29/03/2016 - 12:13

يوم الأرض والصراع على البيت والوطن/ سليمان أبو إرشيد

هكذا هو يوم الأرض الذي يحمل في كل سنة قضايا الأرض المتفجرة هنا وهناك وفي مختلف بقاع فلسطين، الأرض بما تحمله من معان مادية وروحية وما تعنيه من صراع على البيت والوطن.

يوم الأرض والصراع على البيت والوطن/ سليمان أبو إرشيد

كتب من كتب لاحقًا في تقييم تجربة يوم الأرض، أن القيادة خافت مما صنعت أيديها فتراجعت، وهو تقييم جاء بعد سنوات طويلة تحول خلالها يوم الأرض، أو 'إحياء ذكرى يوم الأرض' إلى محور خلاف كما هو محور نضال، خلاف حول البعد الوطني أو حجم هذا البعد في قضية الأرض والصراع حولها بين من رأى وما زال أن المصادرة والتهويد، التي تمثلت في حينه بمخطط تهويد الجليل، هي استمرار أو ترجمة عملية لاحتلال 1948 ، انطلاقا من كون الصهيونية كحركة كولونيالية ترى أن احتلالها للأرض لا يكتمل إلا بتثبيت ركائز استيطانية، تضمن لها السيطرة العددية الكاملة أو شبه الكاملة عليها، بعد اقتلاع سكانها أو حشرهم في ما يشبه الغيتوات المعزولة بعضها عن الآخر.

وبهذا المعنى، فإن الدوائر الصهيونية ذات الصلة رأت أن منطقة الجليل تحديدًا، والتي كان يفترض أن تقع وفق قرار التقسيم في المنطقة التي تخضع للدولة الفلسطينية، هذه المنطقة ما زالت تتمتع بأغلبية عربية فلسطينية كبيرة (في حينه 70 في المئة ) تمثل تهديدًا بانسلاخها عن إسرائيل عبر المطالبة بحكم ذاتي أو ضمها للدولة الفلسطينية في أي حل مستقبلي، وأن الضمانة الوحيدة للحؤول دون ذلك هو تكثيف الاستيطان الصهيوني فيها وتقطيع أوصال التتابع السكاني، عبر زرع المستوطنات في قلب التجمعات العربية لغرض تفكيك تواصلها الجغرافي. 

هذه النظرة التي ميزت الحركة الوطنية ومفرداتها، التي كانت قائمة في حينه واليوم، تشتق من فهمها لطبيعة الحركة الصهيونية والصراع معها، إذ رأت في قضية الأرض جزء من الصراع الوطني بل محوره الأساس وليس مجرد قضية من قضايا التمييز التي تعاني منها الأقلية العربية في إسرائيل.

وها هي الحركة الصهيونية التي احتلت الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948 واكملت احتلالها لكامل فلسطين التاريخية عام 1967، ما زالت بعد 68 عامًا على الاحتلال الأول و50 عامًا على الاحتلال الثاني، تعمل جاهدة على ترسيخ وجودها الاستيطاني في الجليل والمثلث والنقب والضفة الغربية والساحل، سعيا منها لفرض حقائق جديدة على الأرض بغية تغيير جغرافية هذه المناطق وواقعها الديمغرافي.

مخطط 'تهويد الجليل' الذي نفذته إسرائيل في السبعينيات يتم تنفيذه اليوم بأبشع صوره في النقب، حيث يجري استكمال الاستيلاء على أكثر من مليون دونم من الأراضي العربية هناك، واقتلاع ما تبقى من قرى وتجمعات بدوية منتشرة على جزء من هذه الأرض وحشر سكانها في التجمعات البشرية التي أعدت لهذا الغرض، مقابل إقامة مستوطنات و'مزارع فردية' تقدر مساحة كل منها بمئات وآلاف الدونمات بهدف احتلال الأرض ووضع اليد عليها.

هو بن غوريون ذاته الذي قال لدى قيامه بجولة بمنطقة الجليل في الستينيات 'أشعر أنني في دولة عربية'، هو ذاته الذي آثر أن يمضي بقية حياته في النقب ويدفن فيه تشجيعًا للاستيطان في هذه المنطقة، ولا يختلف في هذا السياق استيطان الضفة عن استيطان الجليل واستيطان النقب، إنها نفس الفكرة ونفس الأيديولوجيا، بل هي نفس الأذرع التنفيذية الصهيونية، وهناك في الضفة يجري اليوم تقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية وتحويل مدنها إلى 'بنتستونات' والسيطرة على 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية هي المسماة بالمنطقة 'ج' وفق تصنيفات اتفاقيات أوسلو.

شعبنا هنا وهناك يعاني من السياسة نفسها والأرض محور صراع بين إسرائيل وبين كافة تجمعاته، لذلك تعمم يوم الأرض الذي انطلق في مناطق 48 إلى مختلف المواقع الفلسطينية ليصبح يومًا وطنيًا بامتياز، وهنا كمنت نقطة الخلاف الثانية بين الرؤيا التقليدية ورؤيا الحركة الوطنية ليوم الأرض، حيث رأت الأخيرة فيه ليس مجرد إحياء ذكرى بل هو يوم وطني يتجدد كل عام، لأن القضية التي يحملها ما زالت قائمة وتزداد تحدياتها سنة بعد أخرى، وقد آثرت الحركة الوطنية بمفرداتها المختلفة استعمال مصطلح 'يوم الأرض الأول'  و'يوم الأر ض الثاني' وحتى 'يوم الأرض الـ40' على مصطلح 'ذكرى يوم الأرض' لأنها رأت فيه أسوة بـ 'يوم العمال' و'يوم المرأة' وغيرهما من الأيام الكفاحية، التي وإن تكرست بفعل حدث كبير إلا أنها تحولت إلى مناسبات سنوية وأيام نضالية قائمة بذاتها وبالقضية التي تحملها وليس بالحدث التاريخي الذي انتسبت إليه، فغالبية المحتفلين بالأول من أيار لا يعرفون أنه يرتبط بمظاهرة عمال شيكاغو عام 1886، التي قتل فيها بعض العمال وأعدم آخرون، ولا تتصدر ذكراهم عناوين الأول من أيار بل تتصدرها قضايا العمال التي ما زالت قائمة ومتفاقمة في مختلف دول العالم.

هكذا هو يوم الأرض الذي يحمل في كل سنة قضايا الأرض المتفجرة هنا وهناك وفي مختلف بقاع فلسطين، الأرض بما تحمله من معان مادية وروحية وما تعنيه من صراع على البيت والوطن.

اقرأ/ي أيضًا | أربعينيّة يوم الأرض | ملف خاص
اقرأ/ي أيضًا | بقية شعب بلا أرض/ رامي منصور

 

التعليقات