24/12/2015 - 18:33

عن المشتركة في السياق الراهن / النائب د. باسل غطاس

من الضروري التوقف عند بعض القضايا والمؤشرات الأساسية التي يمكن رصدها منذ الآن للإضاءة على جوانب هذه التجربة، من باب الحرص عليها، وتنبيهها لمطبات يمكن تلافيها

عن المشتركة في السياق الراهن / النائب د. باسل غطاس

مضى أقل من عام على تأسيس المشتركة، حيث تم التوقيع على تشكيلها من قبل مركباتها في أواخر شهر ١/٢٠١٥، ومضى بضعة أشهر فقط على عملها البرلماني الحقيقي، أي بعد تشكيل الحكومة الحالية في نيسان ٢٠١٥، خلال دورة صيفية امتدت من منتصف أيّار إلى أوائل آب، بالإضافة الى نصف الدورة الشتوية التي ما زالت جارية حاليا، وبدأت في منتصف تشرين الأول وستمتد إلى أواخر آذار. لهذا، من المبكر فعلا ومن غير المنصف، إجراء تقييم شامل ومعمق لأداء المشتركة البرلماني، أو مسح لإنجازاتها في هذه الفترة القصيرة جدا.

مع ذلك، من الضروري التوقف عند بعض القضايا والمؤشرات الأساسية التي يمكن رصدها منذ الآن للإضاءة على جوانب هذه التجربة، من باب الحرص عليها، وتنبيهها لمطبات يمكن تلافيها، وكذلك تزويدا للناشطين السياسيين عامة، وخاصة في الأحزاب المركبة للمشتركة، بالإضافة الى مؤسسات المجتمع المدني. 

كنت قد قيمّت بعد الانتخابات تجربة تشكيل المشتركة وتأثيراتها على الساحة المحلية والإسرائيلية، باعتبار أن تشكيلها هو حدث سياسي تاريخي ومفصلي في التاريخ المعاصر لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني الذي يعيش في ظروف المواطنة الإسرائيلية. 

"يمكن تلخيص ظهور المشتركة بأنه انتصار لفكرة المشروع الجماعي للعرب الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين، وحاملي المواطنة الإسرائيلية، في وجه يهودية الدولة وعنصريتها وقمعها وتمييزها وإقصائها. وهو الذي يشكل البديل الديمقراطي الوحيد لها، والذي يحمل في طياته المساواة الكاملة في دولة لكل المواطنين، والاعتراف بالحقوق الجماعية للأقلية القومية، وخاصة حقها في إدارة شؤونها" (فصل المقال، ٢٧/٣/٢٠١٥). وقد حذرت في نفس المقال، قبل الولوج الفعلي في العمل البرلماني، من بعض الإشكاليات المرتبطة بعمل النائب الفرد، مقابل مرجعيته الحزبية، وضرورة أن تكون المشتركة كتلة برلمانية متماسكة ومنسجمة، مع آليات اتخاذ قرار واضحة وعملية. 

يمكن في هذا التقييم الأولي الإشارة إلى بعض الملحوظات:

 1. صمود وتماسك المشتركة ككتلة واحدة وتلاشي -أو لنقل ضعف- احتمال تبعثر المشتركة لأجزائها المركبة، كما كان يتوقع او يأمل البعض. ما نراه ونتعامل معه الآن وكأنه مفهوم ضمنا، لم يكن كذلك في الأمس القريب. ولا ننسى أن ولادة المشتركة كانت بعد مخاض عسير داخل بعض المركبات، وأن عددا لا بأس به من النواب في المشتركة اليوم كانوا من أشد المعارضين لها داخل أحزابهم. لدي قناعة كبيرة أن هذا من ورائنا، وأن هناك إجماع لدى الأحزاب وداخل الكتلة البرلمانية على ضرورة الحفاظ على المشتركة، والتغلب على كل العثرات والمصاعب التي تعتري عملها. وهذا يعود برأيي لعدة عوامل، أولها هو ما كان من أهم أسباب تشكيلها، وهو ما أسميناه في حينه الإرادة الشعبية. هذه الإرادة ليس أنها لم تضعف منذ قيام المشتركة وتحقيق ما اعتبرته الناس بحق، إنجازا انتخابيا ارتفع بعده سقف التوقعات فقط، وإنما ازداد وتوطد والشعور العام السائد بأن الشارع لن يتحمل أي محاولة من أي حزب كان لشق المشتركة أو حتى لتأجيج خلافات داخلية فيها. سبب إضافي ليس أقل أهمية، هو الشعور بالرضى النسبي لدى كل مركبات المتابعة من الإنجاز الذي حققته من خلال المشتركة سواء من حيث التمثيل أو الوظائف البرلمانية.

 2. اتضحت خلال هذه الفترة القصيرة نقاط القوة برلمانيا، والنابعة من أن المشتركة هي الكتلة الثالثة في البرلمان، وهذا تجلى في قوة التمثيل في اللجان وفي إمكانيات العمل البرلماني الأخرى. وهذا أعطى المشتركة إمكانيات لم تحلم الأحزاب العربية بالوصول إليها عندما كانت كتلا صغيرة مبعثرة. من الواضح أن العودة للتبعثر، يعني بالضرورة خسارة هذه القوة التي جلبت هذه القدرات البرلمانية الهامة للتأثير.

3. استطاعت المشتركة حتى الآن إدارة الخلافات الداخلية، وهي عديدة، سواء كانت سياسية أو تنظيمية في توزيع العمل وتقاسم الصلاحيات. ربما أهم ما تحقق في هذا الموضوع هو التخلص من الخوف من الخلافات، وازدياد القناعة بأنه بالإمكان الاختلاف في كل المجالات، ومع ذلك البقاء معا والحوار حول كل شيء. يبدو لي أن الحوار والنقاش، خاصة في المواضيع السياسية المركزية، يجب أن يتعمق، وأن يكون علنيا من خلال وسائل الأعلام، وأن هذا لا يضعف المشتركة وحسب، بل سيقويها ويوطد موقعها لدى الناس. نظرية عدم "نشر الغسيل" والتعامل مع الخلافات داخليا وبالخفاء ستجلب نتائج عكسية، وتزيد من الاحباط وعدم الرضى، وخاصة لدى كوادر الأحزاب وفي أوساط الناشطين السياسيين والاجتماعيين

4. نجحت المشتركة فعلا بأن تكون عنوانا لشعبنا، في كل ما يتعلق بالحقوق المدنية والمطلبية المختلفة، ونشأت شراكة حقيقية مع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وكذلك في كل معركة أو قضية أخرى، مثل إضراب المدارس الأهلية وغيرها.

مع هذه الاستخلاصات، أرى أنّ من المهم الالتفات إلى بعض النقاط، كمادة أساسية تقع في صلب الرؤيا لمستقبل المشتركة القريب، ألخّصها فيما يلي: 

 1.من الواضح أن هناك الكثير مما يجب تحسينه في الأداء، وخاصة في عمل الكتلة ونظامها الداخلي، المتعثر لخلافات داخلية، منعت حتى الآن المشتركة من قطع شوط أكبر في تنجيع وضبط العمل البرلماني، وتحسين العمل المشترك للنواب ولطاقم العاملين، ومن المحتم التخلص من هذه الخلافات بسرعة، والانتقال إلى درجة أعلى من الأداء.

2. على المشتركة تجنب الوقوع في شرك قبول لعب دور الوكيل أو الوسيط بين المواطن والسلطة. أعنى دور الوكيل الذي يتحمل جزء من المسؤولية عن الأوضاع القائمة، الذي يبحث عن أي مكسب لتسويقه كإنجاز يلبي توقعات الناس من المشتركة، بعيدا عن الصراع السياسي، وعن طبيعة التمييز القومي في هذه الدولة دولة الاحتلال والاستيطان، فيبدو وكأننا نعود ونحيي بأيدينا فرية "شو بيعملولكوا النواب العرب". نعم، نريد استخدام كل قوتنا البرلمانية لتحقيق المطالَب وجلب الإنجازات، ولكن هذه لن تتأتى عبر "التشاطر" أو العلاقات الشخصية مع هذا الوزير أو ذاك، وإنما عبر العمل البرلماني والشراكة المهنية مع مؤسساتنا الوطنية من ناحية، وعبر الاستعداد للنضال الشعبي وصولا لإضراب شامل وحتى لعصيان مدني من أجل نيل حقوقنا. يتيح الواقع السياسي الحالي في ظل حكومة اليمين الاستيطاني بقيادة نتنياهو، لواحد مهووس ومتطرف مثل سموتريتش من البيت اليهودي، قوة أكثر من المشتركة كلها، وهذه حقيقة ومعطى بجب أن يكون واضحا للناس. هذا لا يعني أننا نتنصل من مسؤوليتنا أو نتهرب من توقعات الناس العالية من المشتركة، وإنما لإعادة التأكيد على إرادتنا وعزيمتنا على استغلال الكنيست كساحة نضال ومواجهة مع ممارسات الدولة اليهودية، ومع عنصريتها وعدوانيتها وسياستها، التي لا تزال تتعامل بالجوهر معنا كأعداء وكغزاة، وليس كمواطنين متساوين. وفي ظل هذا الفهم للواقع السياسي، سنحقق يوميا إنجازات لشعبنا عبر هذه المعادلة، من توظيف قدراتنا وقوتنا البرلمانية، مع منسوب عال من الجاهزية النضالية الشعبية، والتي يمكن القول عنها حتى الآن إنّها ضعيفة أو غير موجودة تقريبا. وهنا يأتي دور الأحزاب ولجنة المتابعة واللجنة القطرية، في رفع الوعي والتحشيد الجماهيري. وهذا واجب الساعة، وإلا أصبحنا ننتظر الفتات ونعتبره إنجازا نتباهى به. ولكن شعبنا ليس كالأيتام على مائدة اللئام حتى يقبل بذلك، وإنما يريد حقوقه المدنية دون أن تأتي على حساب كرامته وعزة نفسه، وهو الباقي في وطنه والمتمسك بهويته، وهو الذي صمد في وجه كل مشاريع الصهيونية لاقتلاعه من وطنه ولشرذمته، والقضاء على هويته العربية الفلسطينية. الأهم، أننا لن نقبل أي نوع من المقايضة بين مكاسب مدنية وحقوق مطلبية هنا وهناك مع حقوقنا الجماعية، أو بينها وبين تمسكنا بحقنا بالنضال مع شعبنا الفلسطيني في الدفاع عن حريته ومقدساته، ومن أحل كنس الاحتلال والمستوطنات ونيل الاستقلال.  

التعليقات