07/03/2016 - 16:20

أرى في النقيض نقيضًا!!/ المتوكل طه

وما تقديس الماضي إلا لهذا، وما العودة إلى الماضي إلا لهذه الأسباب، وبالتالي، فإن صلاح الدين، ذلك البطل الذي أنجز ومضى، سيظل في وجداننا تجربة ناجحة تشكل ذروة من ذروات المثل العليا. هل الماضي مُثلٌ عليا فقط؟! هذه إشكالية أخرى وجدت لها تعبير

أرى في النقيض نقيضًا!!/ المتوكل طه

نحن نحتاج القديم لفهم الجديد، ونحتاج القديم لتعريف حاضرنا، ونحتاج القديم باعتباره خبرة ضرورية، ونحتاج القديم باعتباره أكثر صدقاً وبهجة وقرباً من الطبيعة وأكثر براءة وقرباً من السماء، نحتاج إلى القديم لأنه يذكرنا بطفولتنا الفردية والجمعية أيضاً. القديم ضروري لتعريف الحاضر وإضاءته وإعادة تشكيله. القديم ليس فقط للاعتبار، بل - وبالقوة ذاتها - جزء من تشكيل الوعي، هذا الوعي الذي يحتاج إلى مكان للحركة وزمان للتنفس. القديم، هو الماضي، هو ما تم إنجازه، ويمكن الحكم عليه أو تأويله، هو ما مضى ولكنه ما زال يتردد حتى الآن، ومن هنا فلا انقطاع للزمن، الماضي جزء هام من تعريف الحاضر - مرة أخرى - ذلك أن الماضي (الزماني والمكان) جزء من منظومة القيم التي ظلت على الدوام نافعة ومؤثرة إلى حدّ كبير.

وما تقديس الماضي إلا لهذا، وما العودة إلى الماضي إلا لهذه الأسباب، وبالتالي، فإن صلاح الدين، ذلك البطل الذي أنجز ومضى، سيظل في وجداننا تجربة ناجحة تشكل ذروة من ذروات المثل العليا. هل الماضي مُثلٌ عليا فقط؟! هذه إشكالية أخرى وجدت لها تعبيراً فيما يسمى الأصالة والمعاصرة والعلاقة مع التراث. وبرأيي فإن هذه المشكلة مصطنعة لأنها تعبير عن أزمة بالتعامل مع الواقع، الأمر الذي أدى إلى اختلال بالعلاقة مع الماضي.

عندما أكون صانعاً للتاريخ، فلا أجد مشكلة معه، أما عندما أنزوي فأصبح جالداً للذات، والذات في جزء منها ماضٍ . وتعريف الهوية، الذي هو، أيضاً، تعريف للذات بمستوياتها المتعددة، لا يترك مجالاً للآخر بتعكير صفو هذا الصفاء . الذات لا تقبل معيناً لها في تعريف يفصلها عن الذوات الأخرى.

الهوية بمعناها الشامل - غير العنصري، والمنفتح والإنساني- تحاول وترغب في أن ترى ذاتها مؤطّرة بمكان فريد وثقافة عريقة، وهذا لا علاقة له بالانفتاح على الآخرين أو التفاعل معهم أو التشارك وإياهم. (نرى حالياً نهضة قوميات عديدة تحاول أن تضع الحدود والفوارق بينها وبين الجماعات الأثنية التي تعيش معها، وأكثر من هذا، فإن الفرنسي غوستاف لوبون يرى أن البحث عن تعريفات قومية خاصة بالهوية تحرك التاريخ نفسه على شكل ثورات سياسية وثقافية مختلفة).

قد يكون من العجيب - وهذا رأيي على الأقل - أن تعريف الذات - في حالتنا الفلسطينية - لا يرى في الآخر/النقيض مكملاً بقدر ما يراه نقيضاً يجب الحذر منه والتشكك فيه، وقد رأينا في العقود الماضية عدد الشعوب والجماعات التي تطالب بانفصالها عن الجماعات التي تشاركها الوطن الواحد . الهوية تحتاج إلى نقيض لتعرف نفسها وتتميز عنه. الهوية باعتبارها وعياً بالعالم تحتاج إلى مَن يثيرها ويحفّزها على اختراع صيغة أخرى ورواية تختلف. وهذا ما يبقي الجماعات حيّة وفاعلة دائماً، وربما هذا الذي يعنيه القرآن الكريم بما ورد في الآية الكريمة 'ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..' فالاختلاف في التعريف يعني الاختلاف في تحديد الاتجاهات، والاختلاف في تحديد الاتجاهات يعني تقديم تفاسير مختلفة للمكان الواحد، وهذا هو التاريخ.

التعليقات