04/03/2016 - 10:48

في تذكّر إربد.../ معن البياري

ما الذي أراده، بالضبط، أولئك الهمَج، عندما تمنطقوا أَسلحةً وقنابل، وتزنّروا بأحزمةٍ ناسفةٍ، واعتصموا في بيوتٍ، وسط ناس آمنين.. هناك، في إربد؟

في تذكّر إربد.../ معن البياري

معن البياري

ما الذي أراده، بالضبط، أولئك الهمَج، عندما تمنطقوا أَسلحةً وقنابل، وتزنّروا بأحزمةٍ ناسفةٍ، واعتصموا في بيوتٍ، وسط ناس آمنين.. هناك، في إربد؟ تجندل سبعةٌ منهم صرعى، وسيق ثلاثة عشر إلى الاستنطاق والاحتجاز، بعد أن عالجت قوةٌ عسكريةٌ أردنية أمرهم، في مواجهةٍ ارتقى فيها شهيداً النقيب راشد الزيود. قيل إنهم من داعش، وقيل إنهم سلفيون جهاديون. حسمُ نسبتِهم هذه أو تلك متروكٌ للدارسين، ولأجهزة التحقيق والمخابرات. أما نحن الذين تقيم إربد فينا، في كريّات دمنا وأرواحنا، يهمنا في شأنهم أَنهم أرادوا خطف هذه المدينة التي نحبّ، إلى حيث العمى ومطرحهم المرذول. ورد، في أخبارٍ أولى، أنهم كانوا يخطّطون للاعتداء على مدنيين وعسكريين في إربد. هل يجوز سؤالهم عن سبب غرضهم هذا؟ ربما يستنطقهم ضباط الاستخبارات في سؤالٍ من هذا القبيل. أما أنا، وأترابي ممن انتسبوا، تكويناً وتعليماً وتأهيلاً، في ذلك الشباب الأول، إلى إربد، قبل أكثر من ثلاثين عاماً، فلن نحفل بالذي أراده أولئك من إشاعةِ الدم. وهنا، أصدّق أن المخابرات الأردنية، قبل تطويقهم والاشتباك معهم، نجحت في منع كارثة مروعةٍ. ولأن الأمر كذلك، فالمقام هنا، هو البهجة بنجاة إربد وناسها، حماها الله وحماهم، والاطمئنان، أيضاً، إلى كفاءة الدولة في الأردن بشأن أيِّ خرابٍ من هؤلاء الخفافيش الذين طرأوا في غير مدينةٍ أردنية، وقد احتلوا بطاحاً وحواضر في سورية والعراق.

تُرى، هل صحيحٌ أن مزاجاً داعشياً استجدَّ أخيراً في إربد، المدينة التي كانت الأنفاس اليسارية غير خافية فيها، إبّان كنا طلاباً في جامعتها، اليرموك، نتأمل في العالم، ولا نقبل بأقل من كنس كل الرجعيات فيه، أينما كانت. ونطيل ألسنتنا على الحكومة، غير مرتعشين. ونثرثر عن "انحراف" ياسر عرفات، بمناسبةٍ وغير مناسبة. وعندما نسمع أن أنديرا غاندي اغتيلت، للتو، نرميها بالعمالة لأميركا. نحب جورج حبش وفرقة بلدنا، ونقرأ غالي شكري، ونتبادل رواية عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط". وفي دائرة الصحافة والإعلام، نتدرّب على إصدار الجرائد، وكتابة الأخبار، إنْ كانت عن انقطاع الماء ساعاتٍ في قفقفا (إحدى قرى المحافظة)، أو عن جولة جورج شولتز في المنطقة. في تلك الغضون، كان الاعتصام أمام مبنى كلية الهندسة في الجامعة، لإحياء ذكرى وعد بلفور، أمراً واجباً، وكذا لإسناد مطالب من رئاسة الجامعة وإداراتها، وإذا أحبّ "الإخوان المسلمون" أن يشاركونا، فأهلاً بهم، وإذا عزفوا، فلن يفلتوا من نمائمنا وعنترياتنا.

كانت "الأجهزة" تأخذُنا على محمل الجد، أو على الأصح، تأخذ من كانوا منّا أكثر همةً في مناوأة الحكومة، وخياراتها "التسووية" و"الرأسمالية". وكانت يقظةً بشأن انتساب بعضنا إلى هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك الحزب الأردني. كانت الفظاظة وفيرة في هذا وغيره. لا تُستدعى هذه النتف من تلك الأجواء هنا، لحنينٍ ما (لمَ لا؟)، وإنما للجهر بشعور بأسىً جارح بشأن ما صار ظاهراً في عروس الشمال الأردني وما كانت عليه. يريد هواة القتل والعتمة، ولديهم من يناصرُهم في بيئاتٍ متعلمةٍ، وبين موظفين متوسطي الحال، أن يأخذوها إلى ما لا يستقيم مع مزاجها العام، وهو المحافظة غير المتشدّدة، فإربد منفتحة عموماً، ناسُها فلاحون وريفيون وتجار، ومزاجهم أميل إلى الاعتدال والتباسط مع الجميع. ومعلوم أنها مدينةٌ محاطة بقرى عديدة، تتبع المحافظة، وسهولها خصبة واسعة، والخضرة فيها تشيع ألفةً وراحة بال ظاهرة...

أتذكّرني، أتهجّى الصحافة هناك. أغادر إلى إربد من عمّان، في "باص جت" بستين قرشاً، ومعي جريدة الرأي، أغبط في مطالعتها بدر عبد الحق على ما يكتب. أصل، وفي اليوم التالي، أكون في سينما الجميل، أشاهد فيلم العار. وفي صباح يوم آخر، أغشى، مع جمع من الأصدقاء، مطعم ياسين للفول والحمص. وبين هذا كله وغيره، أكون في محاضرات أستاذي، نبيل حداد، مبتهجاً بما أتعلم منه وبما يدرّبني عليه.. أجوس في إربد، في زمن مضى، وفي زمنها الراهن أيضاً، وأبتهج بهزيمة داعش فيها.

(العربي الجديد)

التعليقات