15/03/2016 - 15:38

طقوس التحريض وفشل نموذج "الاعتدال"/ سليمان أبو إرشيد

الجماهير تدرك بحسها العفوي أن قضية التمييز العنصري الممارس ضدها مرتبطة بالحبل السري للقضية الفلسطينية العامة، وهي تميز أيضًا بين النقاش الداخلي الذي يشمل انتقادات وحتى اتهامات بالتقصير لأعضاء الكنيست العرب والأحزاب العربية عامة، وبين المح

طقوس التحريض وفشل نموذج "الاعتدال"/ سليمان أبو إرشيد

مرة أخرى تؤكد أحداث الأسبوعين الأخيرين أن العرب في إسرائيل تحت المجهر، فبعد التحريض الذي رافق وما زال اجتماع نواب التجمع مع عائلات شهداء القدس، تتواصل هذه الطقوس بذريعة بيان التجمع والجبهة المتعلق بحزب الله، وتلتئم مجددًا جوقة المحللين والمحرفين في القنوات والمواقع المختلفة بقيادة كبير المحرضين بنيامين نتنياهو، الذي يصر على ما يبدو، على تنحية ليبرمان وبينيت وغيرهما من العنصريين وتحييدهم عن ساحة المعركة مع 'العرب في إسرائيل' واحتكارها لنفسه.

عندما ينشغل المحللان للشؤون العربية إيهود يعاري وتسفي يحزقيلي بحركات وسكنات  النواب العرب ويغوص معلق سياسي بارز مثل ناحوم برنيع، في خارطة التباينات والاجتهادات المتنازعة داخل الجبهة والتجمع لـ'يفنطها' بالأسماء والمواقف، وتخصص صحيفة 'هآرتس' افتتاحيتها للحديث عن ما اسمته بـ'الغباء السياسي لدى العرب'، عندما يحدث كل ذلك ندرك جيدًا أننا نحظى بمثل هذا الاهتمام الذي 'نستحقه' وما كنا لنحظى به لو كان الحديث يجري عن مشكلة الصرف الصحي في مدينة عرابة مثلًا، أو غيرها من القضايا المحلية التي تريد المؤسسة الإسرائيلية من النواب والقيادات العربية الانشغال بها دون الشأن الفلسطيني والعربي.

ومن اللافت في هذا السياق، أن تسجل قناة إسرائيلية هي القناة الثانية سابقة بقيامها بإجراء استطلاع لفحص رضا الجمهور العربي عن أداء النواب العرب، لتؤكد وجهة نظر معدة سلفًا، وهي أن معظم الجمهور العربي في إسرائيل يعتقد أن أعضاء القائمة المشتركة لا يمثلونهم بشكل صحيح لأنهم منشغلون بالسياسة (القضية الفلسطينية) ولا يهتمون بقضاياهم الحياتية.  

وأن لا ترى تلك القناة غروًا في تحريف نتائج الاستطلاع بحيث يخدم وجهة النظر تلك، علمًا أنها لم تستطع إخفاء حقيقة أن 65% من الجمهور العربي أيد لقاء نواب التجمع مع عائلات شهداء القدس، وهو ما يؤكد أن القضية الفلسطينية التي يريد الإعلام والمؤسسة الاسرائيلية من النواب العرب إغفالها والانشغال بقضايا المواطنين اليومية ما زالت تحتل الصدارة في سلم أولويات جماهير الداخل الفلسطيني.

هذه الجماهير تدرك بحسها العفوي أن قضية التمييز العنصري الممارس ضدها مرتبطة بالحبل السري للقضية الفلسطينية العامة، وهي تميز أيضًا بين النقاش الداخلي الذي يشمل انتقادات وحتى اتهامات بالتقصير لأعضاء الكنيست العرب والأحزاب العربية عامة، وبين المحاولات البائسة التي تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية بإيجاد تعارض بين قضايانا اليومية والوطنية، وبشكل خاص مع القضية الفلسطينية العامة، التي هي قضية الفلسطينيين كلهم وليس الفلسطينيين في الضفة والقطاع فقط.

نعم 'من الغباء' عدم التصدي، كما تريد لنا صحيفة 'هآرتس'، لأي محاولة لإسباغ صفة الإرهاب على المقاومة، لأن ذلك بمثابة تقديم خدمة مجانية لإسرائيل وسحب للبساط من تحت أقدام الكفاح التاريخي لشعبنا، وقد آن الأوان فعلا، على مستوى الداخل، لوضع حد لأوهام تسويق أيمن عودة كنقيض كامل لحنين زعبي، على حد تعبير برنيع، الذي يدعي أن 'عودة أعطى صورة جديدة: بدل الاستفزاز أمام العدسات هناك جدل جوهري، بدل الإنغلاق هناك تعاون، وبدل البصاق هناك مرونة، ويضيق مستدركا، بالطبع لم يكن وحده. فقد سبقه أحمد الطيبي'.

برنيع يصف حال أيمن عودة بعد 'الضربة' بقوله، 'رئيس القائمة العربية المشتركة أيمن عودة تجول هذا الأسبوع في أروقة الكنيست كمن انهار عالمه، الضربة السياسية كانت قاسية؛ الإهانة الشخصية صعبة، سنوات من العمل المواظب لتغيير المواقف في الوسط اليهودي ذهبت هباءً، بعد أن وعد بالتقدم والاندماج والتطوير'.

طبعًا، التقييم أعلاه لبرنيع وليس لنا، وإن كان عتبنا على النائب عودة أن عشمه وغيره ممن اتهمونا بالغباء، بأننا يمكن أن نتخلى عن البعد الوطني والقومي من نضالنا مقابل فتات من المكتسبات اليومية، وهو أمر لا يستطيع حتى هو (النائب عودة) مجاراته لأن قضايا اليومية والقومية متشابكة ولا فكاك لبعضها من بعض، وتكفي الإشارة ونحن نقف عشية الذكرى الأربعين ليوم الأرض إلى المذكرة التي رفعتها اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية لرئيس حكومة إسرائيل، في حينه، إسحق رابين، والمؤرخة بـ 17.6.76 أي غداة يوم الأرض. تقول المذكرة إن 'جواب معاليكم الصريح بأن إسرائيل دولة يهودية هدفها وغايتها تحقيق الأماني الصهيونية مع المحافظة على وجود العرب متساوين في الحقوق في التربية والدين... نحن نخشى من تصريحكم بما يتعلق بكياننا كشعب عربي ( فلسطيني) في البلاد أن تقود هذه النظرة غير المتكاملة التي أوردتموها إلى معاملة العرب أبناء هذه البلاد وهذا الوطن كمعاملة رعايا وليس كمعاملة مواطنين متساوي الحقوق'.

كان هذا جواب أعلى هيئة تمثيلية لدينا قبل 40 سنة وهو جواب تعمد بدم شهداء يوم الأرض الذي لم يكد يجف وهو يصلح لليوم وللمستقبل. إن المدخل للمساواة هو الاعتراف بكياننا الوطني كشعب عربي فلسطيني في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا | {تعليق} بوتين يسقط أوهامًا/ رامي منصور

التعليقات