22/03/2016 - 14:29

القومي والمدني والتسديد في شباك الخصم/ سليمان أبو إرشيد

مقولة بورغ "خسرتموني" التي جاءت على خلفية بيان الجبهة والتجمع المتعلق بـ"حزب الله"، تذكرنا بمقولة "فتشوا عني" الشهيرة التي أطلقها في حينه زعيم حركة ميرتس والوزير السابق يوسي سريد، وإثنتاهما تشيان بأن دعم اليسار الصهيوني للقضايا الفلسطينية

القومي والمدني والتسديد في شباك الخصم/ سليمان أبو إرشيد

ذهب كما جاء، بغمضة عين بعد أن استنتج 'أن ما هو صحيح ومفهوم ضمنًا أحيانًا هو محصلة زاوية نظره كابن الأغلبية اليهودية التي تحظى بالحقوق، وأن الصورة من زاوية نظر ابن أو ابنة الأقلية العربية تبدو مختلفة تمامًا'، كما كتب في مقال نشرته صحيفة 'هآرتس' نهاية الأسبوع الماضي تحت عنوان 'لقد خسرتموني'، إنه أبراهام بورغ، رئيس الكنيست ورئيس الوكالة اليهودية السابق، الذي استبشرنا بالتحولات التي طرأت على مواقفه، ولو أنها جاءت متأخرة والتي أوصلته إلى الإعلان عشية انتخابات الكنيست الأخيرة عن دعمه للجبهة، علمًا أنه اختفى مع تشكيل القائمة المشتركة.

مقولة بورغ 'خسرتموني' التي جاءت على خلفية بيان الجبهة والتجمع المتعلق بـ'حزب الله'، تذكرنا بمقولة 'فتشوا عني' الشهيرة التي أطلقها في حينه زعيم حركة ميرتس والوزير السابق يوسي سريد، وإثنتاهما تشيان بأن دعم اليسار الصهيوني للقضايا الفلسطينية والعربية ليس فقط محدود الضمان، بل هو مشروط باستمرار جرنا إلى ما يطلقون عليه الشراكة التي تقدم فيها اليهودية على العربية لغة ومضمونًا، والمعنية بالنضال المدني داخل إسرائيل وتغليبه على الاعتبارات والارتباطات الوطنية الفسطينية والقومية العربية.

يريدون لنا أن ننسلخ عن قضيتنا الوطنية والقومية، وأن نغرق في قضايا الصرف الصحي ومطبات شوارع القرية التي تصبح حدودها هي حدودنا السياسية، عوضًا عن أن تكون من البحر إلى النهر أو من المحيط إلى الخليج. يريدون لنا أن نغرق في قضايا النضال المدني الإسرائيلي الذي يسوغونه لنا بتخريجات على غرار 'أن النضال المدني هو عصارة الوطنية لأن إخراج المواطنين العرب من حالة الضنك الاقتصادي -  الاجتماعي، وتوفير التعليم والتشغيل للشباب العرب يبقيهم هنا ويجعلهم لا يفتشون عن أماكن أفضل في العالم'( عودة بشارات، 'هآرتس' 21.3.16).  إنها هرطقات لا تنطلي على أصغر طفل فلسطيني ليس لكونها تخلط بين البعد المدني والبعد الوطني لنضالنا فقط، بل لأن حالة الضنك الاقتصادي التي تعيشها جماهيرنا سببها سياسة التمييز التي تمارس ضدنا على أساس قومي، وأن العرب الفلسطينيين في إسرائيل فقراء لأنهم عرب فلسطينيون، وأن الإفقار والتجهيل هي سياسة إسرائيلية يندرج في نطاقها أيضًا مصادرة الأرض وهدم البيوت وتهويد الحيز، وبهذا المعنى فإن رفع كاهل الفقر وفتح آفاق التشغيل والتعليم أمام شبابنا يتطلب معالجة أسبابه، التي تكمن في البنية الكولونيالية العنصرية للدولة والثابتة في تعريفها لنفسها كدولة يهودية، تسيطرعليها عقلية المستوطنين الذين يحتلون مقاعد حكومتها الحالية بشكل فعلي، وتجنح نحو مزيد من التطرف والغطرسة.

لقد اعتقد 'السلف الصالح' من قيادات الحزب الشيوعي الإسرائيلي بضرورة النضال المدني والطبقي، وليس أيمن عودة هو من 'اكتشف أميركا'، بل أن هذا النهج كان هو القاعدة وما سواه هو الاستثناء، ولم يحققوا شيئًا ولم يكسروا 'طوق الخناق الذي يحاصر مستقبل شبابنا'.

لقد أدركت جماهيرنا وقياداتها الرئيسية بعد نضال طويل وتفاعل بين مركباتها، أن  قضايانا المدنية والقومية تتفرع عن القضية الأم/ القضية الفلسطينية التي هي قضية عربية أيضًا، وهي غير خاضعة للمساومة والمقايضة التي يريدها لنا 'من يرون أنفسهم حاضنة سياسية لنهج أيمن عودة من عرب ويهود'، على غرار ناحوم برنايع الذي وصفه كمن 'حلت به كارثة' بعد صدور بيان الجبهة والتجمع، أوعودة بشارات الذي وصف 'عالمه ينهار'. وللحقيقة إننا لم نسمع من الرجل نفسه أي تعليق، بل أن تصريحاته الأخيرة السابقة على بيان الجبهة والتجمع كانت مفاجئة بجرأتها، حيث أعلن انه سيستقيل من الكنيست إذا ما تمت إقالة نواب التجمع/ وانسحب هو وسائر أعضاء المشتركة من الاجتماع مع الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، تضامنًا مع النائب جمال زحالقة، وفي الحالتين أثبت مقدرة قيادية، وأنه لا يلعب في ملعب من يريد تقسيم النواب العرب إلى متطرفين ومعتدلين.

أما بالنسبة لبيان الجبهة والتجمع فإنه، وإن كان الذين يتربعون في القصر السعودي وفي مقر الناتو لم يقضموا أصابعهم بانتظاره، بلسان عودة بشارات، فيكفي أنه أغاظ رئيس حكومة المستوطنين بنيامين نتنياهو، الذي يعتبر كل من يقاوم إسرائيل إرهابيًا. غضب نتنياهو الذي اتهم نواب الجبهة والتجمع بـ'السقوط على رؤوسهم' هو أكبر دليل على أنهم يعرفون شباك الخصم جيدًا، ويعرفون كيف يسددون الأهداف بداخلها، أما النجم الذي يتغزل به الكاتب المذكور والذي يتبنى مقولته حول الهدف الذاتي، فإن تصويباته غير محسوبة لأنه يقف في منطقة التسلل (أوف سايد).  

اقرأ/ي أيضًا | سحر القضية الفلسطينية/ هاني المصري

التعليقات