28/12/2015 - 11:46

"المؤشر العربي": المخابرات قبل البرلمانات/ معن البياري

ترمي نتائج استطلاع "المؤشر العربي" للعام 2015، كما أعلنها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي أنجزه، أعباءً ثقيلة، على دارسي السياسة والاجتماع العرب، في غير شأن، لتحليلها وتفكيكها.

"المؤشر العربي": المخابرات قبل البرلمانات/ معن البياري

ترمي نتائج استطلاع 'المؤشر العربي' للعام 2015، كما أعلنها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي أنجزه، أعباءً ثقيلة، على دارسي السياسة والاجتماع العرب، في غير شأن، لتحليلها وتفكيكها. أما نحن، أهل التعليقات الصحفية، فإنه يفاجئنا بما يستنفر انتباهنا إلى ما هو مثير وكاشف (ومفاجئ ربما)، ومن ذلك أن ثقة المواطن العربي بجهاز المخابرات في بلده تفوق ثقته بالبرلمان.

وللتدقيق أكثر، هناك إشكالات عويصة في علاقة هذا المواطن بالدولة التي ينتسب إليها، إذ يبدو، في العموم، نافراً منها، وأحياناً معادياً لمؤسساتٍ فيها، فيما هو شديد الإيجابية تجاه مؤسسات أخرى، والخلاصة العامة، في هذه المسألة، أن ثمة حالة ظاهرة من 'تآكل الثقة' بين المواطنين ومؤسسات رئيسية في الدولة، على ما أوضح المركز العربي نفسه، في تحليلٍ طفيف للمسألة، بعدما بسط أرقام المؤشر الكاشفة وشديدة الدلالة، والتفصيلية، فيما يخص هذا الأمر.

ربما الأنسب لقارئ هذه السطور أن يزور الموقع الإلكتروني للمركز لمطالعة الفصل الثاني للمؤشر (تقييم الرأي العام لمؤسسات الدول وأداء الحكومات)، لمعاينة المعطيات التفصيلية جداً (وجداً أخرى أيضاً) في هذا كله. بإيجاز (مخل؟)، يثق المواطن العربي بالجيش أولاً وبنسبة (82%)، ثم بأجهزة الأمن العام والشرطة (70%)، ثم بالمخابرات وأجهزة أمن الدولة والاستخبارات (69%)، ثم بالجهاز القضائي (64%)، ثم بالحكومات (56%)، ثم بالمجالس التشريعية والتمثيلية والبرلمانات (46%)، ثم بالأحزاب (28%). والثقة المقصودة هنا كبيرة وإلى حدّ ما، والأردن أولاً في ثقة مواطنيه بجهاز المخابرات (الاستطلاع شمل 12 دولة)، وهي بنسبة 79%.

وإذ كشف الاستطلاع، في موضع آخر، أن حاجة المواطن العربي للأمن صارت تتقدم على حاجاته الاقتصادية، وإذ نسب الإقبال في مواسم الانتخابات التشريعية العربية قليلة، أو ضعيفة (تفكر دول عربية بتشريعات تلزم المواطنين بالاقتراع)، فإن هذين الأمرين ربما يساعدان في تفسير نقصان احترام المواطن العربي البرلمان في بلاده، وتفسير نظرته الخاصة للمؤسسة الأمنية (هل ثمّة شعور بالخوف هنا؟).

ولكن، يُسعفك المؤشر العربي نفسه بما يساعد في تفسير هذه الحالة، غير المستجدّة عربياً، وكان قد كشف، في الأعوام الثلاثة الماضية، عن ثباتها، إلى حد ما، من حيث تقدّم الجيش والشرطة والمخابرات، بل وتحسّن مقادير الثقة بها سنوياً، على القضاء والحكومة والبرلمان والأحزاب، يسعفك حين يفيدك، في جديده في 2015، بأن 53% فقط من الرأي العام العربي يرون المجالس التشريعية في بلاده تقوم بدورها في مراقبة الحكومات، و42% لا يرونها تقوم به. ويرى 44% أنها لا تقوم بالرقابة على الإنفاق العام، كما أن 45% لا يرونها تراعي مصالح فئات المجتمع، و42% يرونها لا تضع تشريعاتٍ تساهم في ضمان حريات المواطنين. و14% فقط يرون أن هذه البرلمانات تمثل أطياف المجتمع إلى درجة كبيرة.

ولعله الأكثر كشفاً في تفسير امتناع المواطن العربي عن محض ثقةٍ أعلى للبرلمانات والحكومات، وإيلاء أجهزة الأمن تقديراً أعلى، أن 53% من الرأي العام يرى أداء الحكومات سيئاً وسيئاً جداً، في توفير المياه وتحسين التعليم وتغطية الكهرباء وإيجاد حلول للبطالة ومعالجة مشكلات وقضايا خدمية وتعليمية ومعيشية أخرى. ولمّا كان الرأي العام يعتقد، بنسبة 80%، أن الفساد الإداري والمالي منتشر، ومنتشر إلى حد ما، وبنسبة 47% يعتقد أنه منتشر جداً، فإن هذا المعطى يسلحك بتفسيرٍ للظاهرة المتحدّث عنها، مضافاً إلى ذلك أن 25% فقط من المواطنين العرب يرون الحكومات تطبق القوانين بالتساوي بين الناس، و24% يعتبرونها تطبقها بمحاباة.

حكوماتٌ هذه صورتها عند مواطنيها، وبرلماناتٌ لا حماس، ولا رغبة كبرى، في التصويت لانتخابها، ولا تبادر إلى القيام بوظائفها بكفاءة، كيف يمكن أن تحوز محبة الناس أو رضاهم؟ أما الجيش والشرطة والمخابرات، إذا ما كان الأمن والأمان ظاهريْن (هناك تفصيل لنسب متفاوتة في الاستطلاع من دولة إلى أخرى)، فلماذا لا نراهم بعين الرضا.. والمهابة؟ 

التعليقات