21/12/2015 - 10:56

الدكتاتور الزاحف/ خالد تيتي

تتراكم الخطوات التي يقوم بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوما بعد يوم لإحكام قبضته على مفاصل الحكم في إسرائيل بشكل متواتر، وكانت آخر تلك الخطوات أمس الأحد، بتسمية أفيخاي مندلبليت، سكرتير حكومة نتنياهو الحالي من قبل "لجنة جماهيرية مستقلة"، كمرشح وحيد لمنصب المستشار القضائي للحكومة.

الدكتاتور الزاحف/ خالد تيتي

تتراكم الخطوات التي يقوم بها رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوما بعد يوم لإحكام قبضته على مفاصل الحكم في إسرائيل بشكل متواتر، وقد كانت آخر تلك الخطوات أمس، حول تسمية أفيخاي مندلبليت، سكرتير الحكومة الحالي من قبل "لجنة جماهيرية مستقلة"، كمرشح وحيد لمنصب المستشار القضائي للحكومة. 

بالرغم من الانتقاد الواسع لمثل هذه الخطوة إضافًة إلى احتمال مثول قضية تعين مندلبليت لامتحان المحكمة العليا، نظرا لمبدأ "فترة الانتظار" المتبعة في انتقال موظف في الوظيفة العامة من منصب إلى آخر، إلا أن طريق مندلبليت إلى مكتب المستشار القضائي تبدو متاحة بلا أي عراقيل جدية بسبب عدم توفر نص قانوني واضح يقضي بـ"الانتطار" قُبيل التعيين، خلافا لحالة الانتقال من الوظيفة العامة إلى السياسة مثلا. وتوفر لنا هذه القضية فرصة للاطلاع على أساليب نتنياهو الواضحة والفاضحة في القفز على مبادئ أساسية في أي منظومة ديمقراطية وفي الالتفاف على أسس ثابتة في مجال فصل السلطات. 

 يعتبر منصب المستشار القضائي للحكومة في إسرائيل، علاوة على كونة المرجعية القانونية للسلطة التنفيذية في تنفيذ قرارتها ومشاريعها وفقًا للقانون والدستور، منصبًا له صبغة قضائية في حالات معينة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المستشار القضائي يملك قرار المصادقة على اقتراحات القوانين الحكومية والقرارت المصيرية، وهو صاحب القرار في الإجراءات القضائية في القضايا المتعلقة بالمحاكم، فهو من يقرر في تقديم منتخبي الجمهور  للمحاكمة في قضايا الفساد والقضايا الجنائية المختلفة تارة، وهو محام الدفاع عن موقف الحكومة والوزراء في القضايا الدستورية التي تواجهها قرارات الحكومة، ولنا أن نتخيل ما معنى أن يتحول سكرتير الحكومة والذي يسير أعمالها ويجدول مشاريعها، وهو منصب سياسي بامتياز، إلى المرجعية  التي تعطي الشرعية القانونية لكل خطوة تقوم الحكومة بها ابتداء من قضايا السلم والحرب وحتى قضايا الاقتصاد والقوانين الجارية. ويصح هنا وصف “حاميها حراميها”. 

مندلبلبيت، مرشح نتنياهو للمنصب، حظي هذه المرة بلجنة جماهيرية "مستقلة"، حد الإجماع الكامل تقريبا على تسميته كمرشح وحيد وذلك بعد أن اهتم نتنياهو باختيار أعضاء اللجنة بشكل محكم، فلم يكن هناك أي معارض للتسمية، اللهم إلا تحفظ بسيط من قبل عضو اللجنة، آشر غرونيس، رئيس العليا السابق. 

من هو مندلبليت؟ 

لا تعني تسمية مندلبليت المسيسة والمثيرة للجدل عدم تمكنه من المنصب مهنيا، لا من حيث التجربة ولا من حيث قدراته المهنية، فهو حاصل على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة بار إيلان، في موضوع يتعلق بالأحكام العسكرية، وقد تدرج في مجال المحاكم العسكرية، من قاض للمحكمة العسكرية في غزة قبل الانسحاب، حتى وصل إلى منصب النائب العسكري العام، وهو أرفع منصب في النيابة العسكرية. وقد حصل في خضم هذا كله على رتبة عقيد في الجيش. أي أن القانوني الخمسيني الذي اختار التدين في سن البلوغ، يملك في سجله تجربة حافلة في شرعنة الاحتلال وإحكام سيطرته عبر  المحاكم العسكرية. والمثير في هذا الصدد أن ثمة من يأخذ عليه "دوره الموضوعي" بسبب تقديم بعض الجنود للمحاكمة في قضايا معينة. أما تعيينه من قبل نتنياهو كسكرتير لحكومته الأخيرة، فيعزو كثيرون ذلك إلى قرب الرجل من رئيس الحكومة وسياسته، فالحديث عن منصب يتطلب ثقة وولاء لرئيس الحكومة وأجنداته ولا يمكن تسيير عمل الحكومة دون ذلك. 

هذا التعيين ينضاف إلى خطوات أخرى كثيرة يقوم بها نتنياهو مؤخرًا تدل بكل وضوح حول نواياه في البقاء في الحكم لمدة طويلة، فالتعيينات الأخيرة في المناصب رفيعة المستوى التي قام بها نتنياهو وحكومته، تتسم بظواهر مثيرة أهمها الولاء لنتنياهو وسياسته وعدم مجابهته في العلن، إضافة إلى كون الغالبية العظمى منهم من اليهود المتدينين (رئيس الشاباك والموساد وقائد الشرطة ومدير مكتب رئيس الحكومة وسكرتير الحكومة الذي سيتحول لمستشارها القضائي)،  والذين ينتمون إلى تيار "الصهيونية الدينية" الذي يسيطر على حزب الليكود وعلى الخطاب السياسي السائد في إسرائيل. 

تجب قراءة هذا التعيين ليس فقط من باب التعيينات الأخيرة المذكورة، وهي غاية في الأهمية برأيي وجديرة بالوقوف عند كل واحد منها، بل ضمن سياسة نتنياهو الهرمية التي تهدف -أكثر ما تهدف- إلى  صقل شخصية نتنياهو التي لا بديل عنها. ويكفي أن نتوقف عند تعامله مع قضية الغاز الطبيعي بعد التنحية الطوعية لكل من رئيس سلطة المنافسة، دافيد چيلا، ووزير الاقتصاد آرييه درعي. 

لا يتورع نتنياهو عن استعمال أي قضية بهدف إحكام سيطرتة و"بناء" الانتخابات المقبلة، فبعد أن قام بتشكيل لجنة بهدف إتاحة تصويت الإسرائيليين المقيمين في الخارج في الانتخابات البرلمانية، ولجنة أخرى تدرس تغيير نظام الحكم، أعلن امس عن نيته تقديم موعد الانتخابات الداخلية في الليكود، بالرغم من عدم الحديث عن انتخابات قريبة. فلا يريد نتنياهو أي عائق أمام زحفه الثابت نحو نظام الرجل الواحد. 

التعليقات