15/01/2016 - 08:40

مضايا البداية والنهاية/ بشير البكر

صحيح أن السوريين تعبوا من التشرد والجوع والحصار، لكن الغالبية منهم تفضل المنفى والهجرة على الحياة في سورية تحت حكم الأسد.

مضايا البداية والنهاية/ بشير البكر

حين دخلت أول أربع شاحنات من مواد الإغاثة إلى بلدة مضايا السورية، مساء الإثنين الماضي، ساد الاعتقاد بأن الأزمة في طريق الحل النهائي، لكن رئيس المجلس المحلي أعلن أن الشحنة خالية من الطحين. وبعد ذلك بقليل، تحدث آخرون عن عدم وجود حليب، ونقص في كمية الدواء والمواد الأولية، ثم تلا ذلك تصريح أحد مسؤولي الأمم المتحدة بأن مضايا مهددة بكارثة إنسانية، وكشف عن وجود 400 شخص في وضع صحي سيىء للغاية، يحتاجون إلى عملية إخلاء فوري من المدينة، وفوق هذا كله، فإن المساعدات لا تكفي أكثر من 15 يوماً. 

كانت عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى مضايا بمثابة مدخل للمفاوضات، التي قرّرتها الأمم المتحدة بين وفدي المعارضة والنظام في 25 يناير/كانون الثاني الحالي. ولذا، جرى النظر إليها من الأوساط المواكبة للأزمة السورية على أنها بادرة حسن نية من الطرفين، على القيام بخطواتٍ تخفف من حدة التوتر، وتشيع أجواء من الثقة، لا سيما وأن وفد المعارضة طرح أمرين مهمين، بعد اجتماع هيئة التفاوض في الرياض. يدعو الأول إلى فصل المسارين، الإنساني والسياسي، والثاني رفض البدء في المفاوضات، في ظل استمرار عمليات القتل التي يمارسها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون. 

ما يمكن استنتاجه من التصريحات الأكثر حكمة، في الأيام الأخيرة، أن مضايا يمكن أن تفتح باب الحل السوري، وفي وسعها أن تغلقه في الوقت نفسه، مع الأخذ في الاعتبار أن حرب التجويع ليست ملفاً كسائر الملفات الأخرى التي يمكن وضعها على طاولة المفاوضات، وإنما هي أحد مؤشرات المصداقية الأخلاقية التي بدونها لا يمكن بناء الثقة. 

مبدأ فرض الحصار هو المستنكر، وقد برهنت الطريقة التي أدخل بها النظام السوري المساعدات إلى مضايا عن وجدانٍ بربري مريض، فأسلوب تقنين المساعدات من اختراع طغاة مرضى، والمحتلين الذين اتبعوه لتركيع وكسر مقاومة شعب محاصر، ذلك أن الماء والدواء والحليب والطحين مستلزماتٌ لا يمكن أن تكون محل مساومة في أي ظرف، ومن الطبيعي أن يتحرك قطاع واسع لإدانة هذه السلوكيات الوحشية، فحصار مضايا ليس مشكلة سكانها وحدهم، ولا مصير بضعة ملايين من السوريين، ما زالوا يتشبثون بالبقاء في بلدهم على الرغم من حرب الإبادة متعددة الأطراف التي يواجهونها. كل ما في الأمر هو بقاء البلد من عدمه، فإذا استمر الروس والإيرانيون بقيادة السفينة السورية في هذا الاتجاه، فمعنى ذلك أن سورية انتهت كبلد. أهالي مضايا يواجهون اليوم خطر الانقراض، ويعانون، كسائر السوريين، من مفاعيل الجنون القاتل المسلط على سورية المطحونة بين فكي البربرية الروسي الإيراني من أجل إعادة تأهيل نظامٍ يتحمل المسؤولية التامة عن تدمير وطن 22 مليون سوري. 

ليست مضايا فقط مقياساً للحساسية الإنسانية والأخلاقية لدى النظام السوري وحلفائه الإيرانيين والروس، وإنما هي ميزان لمدى ميلهم نحو السير جدّياً في مفاوضات السلام. وفي الحقيقة، لا يبعث على الأمل الأسلوب الذي يتعاطون فيه مع أحوال أربعين ألف شخص محاصر تشهد المنظمات الدولية أنهم سيموتون جوعاً ومرضاً. من يحتجز مواطنين عُزّلاً لا يمكن التعويل عليه في دخول مفاوضاتٍ من أجل الوصول بسورية إلى بر الأمان. 

من الواضح أن رعاة النظام السوري من الروس والإيرانيين لا يريدون حلاً سلمياً في الفترة الراهنة، وقد كان السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، صريحاً في حديثه مع "العربي الجديد"، حين قال إن الأسد يريد استسلام المعارضة، لا الحوار معها، الأمر الذي يتحدث عن نفسه على الأرض، بعد التدخل الروسي. 

صحيح أن السوريين تعبوا من التشرد والجوع والحصار، لكن الغالبية منهم تفضل المنفى والهجرة على الحياة في سورية تحت حكم الأسد. 

(نائب رئيس تحرير "العربي الجديد")

التعليقات