي، فالملابس والنعال والأحزمة وطريقة تحجيم شعر الرأس متشابهة، أضف لهذا أن بعضهم يطلق شاربيه، ومهما كانت فراستك قوية فقد تتحدث مع أحدهم عدة مرات دون أن تكتشف أنه يهودي، خصوصا إذا صدحت من سيارته أغنية مثل...

وين الزينة تقيّل ...وين الزينة تنام 

تحت ظل الخميلة ..على ريش النعام 

وهي أهزوجة باللهجة البدوية لعرب النقب والأردن. وقد يكون أخونا هذا من أصل ليبي.

سياسة الاحتلال الهمجية، وانسداد الأفق بكل ما يعنيه من انسداد للأمل، أوصلت الناس إلى اليأس، وصار عليك كيهودي أن تخاف إذا رأيت عربيا يتقدم منك، وتنظر خلفك وحولك، أما إذا كنت عربيا وملامحك تؤكد ذلك، أو يهوديا لك ملامح عربية، فعليك بالحذر أضعافا من دخول مناطق يهودية، كي لا يصيح أحدهم مخرب مخرب فيقضي عليك. أما النساء العربيات المحجبات، فكان الله بعونهن وعون ذويهن.         

أما الأسطوانة التي لا يمل اليهود من تكرارها على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية في هذه المعمعة، فهي قولهم للعرب بكل بساطة "أنظروا كيف تعامل أنظمة العرب شعوبها..إذهبوا إلى سورية..فليحكمكم بشار الأسد أو داعش..ويجب معاملة الحركة الإسلامية كما عامل السيسي الإخوان في مصر..”.       

نقول لهم، إن معركة شعبنا في فلسطين ليست على حق التعبير، ولا ضد فساد السلطة وأبناء عم وخال بيبي نتنياهو، ولا ضد حكم الحزب الواحد وأنظمة الطوارئ وتوريث الحكم العديد من أمراض الاستبداد العربي، شعبنا يناضل لأجل التحرر من ربقة الاحتلال برمّته، ولأجل نيل حقوقه القومية والمدنية، وليس لتحسين ظروف احتلاله. 

هبّة الغضب الشعبية انطلقت من القدس واتسعت دائرتها، ولكن ممنوع عسكرتها، فالعسكرة هي الوسيلة الأسهل للاستعمال لدى أنظمة القمع والاحتلال، عسكرة هذه الهبة الشريفة هي الحبل الذي ينتظره نتنياهو للخروج من أزمته ولو مؤقتا، أما الخوف والرعب الذي يعيشه الشعبان، فهو ثمرة الشر التي زرعتها وما زالت تزرعها حكومات إسرائيل المتعاقبة بتعنتها وعنصريتها وعدوانيتها.         

             

          

           

                       

التعليقات