21/12/2015 - 12:36

ساحة الداخل والعودة لسياسة "العصا والجزرة”/ سليمان أبو إرشيد

نحن في حالة أشبه بالذهول لا نستوعب بعد كيف يجري إخراج الحركة الإسلامية عن القانون ويستعد زعيمها لدخول السجن، فيما يستقبل زعيم آخر في المحافل الأميركية - الإسرائيلية بحفاوة

ساحة الداخل والعودة لسياسة

نجت ساحة الداخل الفلسطيني من تداعيات أوسلو بفعل عدة عوامل، وقف في مقدمتها وعي أطراف الحركة الوطنية لخطورة المرحلة وتحدياتها وتوحيد مركباتها في إطار جامع بعد اشتقاق برنامج نضالي لمواجهتها، هذا البرنامج أوقف الانزلاق إلى مهاوي الأسرلة ووحد الساحة بأطرافها المتباينة تحت شعارات بدت جاذبة وواقعية ومنسجمة مع متطلبات وضرورات المرحلة. يضاف إلى ذلك أن المؤسسة الإسرائيلية رأت في الداخل ساحة ثانوية، بالنظر إلى تركيزها على الساحة الفلسطينية العامة وتحديات تدجينها وإدخالها في حظيرة أوسلو.

وإذا كانت الانتفاضة الثانية محاولة تمرد فاشلة على أوسلو قمعت من قبل دولة الاحتلال وانتهى الأمر بقيادتها بين شهيد وأسير (ياسر عرفات ومروان البرغوثي) وتثبيت أركان نهج أوسلو بتنصيب أبو مازن، فإن الهبة/ الانتفاضة الثالثة هي إعلان رسمي عن وفاة أوسلو وشهادة نعي لمرحلته السياسية.

الانتفاضة الثالثة كشفت أن التمرد على سلطة أوسلو، إن لم يكن من داخلها كما حدث في الانتفاضة الثانية، فإنه سيكون من خارجها ويطيح بها وبرموزها، وأن قدرة هذه السلطة على المناورة حالة محدودة زمنيا، وأن هناك من سيضطر قريبا، إن لم يسعفه الموت، إلى حسم خياراته بين الانتفاضة وبين التنسيق الأمني.

أما المركب الثاني، إن لم يكن الأول الذي كشفته الانتفاضة، فهو دخول جماهير 48 على خط المواجهة الشاملة مع الاحتلال ومخططاته، في القدس والأقصى بشكل خاص، ودورهم المحرك في إطلاق الشرارات الأولى. بالمناسبة الدور لا ينحصر في الحركة الإسلامية الشمالية والإجراءات لن تقتصر عليها فقط، ولنا أن نأخذ تصريحات نتنياهو على محمل الجد ونعرف متى يتحدث كرئيس حكومة ومتى يتحدث كسياسي ليكودي، ونتنياهو كان واضحا عندما جمع بين إصداره لتوجيهاته بالشروع بإخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وبين اتخاذ اجراءات ضد النائبة حنين زعبي من التجمع الوطني الديمقراطي وهو سيفعل ذلك أيضا.

استهداف ساحة الداخل برأسيها الوطني والإسلامي، إذا جاز التعبير، يأتي في سياق الشعور بتعاظم دورها في المستوى الفلسطيني العام في ظل تراجع ساحات أخرى، ونجازف إذا ما قلنا، في ظل تخوف إسرائيلي من انتقال مركز الثقل الفلسطيني إلى هذه الساحة، وقد سبق أن انتقل مركز الثقل الفلسطيني من الخارج إلى الأراضي المحتلة عام 1967، في أعقاب حرب لبنان الأولى والضربة المؤلمة التي تلقتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982، ومن الممكن أو هو في طريقه إلى الانتقال إلى ساحة 48 في ظل التشتت الجيو-سياسي الذي تشهده أراضي 67. 

وعودة على بدء، فإن برنامج المواجهة الذي حصن ساحة الداخل ومنع اختراقها خلال مرحلة أوسلو، قد انتهت صلاحيته بانتهاء هذه المرحلة كما يبدو، وبات هناك من يستغل الوحدة الشكلية التي تتمظهر في القائمة المشتركة لتقديم نفسه على أنه "معتدل" ويستضاف في المحافل الاسرائيلية والأميركية (من البوابة الاسرائيلية أيضا)، ويدعو هناك إلى تحرير "الشعبين" من الاحتلال وإلى تخليص "الجندي والطفل الواقع تحت قبضته" أو تحت مرمى نيرانه من هذا النير. إنها عودة إلى "العربي الإسرائيلي" الكلاسيكي والنقاش هو ليس في مسألة جواز الذهاب أو عدم الذهاب إلى أميركا، بل ماذا تقول هناك ورسول من تكون ومن أي بوابة دخلت.

وعندما تصبح حتى صحيفة "هآرتس" تميز بين معتدلين ومتطرفين في السياسة العربية في إسرائيل، وعندما يصر من يصر على كسر قواعد قد تجاوزناها منذ زمن وجعلنا المؤسسة تسلم بها مرغمة، يصر على كسرها وفتح ملفها من جديد، مثل الوقوف على نشيد "هتكفا" فإنه ليس فقط يريد أن يقول أنا "معتدل" بل أن يلفت الأنظار للـ"متطرفين" الذين لم يقفوا على هذا النشيد، وهي حالة يمكن تشبيهها، في هذا السياق، بحالة الطالب الذي يرفع أصبعه قائلا أنا حللت الوظيفة وهو يعرف أن زميله لم يحلها، ليس فقط ليقول له الأستاذ شاطر شاطر بل ليعاقب زميله أيضا.

إذن من حق إسرائيل أن تعود لسياسة "العصا والجزرة"، التي أفشلتها جماهيرنا في العقدين الأخيرين، فتكافئ "المعتدلين" وتضرب على أيدي أو رؤوس المتطرفين، وصولا إلى إخراجهم من ساحة العمل السياسي، وهي بقرارها إخراج الحركة الإسلامية عن القانون أرادت أن تقول لنا إن شرعية العمل السياسي تمر من خلال الكنيست فقط، فيما ستأتي الخطوة التالية ضد النائبة زعبي وتمرير قانون ليبرمان برفع سلطة المحكمة العليا عن إلغاء ترشيح الأحزاب والمرشحين، تأتي لتمكن المؤسسة الإسرائيلية من اختيار المرشحين على المقاس الذي تريد. والغريب أن كل هذا يحدث ونحن في حالة أشبه بالذهول لا نستوعب بعد كيف يجري إخراج الحركة الإسلامية عن القانون ويستعد زعيمها لدخول السجن، فيما يستقبل زعيم آخر في المحافل الأميركية - الإسرائيلية بحفاوة، لا غرابة، يحدث هذا منذ عشرين سنة في الضفة والقطاع، فقد كانت تنهال الصواريخ الإسرائيلية على غزة فيما تقام مهرجانات رقص في رام الله. عندنا سيكون أسوأ إذا لم نلتزم بإستراتيجية مواجهة شاملة.

التعليقات