16/12/2015 - 10:11

"لأنه لغتي تعايش" وآلة الحرب الإعلاميّة.../ خليل غرّة

التقرير يبدأ بصوت أذان وبخطبة جمعة، فيها الشيخ يتحدث عن أن الإسلام دين تسامح وحوار ودين رافض للعنف وإلخ. التقرير "يتذاكى" وأول رسالة ضخّها لجمهوره الفلسطيني، أن دينكم الإسلامي ينادي بالحوار والتعايش، وبكلمات أخرى، دينكم ضد العمليّات.

"لأنه لغتي تعايش" وآلة الحرب الإعلاميّة.../ خليل غرّة

نشرت القناة الثانية الإسرائيلية، يوم الإثنين 14/12، تقريرًا متلفزًا حول حملة 'لأنه لغتي تعايش'، التي أطلقها موقع بكرا. المادة التي نُشرت إذ تُصنف ضمن سلسلة التقارير الشبيهة السابقة التي تضخ ديماغوغيا ورسائل موجهّة ضمن منهجيّات كي الوعي وقلب الحقائق والاستخفاف بعقول الناس. في ظل الانتفاضة الجارية في القدس والضفة وفي ظل استهداف الفلسطيني وأرضه في كل مكان قرر موقع 'بكرا' أن يشدو نشازًا خارج النوتة. أخرج نفسه من معادلة الصراع والاستهداف وصمم حملة دورها شبيه بدور قوات حفظ السلام. الحملة على حد قول موقع بكرا: 'هدف ’بـُكرا’ وكل جهة دعمت الحملة إلى إيصال رسالة هامة للجميع، أن الحوار هو الطريق الأمثل للوصول إلى الحل العادل، أي السلام العادل، وكلمة 'التعايش' بالحملة تعني العيش المشترك والحقيقي المتعلق بشكل مباشر مع إنهاء الاحتلال وحصولنا كفلسطينيين في الداخل وفي الضفة الغربية وغزّة على كافة الحقوق'.

التقرير يبدأ بصوت أذان وبخطبة جمعة، فيها الشيخ يتحدث عن أن الإسلام دين تسامح وحوار ودين رافض للعنف وإلخ. التقرير 'يتذاكى' وأول رسالة ضخّها لجمهوره الفلسطيني، أن دينكم الإسلامي ينادي بالحوار والتعايش، وبكلمات أخرى، دينكم ضد العمليّات.

عمومًا، يُعتبر تقبّل 'الإسرائيلي' في المجتمع الفلسطيني أمرًا خارجًا عن الطبيعي. لكن هناك علاقات 'اضطرارية' في بعض سياقات العمل وربما التعليم، لكن عند ضرورة وهدف جعله قريبًا وطبيعيًا تكمن التوطئة باستعمال أفيون الشعوب، الدين كمدخل للتقرب وكسر الحاجز مع المجتمع الصهيوني.

في التقرير، يتم الحديث مع طلاب أكاديميين تمت دعوتهم بإطار حملة 'لأنه لغتي تعايش' حول مخاوفهم في الفترة الأخيرة من التنقل داخل البلدات اليهودية، لما مُتوقع أن يواجهونه من اعتداءات من قبل المستعمِرين. يوجّه التقرير رسالته إلى مجتمعه الصهيوني ويقول إن 'العرب عانوا، ويعانون، أمثالكم جراء أفعال الإرهاب الأخيرة'. لكنه، بالحقيقة، يوجّه رسالة مبطنّة إلى المجتمع الفلسطيني: أولًا يصنّفهم ضمن 'المتضررين من أفعال المقاومة' وبكلماتهم المتضررين من 'الإرهاب'، أي أن الفلسطيني في الضفة والقدس عبئ عليهم. وثانيًا يخرجهم من معادلة الصراع، أن الفلسطيني في الضفة والقدس، هو ليس شبيهكم وأنتم لستم منه، وتناقضه ليس تناقضكم.

أكره الحديث عن حملات تشجيع التعايش، أكره الحديث عن أنسنة المستعمر، وأكره مساواة الفلسطيني بالمستعمر الصهيوني 'ويلّا تعو نحكي'. لا أفهم رغبة المقموع والمضطهد بمزيد من القمع.

'مهو بنفعش تكون قبل ثلاث سنين ع حاجز 'إيرز' وبكرا نشرب قهوة ونحكي عالعنصرية من الطرفين بالمجتمع! انا آسف يا بيبي'.

أظن أن برامج التعايش والحوار تصب في صالح المستعمِر الأبيض، الذي يرغب في 'تنظيف ضميره' بعد سنين الظلم والقتل. لا يمكنني التعايش مع الاستعمار وقَبوله ومركباته والأهم لا أسعى لأنشط داخل طيّات هذا الاستعمار والتعامل معه كمفهوم ضمني وواقع مسلم به، كما لا أحاول تصليحه وتبييض قشرته. وبالتأكيد لن أكون وكيل تنظيف ضمير المستعمر عبر الحوار المصطنع. لا يمكنني أن أفعل بناء المصالح الشخصيّة واليومية الفانية، أتعايش فقط مع شعبي وفيه، مع إيماني بظروفي الصعبة وبواقعي المركب. أتعايش مع المختلف من شعبي ولا خارج هذه الدائرة، أتعايش مع إرادتي الصلدة لتعزيز مجتمعي ولإنهاء الاستعمار. لن أكون مغتربًا عن ذاتي وأجلس بجانب 'يوسي' لنتحدث سويًا عن مقالة المطبّع سيد قشوع فخرًا بحضاريتنا ومدنيتنا وإنسانيتنا وقبولنا وسلامنا ونبذنا العنف من الطرفين بعض لبعض وشعبي يُذبح في الخليل والنقب والقدس. ببساطة، فلسفة الطرفين هي كذبة كبيرة لأن الطرفين متناقضين على أقصى المحور، يلتقيان في صدام لا سلام.

نعود للفيديو، بالذات في الفترات التي تسبقها انتفاضة وتحديدًا تحرّك في الداخل، يجتهد الإعلام العبري لاهثًا وراء الحديث عن ما يعانيه الفلسطينيون من سياسات تمييز وتهميش من قبل الحكومات المتعاقبة، بهدف تعزيز التناقضات الفرعيّة، أي الحديث عن إهمال البُنى التحتية والقضايا اليومية وتغييب وتحييد التناقض المركزي أي مع الحركة الصهيونية الاستعمارية. يتكرر هذا المشهد داخل التقرير مرة أخرى، للتأكيد على احتضان العرب والاهتمام بهم وبقضاياهم وهذا استخفاف واضح بعقول الناس. يعمل الإعلام الصهيوني على وضع الفلسطينيين في الداخل في قلب خانة المواطنة عندما يريد، بالذات مع تذكيرهم مرارًا بامتيازات المستعمِر التي يحصلون عليها.

سعى التقرير بمساعدة إدراج المشاهد والموسيقى إلى إبراز وجه مشرق وواثق من نفسه، إنها امرأة!

أظهر التقرير مديرة موقع بكرا، السيدة غادة زعبي، والقائمة على الحملة، أنها مثال أعلى للمرأة الناجحة التي تسعى إلى خلق تعايش عربي يهودي في فترة صعبة وأن رجال السياسة العرب مشغولون بأمور لا فائدة منه، الإعلام وصناعة الأيقونة. تأكيده على أن من يعمل في الحملة هن نساء وتشديده على ذلك، يُذكرنا كم هو ذكوري الإعلام الصهيوني وكم هو معبأ بصور نمطية يعززها لدى مجتمعه عن النساء العربيات. وإن تحدث فإنه يتحدث بالخطاب النسوي الأبيض والتي قيمته فُضلى عن النسوي 'الأسود'، النساء الفلسطينيّات. ذكر التقرير أن غادة زعبي على قرابة عائلية مع حنين زعبي، 'همي مش فاهمين قديش في ناس من دار الزعبي بالأردن، كلهم بقربوا لحنين؟!' بالإضافة إلى ذلك، في جزئية حنين، يقول التقرير 'إن مش الكل زي حنين' – يعني ليس الكل 'متطرفًا' وينادي بما يُسمى السلام. مرة أخرى، ترويج نموذج المرأة التي لا تُشكل تهديدًا ولا تزعج أحدًا.

أما اختيار الحديث عن حظر الحركة الإسلامية، في تقرير يغطي ويحاكي التعايش، فهو اختيار ذكي. لأنه في سياق الحديث عن التعايش، عليك أن تقدم الكثير من التنازلات النفسية والمعنوية والمبدئية. التعامل مع حظر الإسلامية داخل سياق الخارطة السياسية الإسرائيلية يُعطي لك المجال في إيجاد النظائر، أي أن تُطالب بحظر حركات وتنظيمات استعمارية فاشية مختلفة مثل 'لاهافا' و 'لافاميليا'، ردًا على تطبيق القانون تحت مُسمى رفض 'الإرهاب' وحظر كل ما هو غير قانوني. أي أن هناك اعترافًا ضمنيًا وعلنيًا بأن نشاط الحركة غير قانوني، ما يستدعي القيام بوضعها في نفس الكفة مع حركات لا تمت بصلة لمجتمعنا، هي حركات عدائية تجاه الفلسطينيين (كما حدث في الحوار في التقرير). على مر التاريخ المعاصر، لم نرَ جسمًا يعادي 'الإرهاب' إلّا وقد كان صدّر وفعّل الإرهاب، وفي تعريفه الحقيقي: 'إسرائيل' كمثال. 

في النهاية، يا عزيزتي يا سوزان، إحنا مش جزء من هذه الدولة، لم نكن ولن نكون، ولا نسعى لذلك أبدًا. لا نريد دولة فحسب بل نريد وطنًا.

التعليقات