07/11/2015 - 17:15

عن الجريمة بحق المرأة داخل الخط الأخضر../ نزار السهلي*

لنبدأ عملاً لا قولاً بتطوير فلسفة ومفاهيم قادرة على حماية المجتمع الفلسطيني بجوهره المرأة الفلسطينية، وباتجاه أكثر دقة وعمقا بدل الهروب إلى تعميمات شكلية ونظرية تزيد من أعبائنا

عن الجريمة بحق المرأة داخل الخط الأخضر../ نزار السهلي*

عندما نتحدث عن الجريمة، ليست المحصورة فقط  بمقتل المربية سهى منصور في الطيرة، رصاصات القتل كانت مدوية قبل ذلك في المجتمع العربي داخل الخط الأخضر في اللد والرملة  وغيرها من البلدات العربية  لنساء وشبان على خلفية "تربوية ومفهوم الشرف" أنشأت سلوكاً إجراميا لا مجال لذكره بالتفصيل هنا، وإن كنا مضطرين لمناقشتها بشكل عام، لأنها تشكل مجالا لفهم مخاطر انتشار هذه الظاهرة، وانعكاسها على العملية التربوية في مجتمع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وفي فلسطين بشكل عام.

ويتوجب علينا أن نبين القصور التربوي تجاه تفشي ظاهرة العنف والجريمة بحق المرأة، في البلدات والقرى العربية التي تشهد بين حين وآخر انفلاتا خطيرا يودي بحياة البشر، وهي مهمة تستوجب أيضا من المؤسسات والقوى والتجمعات العمل لخلق إطار ثقافي تربوي يحد من هذه الآفة الخطيرة. والنظر إليها بشكل غير جدي وغير مبال يحد من طموحات الفلسطينيين التي تتضمنها عملية البناء المجتمعي القادر على خلق واقع بمقدوره التمييز بين إسرافه في المحافظة على قيمه ونظرته الصورية البعيدة عن الواقع، والتي تسمح بانتشار الآفات الأخرى المتعلقة  بنظرته للمرأة.

لا يمر شهر إلا وتكون هناك جريمة بحق النساء أو الشباب تزهق الأرواح بدم بارد، وتكون الفاجعة ليس حزنا فقط على الضحايا، بل في استمرار تغذية العنف إما من خلال نمط التعاطي مع هذه الجرائم من قبل دولة الاحتلال ، أو في التساهل المجتمعي الذي يوفر الأرضية العاجزة عن حل المشكلات، والتي يطغى عليها العمل العفوي المستنكر أو الشعارات التي تدين وترفض الجريمة.

مخاطر استمرار هذه الجرائم  تفقد المجتمع الفلسطيني في الداخل أهدافه القومية والوطنية والمجتمعية، القائمة على خصوصية الحفاظ على الهوية بفلسفة تربوية محددة الأهداف، فانتشار آفة المخدرات على سبيل المثال، ليست مصلحة إسرائيلية فقط منفصلة عن تفشي الجريمة، ولا يمكن النظر إليها من زاوية التأثير الإسرائيلي على مجتمع الفلسطينيين بقدر ما يمكن أن تؤثر عقلية تربوية هادمة لكل الموروث الاجتماعي الذي يتربص بالسكان الأصليين.

وإذا كان واقع الجريمة  داخل الخط الأخضر يستدعي الحاجة إلى عملية إنقاذ سريعة ، فما هي البرامج والحلول المطروحة  لمواجهتها؟ وهل تتصف بالجذرية، مع إدراكنا استحالة ذلك، فيجب على الأقل طرح تصور يحمي المجتمع ويبعد عنه مخاطر تلك الآفات كمهمة وطنية مطلوبة بآفاقها الوجودية والإنسانية، التي تصب أهدافها في العملية التربوية الحاملة للمجتمع بتطلعاته السياسية.

لا شك أن التأثير الكبير للجريمة داخل مجتمع هو بالأساس ضحية سلب مستمر لجوهره الإنساني وتنوعه الحضاري، وصبغه بصور التخلف والازدراء للمرأة يظهره عاجزا أيضا عن مناهضة محاولات تشويهه  وأسرلته، غير أن القهر السياسي والمجتمعي يدعونا للتفكير بجدية تجاوز لفظيات التنديد بالجرائم والبحث بشكل منظم في إطار البنية الاجتماعية للفلسطينيين داخل المناطق المحتلة عام 48، تهدف للتوعية بمعطيات النضال للخلاص من عقلية الاستعباد التي تتفشى على إثرها الجرائم والآفات المتعددة ضد المرأة تحديدا، وتحت مسمى حماية "الشرف" يتم الاستهتار بحياتها وتغذية الجريمة ضدها. آن الأوان لفلسفة تربوية تعبر عن واقع المرأة في المجتمع الفلسطيني عام48 وحمايتها، وفضح الجرائم ضدها بمنهجية مبتعدة عن العفوية وردة الفعل لردع المجرمين.

جريمة قتل المربية سهى منصور، تغرقنا مجددا بتحليل المخاطر المترتبة على المجتمع الفلسطيني، وتدعونا للتفكير بالمخارج لا التكيف مع الواقع، الذي ينظر له المحتل بأحكام تقييمية عن ضعف المرأة واضطهادها من قبل الرجل، بالإضافة لتشجيع الجريمة من خلال التساهل والتغطية عن الجرائم التي تصب في خدمة أهدافه.

باختصار فلسفة الجريمة ضد المرأة وتحت آية مسميات تمثل انعكاسا لمفاهيم غارقة في دوامة التعريفات السطحية لقيمة الإنسان ، وهي قيم غير تلك المنشودة والمعهودة في الواقع الفلسطيني الذي تحاصره آفات عدة غير الجريمة ، لنبدأ عملاً لا قولاً بتطوير فلسفة ومفاهيم قادرة على حماية المجتمع الفلسطيني بجوهره المرأة الفلسطينية، وباتجاه أكثر دقة وعمقا بدل الهروب إلى تعميمات شكلية ونظرية تزيد من أعبائنا. بدون هذا العمل ليس بمقدورنا سوى الاستمرار بالفواجع التي تنتظرنا، ودون فتح جبهة ثقافية تربوية تدعو للتغيير الاجتماعي والثقافي لحفظ مكانة المرأة والرفض الجذري لكل معيقات تنميتها وتطورها، والتصدي الجاد لتشويه وعي المرأة، نكون بذلك أمام عملية حقيقة قادرة على صون المجتمع وبناء جيله الذي ينتظر مستقبله بكثير من التحديات فكيف إذا بدأه مفجوعا باحتلال أو متبوعا بقتل أمه أو زوجته أو أخته؟

التعليقات