24/12/2015 - 11:45

نظرة العرب إلى داعش.../ حمزة المصطفى

كما مثل التنظيم مادة دسمة لمراكز الأبحاث العربية والأجنبية لدراسته، لكن أغلب دراسات المراكز الأجنبية قاربت، وللأسف، المسألة من منظور استشراقي ينطلق من مسلمات ربطت بين العرب والإرهاب، والإسلام والتطرف.

نظرة العرب إلى داعش.../ حمزة المصطفى

انشغل العالم خلال العاميين الماضيين بتنظيم داعش، ولا يخفى على مراقب حجم التغطية الإعلاميّة الغربيّة لعمليات هذا التنظيم، وتفاعلات مجتمعاتها مع الموضوع، لا سيما بعد تشكيل التحالف الدولي، الذي ضم أكثر من 60 دولة، وفشل حتى الآن في تحقيق نتائج جدية تؤشر إلى إمكانية إضعاف التنظيم في المدى القصير والمتوسط.

كما مثل التنظيم مادة دسمة لمراكز الأبحاث العربية والأجنبية لدراسته، لكن أغلب دراسات المراكز الأجنبية قاربت، وللأسف، المسألة من منظور استشراقي ينطلق من مسلمات ربطت بين العرب والإرهاب، والإسلام والتطرف.

وفي إطار محاولته الغوص في الأسباب الحقيقية للمشكلة، وليس التعامل مع نتائجها، دأب المركز العربي على إنتاج مشروع بحثي متكامل عن داعش، كما خصص مساحة واسعة لاستطلاع آراء المواطنين العربي تجاه التنظيم، وطريقة التعامل معه، كما جرى في المؤشر العربي لعام 2014، ولعام 2015، ليخط بذلك أسلوبًا علميًا أكاديميًا لا يركز في البحث على ما يعرف بالأسلوب الكيفي، أي الدراسة النظرية، بل على الأسلوب الكمي وذلك من خلال استجواب عينة بلغت نحو 20 ألف شخص في 12 دولة عربية خلال عام 2015، جرى استجوابهم عبر مقابلات وجاهيّة استمرت -كل على حدة- لمدة 45 دقيقة على الأقل. وإذا كان المؤشر العربي قد اهتم بجميع تفاصيل حياة المواطن العربية وانشغالاته السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، فإن المؤشر العربي لعام 2015 اهتم بثلاثة قضايا رئيسية تكان تكون متشابكة ومرتبطة فيما بينها وهي؛ الأزمة السورية، داعش، والاتفاق النووي الإيراني.

وسنركز في هذا المقال على الجزئية المرتبطة بداعش ونحاول تناولها من جوانب متعددة وفقا لآراء المواطنين العرب.

في إطار التعرّف إلى آراء مواطني المنطقة العربية على نحوٍ مباشر نحو تنظيم داعش، سُئل المستجيبون إنْ كانت نظرتهم إيجابية أو سلبية نحو هذا التنظيم. وقد أفاد 3% من المستجيبين أن نظرتهم إلى داعش إيجابية جدًا و4% قالوا إن نظرتهم إيجابية إلى حد ما، في حين عبّر 89% عن أن نظرتهم تجاه هذا التنظيم هي نظرة سلبية جدًا وسلبية إلى حد ما. وفي المقابل أفاد 4% من المستجيبين أنّه ليس لديهم موقف أو نظرة تجاه هذا التنظيم. ومن أجل الدقة في عكس وجهة نظر المواطنين في المنطقة العربية، من المهم تأكيد أن نسبة الذين أفادوا أنهم ينظرون بإيجابية كبيرة نحو داعش كانت 3% من المستجيبين، وهي نسبة منخفضة جدًّا وتقع في حدود هامش الخطأ.

إن أغلبية المستجيبين في كل بلد من البلدان المستطلعة آراؤها عبّرت عن نظرتها السلبية أو السلبية إلى حد ما. وكانت أعلى هذه النسب في الأردن؛ إذ عبّر أكثر من 97% عن ذلك، مقابل 2% قالوا إن نظرتهم إيجابية جدًا أو إيجابية إلى حد ما، وتونس (94%)، والعراق (97%)، ولبنان (99%)، والسعودية (95%)، والكويت (90%). أمّا الاستثناء الوحيد، فهو موريتانيا؛ إذ أفاد ما نسبته 10% من الموريتانيين أن لديهم نظرة إيجابية جدًا، وأفاد 10% أنّ نظرتهم إيجابية إلى حد ما تجاه تنظيم الدولة الإسلامية. وعند مقارنة آراء المستجيبين في استطلاع 2015 بنتائج استطلاع 2014 بشأن نظرة المستجيبين نحو داعش، تظهر النتائج على نحوٍ جليّ ارتفاعًا في نسبة الذين أفادوا أنّ نظرتهم سلبية تجاه داعش من 85% إلى 89%، وانخفاضًا موازيًا بالنسبة إلى الذين أفادوا أن لديهم نظرة إيجابية أو إيجابية إلى حد ما، فقد أصبحت 7% في هذا الاستطلاع مقارنة بـ 11% قبل عام واحد في استطلاع 2014. ومما كشفه المؤشر، وبخلاف الانطباع السائد، فإن أغلب المؤيدين لداعش لم ينطلقوا من موقف قيمي أو عقائدي يتقاطع مع مواقف داعش أو ما تدعو له، وإنما كانت ناتجةً، على الأرجح، من موقف سياسي متعلّق بتطورات الأحداث في العراق وسورية آنذاك، وسرعان ما تغير هذا الموقف بتغير التطورات في المنطقة، إضافة إلى مزيد من المعرفة بهذا التنظيم وآرائه. فعند تحليل اتجاهات الرأي العام العربي نحو تنظيم الدولة (داعش) بالتقاطع مع مستوى تدين المستجيبين، تظهر النتائج بأن نسبة الذين يحملون وجهة نظر إيجابية أو إيجابية إلى حدٍ ما بين المتدينين جدًا كانت 9% بينما كانت 8% بين غير المتدينين و5% بين "المتدينين إلى حدٍ ما"، بينما كانت نسبة الذين يحملون نظرة سلبية بين المتدينين جدًا 86% مقابل 87% بين غير المتدينين، وكانت النسبة 94% بين المتدينين إلى حدٍ ما. إنّ هذا يعني بوضوح أنّ عامل التدين غير مهم في تحديد من يحملون نظرة إيجابية أو سلبية نحو تنظيم الدولة (داعش).

أضف إلى ذلك، أنه وبخلاف كل التعميمات البحثية والإعلامية، فإن الرأي العام العربي أظهر وعيًا ملفتا في تفسير أسباب ظهور داعش، وحصر إجاباته ضمن مروحة من العوامل لعل أبرزها؛ الاحتقان الطائفي في العراق وسورية، السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات العراقية وبالذات حكومة المالكي، ردة فعل على النظام السوري وأعماله، رواج تفسيرات/ وتأويلات متطرفة للإسلام. ضمن السياق ذاته، رأت أغلبية الرأي العام العربي أن داعش صناعة خارجية، وهنا لا يوجد استحضار لنتيجة المؤامرة، بل عوامل مثل التدخل الأجنبي، والانحياز إلى إسرائيل، وعدم دعم الثورات العربية، والتحالف مع المستبدين وغيرها.

بالمحصلة، تمثل نتائج المؤشر العربي، مادة دسمة لإعادة دراسة التنظيم بطريقة أكثر علمية، لتشخيص الأمراض الاجتماعية التي يستغلها، والسياسات الخاطئة الداخلية والخارجية والتي ساهمت في إنتاجه. فمع أن أغلبية الرأي العام العربي لديها موقف سلبي من التنظيم، فإن نسبة التأييد وإن بدت صغيرة 4%، فإنها كبيرة وكافية لتوفير الإمداد البشري للتنظيم، وهو ما يتطلب استراتيجيات لعزل التنظيم ضمن الوعي الجمعي العربي أولا قبل الركون إلى الحلول الأمنية العسكرية.

التعليقات