03/12/2015 - 16:44

هيمنة الجيش الإسرائيلي على صناعة القرار/ بلال ضاهر

الجيش الإسرائيلي يسمح لليمين عموما والمستوطنين خصوصا بهذا الانفلات. بل يبدو أنه يوجد اتفاق غير مكتوب بين الجانبين، بين الجيش وبين اليمين والمستوطنين، يسمح بهذا الانفلات لأنه يخدم مصلحة الجيش كسلطة احتلال

هيمنة الجيش الإسرائيلي على صناعة القرار/ بلال ضاهر

يسعى الإعلام الإسرائيلي إلى إظهار جيش الاحتلال كجهة معتدلة خلال الهبة الفلسطينية الحالية، وذلك في أعقاب تقارير تحدثت عن تحفظه من قرارات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي تكاد لا تعترف بوجود الفلسطينيين.

وفي حقيقة الأمر، يتمتع الجيش في إسرائيل بمكانة لا تضاهيها مكانة أية مؤسسة أو هيئة، سياسية أو أمنية أخرى، في مجال صناعة القرار. وتسمح هذه المكانة لقادة الجيش بأن يدفعوا بقرارات أو يحبطوا قرارات تتخذها القيادة السياسية، أو حتى رئيس الحكومة.

حدث أمر كهذا، على سبيل المثال، في السياق الإيراني، حسبما أكدت تقارير إعلامية يمكن وصفها بالموثوقة. فخلال الأعوام 2010 – 2012، قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن في حينه، ايهود باراك، توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية في إيران. وكرر باراك تصريحات مفادها أن ردا إيرانيا محتملا على هجوم إسرائيلي كهذا سيوقع قرابة 500 قتيل، وهو عدد كبير جدا بالمفاهيم الإسرائيلية.

لكن مخطط نتنياهو وباراك هذا لم يخرج إلى حيّز التنفيذ، لعدة أسباب أهمها معارضة الولايات المتحدة، التي أوفدت وزير دفاعها ورئيس أركان جيشها إلى تل أبيب لنأي حكامها عن هجوم كهذا، ومعارضة الجيش الإسرائيلي لمغامرة كهذه. وتم الكشف حينذاك عن أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، عارض مهاجمة إيران بشدة، وأحبط هذا الهجوم، عندما أبلغ الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، بمخطط نتنياهو وباراك وطالبه بممارسة نفوذه عليهما.

وتبين حيثيات تقرير "لجنة تيركل" الرسمية للتحقيق في إخفاقات إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية، في صيف العام 2006، مدى سيطرة الجيش على صناعة القرار. فقد انتقدت اللجنة الحكومة، وخصوصا رئيسها، ايهود أولمرت، ووزير الأمن، عمير بيرتس، لأنهما لم يتعمقا في بحث خطط بديلة لتلك التي طرحها الجيش خلال الحرب. وفي حينه لم يجرؤ أي وزير إسرائيلي أيضا على مناقشة الخطط العسكرية التي طرحها الجيش.

وظهرت مكانة الجيش في صناعة القرار في أعقاب تكثيف الوجود العسكري الروسي في سوريا. وعندما زار نتنياهو موسكو، في 21 أيلول الماضي، من أجل محاولة الاطلاع على مدى عمق هذا التواجد العسكري، رافقه في هذه الزيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هارتسي هليفي، لكي يبحثا في التعاون والتنسيق العسكري مع الجيش الروسي. ويشار إلى أنه تم في ذلك الوقت نشر صور تثبت تكثيف الوجود العسكري الروسي في سوريا، بينما ترددت أنباء عن أن الاستخبارات الإسرائيلية هي التي التقطت هذه الصور.

وبشكل عام، عندما يشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات جوية في سوريا أو لبنان، ويكون هناك احتمال للرد على هذه الغارات، لا أحد في إسرائيل يوجه انتقادات للجيش. كذلك فإن الجيش يستخدم دائما آلته الدعائية الكبيرة التي تعرف باسم "الناطق العسكري"، والتي تسعى إلى شرعنة أي عملية عسكرية.

غير أن هذا الصمت الإسرائيلي العام ينكسر عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين وخصوصا في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذه الحالة ينفلت الوزراء من اليمين المتطرف في تصريحات تدعو الجيش إلى تشديد عملياته ضد الفلسطينيين، ويشن المستوطنون حملات إعلامية تحت عنوان "دعوا الجيش ينتصر"، كأن هناك من يقيد حركته.

أثناء العدوان على غزة في صيف العام الماضي، طالب وزير الخارجية في حينه، أفيغدور ليبرمان، والوزير نفتالي بينيت، من على كل منبر، الجيش بتنفيذ اجتياح بري واسع في قطاع غزة، رغم أنهما كانا يعرفان تماما موقف الجيش بحكم عضويتهما في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، ورغم أن الجيش كان يحذر من أن اجتياحا كهذا سيؤدي إلى مقتل عدد كبير من الجنود.

وخلال الهبة الفلسطينية الحالية، يطالب وزراء، بينهم بينيت، وآخرون من حزب الليكود الحاكم، بتشديد العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، مثل الدعوة إلى شن عملية "السور الواقي 2" وفرض طوق عسكري على قرى فلسطينية يخرج منها منفذو عمليات. كذلك يهاجم قادة المستوطنين الجيش ووصف بالتقاعس في التعامل مع الهبة.

ورد وزير الأمن، موشيه يعلون، على هؤلاء الوزراء والمستوطنين بوصفهم ب"الدجالين". لكن الصورة التي تظهر من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية هي أن مواقف الجيش ويعلون معتدلة أكثر من مواقف السياسيين.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أمرين: الأمر الأول هو أن الجيش الإسرائيلي يمارس عمليات قمع شديدة ضد الفلسطينيين، ويقتل فلسطينيين يوميا بحجة محاولات تنفيذ عمليات طعن، بينما بإمكانه، وبسهولة منع عملية طعن من دون قتل الفلسطيني. وحتى الولايات المتحدة دانت هذه اليد الإسرائيلية الخفيفة على الزناد واتهمت الجيش الإسرائيلي باستخدام القوة المفرطة.

الأمر الثاني، هو أن الجيش الإسرائيلي يسمح لليمين عموما والمستوطنين خصوصا بهذا الانفلات. بل يبدو أنه يوجد اتفاق غير مكتوب بين الجانبين، بين الجيش وبين اليمين والمستوطنين، يسمح بهذا الانفلات لأنه يخدم مصلحة الجيش كسلطة احتلال.      

التعليقات