18/01/2016 - 16:24

وادي عارة: بيوتنا وليست خيولنا من تخيفهم/ سليمان أبو إرشيد

إن تهديدات نتنياهو ليس أنها في طريقها لتدخل حيز التنفيذ وحسب، بل هي تمس الصميم الوجودي الرمزي والمادي لشعبنا الباقي في دياره بعد النكبة.

وادي عارة: بيوتنا وليست خيولنا من تخيفهم/ سليمان أبو إرشيد

هي وادي عارة التي تطل عليك بيوتها الجميلة من أعالي التلال، فيما تنساب بك الحافلة في بطن الوادي، لطالما أغاظت الإسرائيليين هذه البيوت العربية، كنا نسمعهم ونحن نركب الحافلات العمومية في ذهابنا وإيابنا إلى الجامعات وهم يقولون بـ”حسد”: أنظر أنظر أية “فيلات" فخمة يملكها هؤلاء العرب ورغم ذلك يتحدثون عن التمييز.

نظرات الحقد والحسد تلك كانت لتجعل المرء يعتقد جازما أن الخطة الصهيونية بـ" تنظيف" القرى العربية المحاذية للطرق والمحاور الرئيسية في العام 1948 لم تكن بدواع “أمنية" أو "عسكرية"، بل نابعة من اعتبارات دفع العرب إلى الهامش، اعتبارات ترى أنه لا يجوز للعربي أن يسكن في المناطق "الشرحة" والمطلة على الشارع، بل عليه أن يلوذ في "عرق جبل" لا تراه الشمس. من أنقذ وادي عارة وسائر قرى المثلث الجنوبي من هذا المصير هو كونها لم تسقط بأيدي العصابات الصهيونية وبقيت في قبضة الجيش العراقي إلى أن سلمها عبد الله ملك الأردن لإسرائيل في إتفاقية رودوس عام 1949.

في انتفاضة العام 2000 "استلحم" رئيس حكومة إسرائيل وأحد رموز أمنها إيهود براك، على فتح شارع وادي عارة الذي أغلق على مدى أيام، لأن ذلك ذكره بمعارك العام 48 ، وأطلق تهديده المشهور بعدم السماح بإغلاق محاور مركزية مهما كلف الثمن وقد دفعت جماهيرنا الثمن بدماء الشهداء.

إذن هي ليست خيولنا التي تطل من وادي عارة، بل بيوتنا الرابضة في الأعالي هي من "تخيفهم"، إنها رمزية الوجود العربي الفلسطيني الذي يطبق على منطقة يمر منها شريان رئيسي يربط شمال البلاد بمركزها وجنوبها، هذه البيوت العربية كانت مستهدفة، أسوة بغيرها، قبل عملية ابن وادي عارة نشأت ملحم في تل أبيب، ولا غرابة في أن تقفز إلى واجهة التحريض بعد العملية، التي يتم استغلالها للثأر من هذا الوجود العمراني العربي.

لقد وعد بنيامين نتنياهو شعب إسرائيل وهو يقف على دماء قتلى عملية تل ابيب، بالاقتصاص من العرب الذين حملهم مسؤولية الدماء المذكورة في قضيتين، أولاهما تسريع وتكثيف هدم البيوت بادعاء عدم الترخيص، وثانيهما معالجة ما سماه بالتحريض في المساجد. في القضية الأولى، باشر مكتب نتنياهو بالدفع بمخطط لنقل “الوحدة القطرية لتطبيق قوانين التخطيط والبناء” من وزارة المالية إلى وزارة الأمن الداخلي وجرى تشكيل طاقم مؤلف من مندوبين عن عدة وزارات لهذا الغرض.

المخطط يهدف إلى اختصار الطريق وإيكال موضوع هدم البيوت مباشرة، للجهة التي تمتلك القدرة على تنفيذه والمجهزة بأحدث وسائل القمع وهي شرطة إسرائيل. وتشير التقديرات إلى أنه يوجد في المجتمع العربي أكثر من 50 ألف بيت من دون تراخيص بناء ستكون عرضة للهدم.

وفي القضية الثانية، سارع نواب من حزب "يسرائيل بيتينو" إلى تحويل تحريض نتنياهو ضد الأذان المنبعث من المساجد إلى مشروع قانون يمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت بذريعة الازعاج، وهو قانون سبق أن تقدمت به عضو الكنيست السابقة أنستاتسيا ميخائيلي (عارضة الأزياء إياها تذكرون صورتها إلى جانب مسجد في جسر الزرقا).

ما أردت قوله إن تهديدات نتنياهو ليس أنها في طريقها لتدخل حيز التنفيذ وحسب، بل هي تمس الصميم الوجودي الرمزي والمادي لشعبنا الباقي في دياره بعد النكبة. فالبيت هو السقف الذي يقينا برد الشتاء وحر الصيف والمأوى الذي نسكن إليه والعش الذي تولد وتنمو فيه زغب حواصلنا، والمآذن والكنائس شواهد يرتفع أذانها وتصدح أجراسها لتسبح اسم الله بإسمنا، وهي بهذا المعنى ليست رموزا دينية فقط، بل آيات بقاء وصمود لما تبقى من شعب هذه الأرض المقدسة، لذلك هي مستهدفة من نتنياهو كما استهدفت من آباء نتنياهو، لأنها بمثابة الوجود الروحي لهذا الشعب على هذه الأرض التي تسعى الصهيونية إلى محاصرته واقتلاعه، تماما مثلما تسعى إلى اقتلاع وجودنا المادي.  

التعليقات