23/02/2016 - 12:25

الكرد ورقة ضغط/ فاطمة ياسين

يحلو الآن لروسيا استخدامها في الشمال السوري، باعتبارها ورقة مجرّبة ومضمونة، لتشتيت جهود تركيا، وإضعاف حضورها في المشهد.

الكرد ورقة ضغط/ فاطمة ياسين

كان الهجوم المعاكس الذي شنه الكرد على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتقدم في عين العرب (كوباني) ناجحاً، وأمّن للمجموعة الكردية المقاتلة دعماً سياسياً وعسكرياً إضافياً، فتعاظمت قدرات مليشياته المنتصرة، وتعزّزت إمكانات وحدات حماية الشعب، ولم تتوقف عند حدود عين العرب، فتابعت مسيرتها العسكرية بإمدادٍ يسقط عليها من السماء، عبر طائرات المساعدة الأميركية، وتمهيد جوي يساعد تقدمها العسكري من طائرات التحالف، ثم اكتشف الروس عدم معاداة هذه الكتائب للنظام، فتولت طائرات السوخوي مساعدتها في التقدم، حتى وصلت إلى مطار منغ العسكري، وسقطت قذائفها داخل أراضي أعزاز الحدودية. وكما هو متوقع، أتى رد الفعل التركي حاداً برفض أي تقدم للقوات الكردية داخل أعزاز، ودعمت تركيا جدية تهديداتها بقصف مدفعي، من داخل الأراضي التركية، باتجاه محيط مدينة أعزاز، حيث توجد قوات حماية الشعب الكردية، مع تكرار تصريحات عالية اللهجة عن نية دخول قوات برية تركية وعربية لمنع حدوث أية تجاوزات من الجانب الكردي أو الداعشي.

لم يكن التعاون بين روسيا ووحدات حماية الشعب واضحاً، قبل إسقاط تركيا الطائرة الروسية، وظهور اعتراض تركي عملي قوي على التحركات العسكرية والسياسية الروسية في سورية، استغلت روسيا النجم الصاعد للكتائب الكردية في محاربة تنظيم الدولة، وأفردت لها طلعات جوية مهدت تقدمها في جبهاتٍ تشكل استفزازاً لتركيا، أرادت من خلالها وصل عين العرب (كوباني) بعفرين، واضعة يدَها على معظم الشريط الحدودي المتاخم لتركيا. أبدت روسيا حماسة لمناطق لا تقع ضمن اهتماماتها، وتبعد عن الشريط الساحلي (حيث تربض قواعدها العسكرية)، وحماسة أخرى لضرب تنظيم الدولة، دعماً لوحدات حماية الشعب، وهي حماسة كانت فاترة في بداية دخول طائرات روسيا ميدان المعركة، وكان الجهد الروسي مقتصراً على مهاجمة الأعداء الحقيقيين للنظام السوري، لكنها رغبت لاحقاً أن تمتلك ورقة تضغط بها على الأتراك، فوضعت عينها على وحدات حماية الشعب التي تُعتبر شريكاً لمنظمة حزب العمال الكردستانية المصنفة، تركياً، منظمة إرهابية، وحاولت ممارسة ضغط على الأمم المتحدة لإدراج اسم صالح مسلم في وفد المفاوضات المعارض.

ليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها الكرد ورقة ضغط على جهات أخرى، وطالما استخدمت كل الأطراف هذه الورقة ضد كل الأطراف. وفي كل مرة، كان الكرد يتفاعلون بشكل إيجابي، بوصفهم عامل ضغط، تدفعهم آمال قومية عميقة. 

يرحل الجرح القومي الكردي بعمق قرن كامل في التاريخ، فقد تضمنت معاهدة سيفر التي صُفيت بموجبها ممتلكات الدولة العثمانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كياناً كردياً يمكنه أن يجري استفتاءً على استقلاله، لكن المعاهدة التالية التي عقدت بعد ثلاث سنوات في لوزان بين الحركة الوطنية التركية، بقيادة أتاتورك، وحلفاء الحرب العالمية الأولى، تغاضت كلياً عن الأكراد لصالح بندٍ عريضٍ، يقول إن تركيا تلتزم بحماية الأقليات، وتحترم حقوقهم. 

استخدم شاه إيران أكراد العراق تهديداً لنظام البعث هناك، عقب الانقلاب الناجح في عام 1968، بشن هجمات على آبار النفط في كركوك، ما مهد السبيل لاجتياح المنطقة كلها، ثم جرى إخراج الكرد من كركوك بشكل نهائي، واستخدم نظام حافظ الأسد كرد تركيا ورقة ضغط وتهديد، حيث وجد زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، ملجأً آمناً في دمشق، أُخرج منه لاحقاً، بعد أن شعر الأسد الأب بجدية تهديدات تركيا. واستخدمت أميركا كرد الشمال العراقي، بعد اجتياح صدام حسين الكويت، فأوجدت لهم منطقة حكم ذاتي بعيدة عن حقول النفط، وأبقت على ديكتاتور ضعيف في بغداد وكيان هزيل غير قادر على التهديد في الشمال، من دون أن يتمكن الكرد، عبر هذا التاريخ الطويل، أن يتجاوزوا دورهم ورقة يمكن التحكم بها. يحلو الآن لروسيا استخدامها في الشمال السوري، باعتبارها ورقة مجرّبة ومضمونة، لتشتيت جهود تركيا، وإضعاف حضورها في المشهد.

* كاتبة سورية مقيمة في تركيا

(العربي الجديد)

التعليقات