15/01/2016 - 09:14

عملية ديزينغوف ومتلازمة الإدانة والاعتذار/ باسل غطاس

حان الوقت لكي يرتكز خطاب القيادة والنخب العربية إلى أسس متينة من القوة والثقة بالنفس والفخر والعنفوان، تشكل عامودا فقريا صلبا لا يلين ولا ينحني أمام كل هبة ريح، ويبقى منتصبا في وجه أي عاصفة

عملية ديزينغوف ومتلازمة الإدانة والاعتذار/ باسل غطاس

بعد دقائق من عملية ديزينغوف، التي نفذها الشاب العربي ابن عرعرة نشأت ملحم، من خلال إطلاق النار يوم الجمعة  ١/١/٢٠١٦ على الجالسين في مقهى في شارع ديزينغوف في تل أبيب، قاتلا اثنين وجارحا عدد آخر، وقبل اتضاح أي تفاصيل أخرى، قامت كل وسائل الإعلام العبري بالاتصال بلا هوادة مع القيادات العربية بهدف الحصول على تعقيب على العملية. وفي غياب موقف موحد وخطاب إعلامي واضح في مثل هذه الحالات، بدء صدور ردود فعل قطرية ومحلية شخصية بالإدانة والاستنكار. وجرى ذلك حتى قبل أن يتضح أن نشأت قتل بعد دقائق أيضا سائق تاكسي عربي المرحوم أمين شعبان، حسب إدعاءات الشرطة وملابساتها لم تتضح حتى الآن، ولن تتضح أبدا بعد عملية اغتيال نشأت بيد قناصة القوات الخاصة في الشرطة الاسرائيلية. وهنا نؤكد بحقنا أن نتساءل حول أسباب اغتياله وعدم اعتقاله حيّا. 

حان الوقت لكي يرتكز خطاب القيادة والنخب العربية إلى أسس متينة من القوة والثقة بالنفس والفخر والعنفوان،  تشكل عامودا فقريا صلبا لا يلين ولا ينحني أمام كل هبة ريح، ويبقى منتصبا في وجه أي عاصفة، أركّزه في النقاط الاساسية التّالية: 

أولا: إننا أقلية قومية أصلانية، أي أننا سكان البلاد الأصليين، ومواطنتنا في إسرائيل جاءت نتيجة نكبتنا وفقدان الوطن، وأننا كنّا ضحايا المشروع الاستعماري الصهيوني الذي قام بتطهير عرقي وهدم قرانا ومدنا وحولنا إلى لاجئين. وبعدها استمرت الدولة اليهودية بممارساتها البشعة، أقصد ممارسات وسياسات التمييز والإقصاء ومصادرة الأراضي. ومع ذلك، كنّا تاريخيا وواقعيا من أكثر المجموعات القومية الموجودة في صراع مسالمة والتزاما بالنضال المدني الشعبي السلمي في العالم. وكان نضالنا تاريخيا من أجل المساواة الكاملة ورفض يهودية الدولة واحترام حقوقنا الجماعية، وقمنا بصياغة الوثائق المشهورة التي تحدد مطالبنا ورؤيتنا للعلاقة مع الدولة. 

ثانيا: إعادة التأكيد على الموقف الواضح والصارم والإجماعي، من دون أي تلعثم أو تأتأة، داخل كافة  القيادات والأحزاب العربية، بالدعوة للنضال السلمي والشعبي لمقاومة الظلم والتمييز والتهميش والإقصاء، ومن أجل حقوقنا وحق شعبنا في الاستقلال والتحرر من الاحتلال الاستعماري التهجيري الصهيوني. والرفض الأخلاقي والسياسي   والإدانة لأي عمليات ذات طابع عنفي مسلح في الداخل،  ورفض الاعتداء على المدنيين واعتبار هذه العمليات (مهما كانت نتيجةً مباشرةً للغبن والاضطهاد لشعبنا حقوقا ومقدسات)  مسيئة لنضالنا العادل. 

ثالثا: علينا أن نرفض أن نكون اعتذاريين ودفاعيين كأننا في قفص الاتهام، وأن نستعمل مفرداتنا نحن في الرد والتعقيب على أي شيء، وألا ننجر وراء مصطلحات الإعلام العبري وغرائزه في فرض أجنداته علينا.  

رابعا : أن نكون هجوميين، وأن نحمل نتنياهو وحكومته جرائم الاحتلال والاستيطان والتهويد، والمسؤولية المباشرة عن كل شيء، خاصة جرائم العنف والقتل  والاعتداء على المقدسات. نعم، هم المسؤولون عن كل قطرة دم تسال مهما كان سببها ومسببها. 

خامسا: رفض وإدانة التحريض على الأقلية العربية في الداخل من قبل نتنياهو شخصيا ووزرائه ومن قبل الإعلام العبري، والتصدي لهذا التحريض ورفض خلط الأوراق بخصوص الخطة الاقتصادية، وكأن حقوقنا في الميزانيات والخدمات هي فتات يمنون بها علينا، أو كأننا بمقابلها يجب أن ننصاع للقانون ونقبل الخدمة المدنية، وهذا يتم عبر توحيد الخطاب والرسائل وتعميمه بلغات أجنبية إضافة للعبرية والعربية.

هذه هي القواعد المتينة التي يجب أن يستند إليها خطابنا. من الطبيعي أن يكون لدى المتحدثين أسلوب وتوجه وقدرات مختلفة ومتفاوتة، ولكن بإمكاننا تذويت هذه الأسس التي تمنع الظاهرة التي شهدناها في الأيام الأخيرة، والتي سادها تشويه في الرسائل وفي جوهر الخطاب، وكثيرا ما “تفوق المتحدثون على أنفسهم” في درجة قبول موقف المتهَم والمعتذِر والمبرِر والمفسِر والوسطي والمعتدل والمسالم وما إلى ذلك.  

علينا أن نتذكر دائما، وننطلق من نقطة أساسية علمنا إياها تاريخ شعبنا، أن كل هذا التشاطر لمن يحسبه كذلك لا يعول عليه ولن يقلل أو يخفف من عنصرية وكراهية وتطرف المجتمع الإسرائيلي قيد أنملة، بل ما يحدث هو أننا نخسر هيبتنا وقوة حقنا ونخسر أنفسنا ولا نربح أي شيء!

مهم التنبه إلى أن متلازمة الإدانة والاعتذار هذه يقابلها دائما وربما تسبب دائما ردود فعل عكسية تماما عند البعض، من اعتبار العملية حتى مع الغموض الكبير والملابسات التي تكتنفها عملية مقاومة بطولية، واعتبار المنفذ شهيدا، وهذا مفهوم طبعا، خاصة بعد اغتياله من قبل القناصة الإسرائيليين. 

في النتيجة، فإن غياب الخطاب الموحد المستند إلى هذه الأسس والذي يشكل البوصلة الوطنية في كل حالة وفي كل أزمة مهما اشتدت، يسبب الارتباك لدى الناس العاديين الذين يقعون ضحية الخوف على مصالحهم ولقمة عيشهم، والتماهي مع خطاب الاعتذار والإدانة، والقبول بدور المتهم من ناحية والشعور بالتعاطف الطبيعي مع أي عملية قد تفسر أنها ضد الظلم والاستبداد، بالرغم من الملابسات غير القليلة، بالذات أن إحدى ضحاياها هو أيضا عربي فلسطيني ، خصوصا وأن منفذها أغتيل ببشاعة برصاص الشرطة والمخابرات الإسرائيلية، فيما كان من الممكن الامساك به حيّا. 

نحن أمام مرحلة صعبة تنتظرنا فيها الكثير من الأزمات والمصاعب والتحديات، سواء على مستوى القضية الفلسطينية عموما وتصاعد هبة الشعب الفلسطيني المناوئة  للاحتلال، أو على مستوى علاقتنا مع “الدولة اليهودية” وتفاقم مخططاتها العنصرية، أو على المستوى الدولي وإحكام الجهود لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها. في كل من هذه الأزمات والمواجهات المرتقبة، تشتد الحاجة للتمسك بالأسس المتينة والمرتكزات الوطنية  لخطابنا الإعلامي. 

التعليقات