25/01/2016 - 19:53

الطفلة الـ40 في قائمة شهداء انتفاضة الأطفال../ سليمان أبو ارشيد

هل يريد أكثر من إعلان هرتسوغ، قبل أيام بأن حل الدولتين لم يعد حلا عمليا، ودعوته لاعتماد حلول من طرف واحد ليقتنع أن إسرائيل بيمينها ويسارها غير ملتزمة بالاتفاقيات، وغير معنية بالعملية السياسية ولا تعتبره شريكا؟

الطفلة الـ40 في قائمة شهداء انتفاضة الأطفال../ سليمان أبو ارشيد

تعتبر الطفلة رقية أبو عيد (13 عاما) التي جرى إعدامها بدم بارد على أيدي رجل أمن إسرائيلي في القدس، ثالث اصغر شهداء انتفاضة القدس، وهي الشهيدة رقم 40 من مجموع  شهدائها البالغ 164 شهيدا، حيث يشكل الأطفال ثلثهم. في وقت تمعن فيه إسرائيل في سياسة الإعدامات الميدانية ضد فتية وفتيات فلسطين ظنا منها أنها الطريقة الأفضل لمواجهة 'انتفاضة الأطفال' الفسطينية.

 هي 'انتفاضة الأفراد' أو 'انتفاضة الأطفال' الذين تحركهم عوامل ودوافع شخصية مشتقة من قسوة الواقع الاجتماعي والاقتصادي، الذي راكمته سنوات الاحتلال الممهورة بالظلم والفقر والضيق والقهروالمعاناة الجماعية والشخصية، والتي باتت على ما يبدو فوق طاقة تحمل هؤلاء الأطفال، الذين خرجوا مشهرين قبضاتهم الصغيرة بما تلقفته أيديهم من مقص أو 'سكينة فواكه'، هي لن تقوى في النهاية على مواجهة نيران قناصة إسرائيل وجنود حواجزها ولا تسعى إلى ذلك أصلا. إنها صرخة غضب وحالة خروج وتمرد على الواقع المعيشي، الاجتماعي والسياسي الذي يرزحون تحت وطأته، وهي قي ذات الوقت إعلان نزع ثقة عن القيادات ممثلة بفصائل السلطة وسلطة الفصائل، ودعوة متجددة للمواجهة والتصدي ونفض وكسر غبار اليأس وقيود الاستسلام.

لقد كشف اعتراف مدير مخابرات السلطة الفلسطينية، ماجد فرج، لمجلة 'ديفنس نيوز' الأمنية الأميركية، حول إحباط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تنفيذ مئتي عملية ضد الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كشف ما هو واضح على الأرض، وهو أن سلطة أوسلو تقع في الطرف النقيض لمعاناة وحراك الشارع الفلسطيني الذي يشق بدماء شهدائه الأطفال طريقا جديدا نحو الحرية والاستقلال. من جهته جاء محمود عباس 'ليكحلها فعماها' بتأكيده أن 'التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي لا زال قائما، و'أجهزتنا الأمنية'، تمنع أي مواطن من تنفيذ أي عمل'. عباس الذي حاول إسباغ الشرعية على تنسيقه الأمني مع إسرائيل في عز الانتفاضة بادعاءات من نوع 'لن نقبل أن يذهب أطفالنا لإلقاء الحجارة على الجيش الإسرائيلي ثم يقتلون'، قال إن الأوامر بمنعهم تصدر منه شخصيا، زاعما أن الأمن الفلسطيني يمنع ذلك لحمايتهم، وذلك في محاولة لذرّ الرماد في العيون والإيحاء بأن التنسيق الأمني جاء لحماية حياة الفلسطينيين، وهو في الحقيقة يهدف إلى حماية أمن أسرائيل.

وفي التفاصيل ألقت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية في تقرير نشرته مؤخرا عن ظاهرة الفتية الفلسطينيين الذين يواجهون الرصاص بسكاكينهم الصغيرة ومقصاتهم أحيانا، ألقت الصحيفة الضوء على تعاون السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في محاربة هذه الظاهرة، ومدى اجتهاد أجهزتها الأمنية في إحباط العمليات بكل الطرق.

وفي السياق أشارت الصحيفة إلى أن الأمر وصل حد إعطاء تعليمات للمدارس الثانوية في الضفة الغربية بإرسال قوائم بأسماء الطلاب الذين لم يصلوا إلى  المدرسة حتى الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى مكاتب المحافظات، وفي مكتب المحافظ يقومون بالاتصال بالأهالي وفحص أسباب الغياب، وإذا كان الأهل لا يعلمون سبب الغياب يتم تفعيل عناصر الأجهزة الأمنية لإجراء تفتيش وإلقاء القبض على الفتى صاحب العلاقة لمنعه من الشروع بتنفيذ عملية ضد إسرائيل.

وها هو عباس يعترف بـ'الفم الملان' بقوله: 'نحن نقوم بواجبنا على أكمل وجه'، والمقصود ليس واجبه الوطني، بل واجبه تجاه الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل والمتعلقة بالتنسيق الأمني معها، يعزز ذلك تقريرمدير مخابراته بأن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية أحبطت 200 عملية، واعتقلت خلال ثلاثة أشهر أكثر من مئة فلسطيني وصادرت أسلحة. كل ذلك بزعم حماية أرواح الاطفال الفلسطينيين، والادعاء بعدم السماح بالانجرار إلى معركة لا يريدها عباس، ولا يقدرعليها، كما قال.

أما بخصوص تلويحه وتلميحه بجمل غامضة على غرار  'التنسيق الأمني قائم لهذه اللحظة'، و'لكن بعد الآن لا أعلم ما سيكون'، أو 'إذا بقيت إسرائيل غير ملتزمة بالاتفاقيات لن نلتزم بها'، هذه التلميحات تشير إلى غياب الشجاعة حتى بمجرد التهديد الصريح بوقف التنسيق الأمني واللجوء، عوضا عن ذلك، إلى لغة التعميم والتعويم التي كنا نسمعها في كل أزمة تفاوضية. هو كلام سمعناه قبل أشهر وقبل سنوات ويتم لحسه في كل مرة. ثم ماذا ينتظر أن تفعل إسرائيل حتى تثبت له أنها غير ملتزمة بالاتفاقيات؟ ألا يكفيه تصريحات نتنياهو صبح مساء بعدم وجود شريك فلسطيني؟ واذا كان نتنياهو وائتلافه اليميني لا يمثل الإرادة الإسرائيلية، فماذا يقول بإعلان زعيم المعارضة، 'العمالي' يتسحاق هرتسوغ، قبل أيام، بأن حل الدولتين لم يعد حلا عمليا، ودعوته لاعتماد حلول من طرف واحد؟ ألا يكفي ذلك ليقتنع أن إسرائيل بيمينها ويسارها غير ملتزمة بالاتفاقيات وغير معنية بالعملية السياسية ولا تعتبره شريكا؟
 

التعليقات