03/04/2016 - 19:35

تركيا والاتحاد الأوروبي: عودة التعاون من بوابة مكافحة الهجرة

يتعهّد الاتحاد الأوروبي بتسريع تسديد المساعدة المالية بقيمة 3 مليارات يورو، التي سبق أن وعد تركيا بها، من أجل تحسين ظروف معيشة اللاجئين الذين تستضيفهم. ويقدم الاتحاد الأوروبي تمويلًا إضافيًا قدره 3 مليارات يورو بحلول نهاية عام 2018، إذ

تركيا والاتحاد الأوروبي: عودة التعاون من بوابة مكافحة الهجرة

يبدأ الإثنين، 4 نيسان/ أبريل 2016، تنفيذ الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في 18 آذار/ مارس الماضي، والذي نصّ على 'آليةٍ' مشتركةٍ للحدّ من تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر تركيا التي يوجد على أراضيها أكثر من 2.2 مليون لاجئ سوري، ونحو 200 ألف لاجئ عراقي، فضلًا عن عشرات الآلاف من المهاجرين 'غير الشرعيين' القادمين من إيران وأفغانستان وأفريقيا وغيرها.

بنود الاتفاق ومضامينه

تمّ توقيع الاتفاق الأوروبي – التركي بشأن اللاجئين في بروكسل بين رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، بعد أن وافق عليه جميع زعماء دول الاتحاد الأوروبي. وينص البرنامج المتضمَّن في الاتفاق، والذي يستهدف إعادة توطين 72 ألف لاجئ سوري في الدول الأوروبية، على تسعة بنودٍ أهمها:

إعادة جميع المهاجرين 'غير الشرعيين' الذين يصلون من تركيا إلى اليونان اعتبارًا من 20 آذار/ مارس 2016 إلى تركيا. ويستند هذا الإجراء إلى مبدأ 'الدولة الثالثة الآمنة'. وبعد إقرار اليونان بهذا الوضع بوصف تركيا 'دولة ثالثة آمنة'، فإنّ الاتحاد الأوروبي سيعتبر طرد اليونان للمهاجرين القادمين إليها من تركيا قانونيًا. وستتخذ 'تركيا واليونان بمساعدة المفوضية العليا للاجئين ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ووكالاته المتخصصة، التدابير الضرورية للقيام بوقف تدفق اللاجئين بما في ذلك وجود عناصر أمن أتراك في الجزر اليونانية، وعناصر أمن يونانيين في تركيا، ويتكفّل الاتحاد الأوروبي بتسديد نفقات إعادة المهاجرين 'غير الشرعيين'.

'مقابل كل سوريٍ يُعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا، يُستقبلُ سوريٌ آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي'. وتعطى الأولوية للمهاجرين الذين لم يحاولوا الوصول بصورة غير شرعية إلى الاتحاد الأوروبي. وحدد الاتفاق سقفًا يصل إلى 72 ألف لاجئ يمكن قبولهم، وفي حال 'تخطي' عدد المبعدين هذا الرقم، يوقف العمل بالبرنامج.

وفي مقابل ذلك، قدّم الاتحاد الأوروبي جملة حوافزٍ لتركيا للمساعدة على الحدّ من تدفق اللاجئين، أهمها:

'تسريع خريطة الطريق' للسماح بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي في مهلة أقصاها نهاية حزيران/ يونيو 2016، بشرط قبول تركيا لجميع المعايير الناظمة لعملية تحرير التأشيرة، والتي يبلغ عددها 72 معيارًا، وتنضوي تحت خمسة موضوعات هي: أمن الوثائق، إدارة الهجرة، النظام العام والأمن، والحقوق الأساسية، وإعادة قبول المهاجرين غير الشرعيين؛ ما يعني أنّ هذا الأمر يبقى هدفًا معلنًا طموحًا، وليس اتفاقًا مبرمًا.

 يتعهّد الاتحاد الأوروبي 'بتسريع' تسديد المساعدة المالية بقيمة 3 مليارات يورو، التي سبق أن وعد تركيا بها، من أجل تحسين ظروف معيشة اللاجئين الذين تستضيفهم. ويقدم الاتحاد الأوروبي تمويلًا إضافيًا قدره 3 مليارات يورو بحلول نهاية عام 2018، إذا احترمت تركيا التزامات معينة بشأن إنفاقها.

'فتح الفصل الـ 33 (الخاص بالمسائل المالية والاتحاد الجمركي) لتسريع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي'، وجاء في النص: 'سيتواصل العمل التحضيري لفتح فصول جديدة بوتيرة سريعة من دون إلحاق الضرر بمواقف دول أعضاء'، وذلك في إشارةٍ على ما يبدو إلى معارضة قبرص لهذا الإجراء.

يُعد الاتفاق خطوةً مهمةً للتعامل مع مشكلة اللاجئين باعتبارها أولوية راهنة بالنسبة إلى الطرفين، ويفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية – الأوروبية التي واجهت صعوبات خلال السنوات الماضية. ويُلاحظ نزوع الطرفين لإعادة الاعتبار للتعاون الثنائي من بوابة مكافحة الهجرة غير الشرعيّة، وتجاوز القضايا الخلافية التي تحول دون ذلك.

لقد أدركت أنقرة أنّ إقامة منطقة عازلة على حدودها الجنوبية مع سوريّة تسمح باستيعاب جزءٍ من اللاجئين على الأرض السورية أضحى صعب المنال بعد التدخل العسكري الروسي في سورية والتوافق الروسي - الأميركي على وقف العمليات القتالية وإطلاق المسار السياسي. وفي ضوء تنامي التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية الناجمة عن استمرار تدفق اللاجئين السوريين اليها من دون أفق منظور للحلّ، وافقت تركيا على التعاون مع الاتحاد الأوروبي مقابل حزمة حوافزٍ سياسية واقتصادية. وفي المقابل، يتعرّض الاتحاد الأوربي بسبب التدفق غير المسبوق للاجئين، والذي تضاعف بسبب كثافة القصف الروسي لمناطق المعارضة، لضغوطٍ شديدةٍ كادت تؤدي إلى تفككه في ضوء حرص بعض الحكومات الأوروبية على التعاطي مع المشكلة من زاوية مصالحها الوطنية الخاصة فحسب. وبناءً عليه، اتجه الأوروبيون إلى تقديم حوافز اقتصادية وسياسية إلى تركيا لدفعها نحو التعاون في الحدّ من موجات الهجرة غير الشرعية بدلًا من غض الطرف عنها أو تشجيعها في ضوء لامبالاةٍ أوروبية تجاه تحمّل تركيا العبء الأكبر من استضافة اللاجئين السوريين كأنّ المشكلة تعنيها وحدها.

دوافع أنقرة: إعادة الاعتبار لـسياسة التوجهات المتعددة

ثمة عوامل أخرى ساهمت في التوصّل إلى الاتفاق التركي – الأوروبي؛ فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، اتبعت أنقرة سياسة خارجية متعددة الأبعاد والتوجهات قامت على مبدأ 'صفر مشاكل' تجاه الجيران، والانفتاح على أكبر عددٍ ممكنٍ من الفضاءات الإقليمية والدولية لتعزيز عوائدها الاقتصادية وخدمة مصالحها القومية. لكنّ عقباتٍ عدة واجهت هذه السياسة، خاصة بعد اندلاع الثورات العربية؛ إذ بدت تركيا أكبر الخاسرين من الأزمة السوريّة خاصة بعد تنامي دور الأكراد على حدودها الجنوبية، وميل الولايات المتحدة إلى دعمهم عسكريًا ولوجستيًا خدمة لهدفها الرئيس المتمثل بالقضاء على تنظيم الدولة 'داعش'، بالإضافة إلى المسعى الروسي لعزل تركيا بشكل كامل عن سوريّة، بوابتها إلى العالم العربي، والذي يعدّ وجهة رئيسة للصادرات التركية التي تصل إلى 25% من حجم صادراتها الخارجية.

لذلك، ترى تركيا الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول التصدي لأزمة الهجرة غير الشرعية بمنزلة إعادة الاعتبار لسياسة التوجهات المتعددة من جهة، وإعادة تفعيل مفاوضات الانضمام إليه من جهة أخرى، في ضوء تعثّر سياساتها في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز. وقد مثّل إعفاء المواطنين الأتراك من الحصول على التأشيرة لدخول دول الاتحاد الأوروبي مطلبًا رئيسًا للحكومة التركية منذ انطلاق المفاوضات بشأن أزمة الهجرة مع الاتحاد خلال القمة المشتركة التي انعقدت في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، إذ ينطوي هذا البند على فوائد اقتصادية كبيرة لأنقرة نظرًا لوجود نحو خمسة ملايين عامل تركي في أوروبا، وتجاوز التداعيات الاقتصادية السلبية لتوتر العلاقات مع موسكو. كما يشكل هذا التقارب مع أوروبا ردًا على انتقادات أحزاب المعارضة العلمانية والقومية التي تتهم حكومة حزب العدالة والتنمية بإهمال العلاقة مع أوروبا، وتبني سياسة خارجية قائمة على توجهات 'أيديولوجية'. من جهة أخرى، تسعى أنقرة من خلال الاتفاق إلى تأكيد وجودها كقوة أساسية لا يمكن الاستغناء عن دورها في حل مختلف أزمات الإقليم بما فيها أزمة الهجرة غير الشرعية.

دوافع أوروبا: اعتمادية متبادلة في القضايا الأمنية

تتداخل أبعاد عدة في العلاقات التركية - الأوروبية، إذ تعد أنقرة اليوم أحد الشركاء الأساسيين في القضايا الأمنية الأوروبية، ولا يمكن الحديث عن 'الأمن الأوروبي' من دون التطرق للدور والتأثير التركي، فضلًا عن أنّ تركيا عضوٌ فاعلٌ في حلف شمال الأطلسي 'الناتو' وتملك ثاني أكبر جيوشه بعد الولايات المتحدة. لذلك، تدعو دول أوروبية عدة إلى الاعتماد على تركيا في مسألة ضبط الحدود والتعاون في مواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية لا سيما أنّ تركيا تعدّ إحدى أهم الدول المصدرة للمهاجرين الى أوروبا عبر اليونان. كما يتعاظم اقتناعٌ لدى كثيرٍ من الدول الأوروبية بأهمية الدور التركي في مواجهة التهديدات الأمنية الجسيمة التي تواجه الاتحاد وفي مقدمتها تهديد تنظيم الدولة، والسلوك الروسي في سورية وشبه جزيرة القرم، ومن ثمّ، فإن معالجة أبعاد المعضلة الأمنية في الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى التعاون مع أنقرة في ظل مستويات الإنفاق المنخفضة نسبيًا على الأمن والدفاع في دول الاتحاد الاوربي فضلًا عن تراجع نموها الاقتصادي. ولا تقل أهمية تركيا اقتصاديًا بالنسبة إلى الاتحاد الأوربي عن أهميتها أمنيًا وعسكريًا في منظومة الأمن الأوربي؛ فهي الشريك التجاري الخامس للاتحاد الأوروبي حسب بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، فقد بلغ حجم الصادرات الأوروبية إلى تركيا خلال فترة كانون الثاني/ يناير إلى آب/ أغسطس 2015 نحو 53.5 مليار يورو، وبلغ حجم الواردات الأوروبية من تركيا خلال الفترة نفسها 40 مليار يورو.

مآلات الاتفاق

قد يساهم الاتفاق الأوروبي - التركي في إيجاد مقارباتٍ لحلّ أزمة الهجرة 'غير الشرعية' التي تحولت إلى أزمةٍ سياسية داخلية في أكثر من دولة أوروبية، كما أنه قد يحقق منافع سياسية واقتصادية بالنسبة إلى تركيا الهادفة إلى إعادة تفعيل طلب انضمامها إلى أوروبا.

ولكن انعكاسات الاتفاق السلبية على اللاجئين ستكون كبيرة. ولذلك، تعرّض الاتفاق لانتقادات كبيرة من الحقوقيين والناشطين في مجال الهجرة واللجوء ومنظمات حقوق الإنسان. ولا تزال قضايا إشكاليّة عديدة موضع نقاش بالنسبة للرأي العام الأوروبي بسبب تعارض الاتفاق مع منظومة القوانين الناظمة لمسألة الهجرة وحق اللجوء في دول الاتحاد والمعايير والقيم التي تتبناها بروكسل في مجال حقوق الإنسان.

إنّ هذا التضييق على وصول اللاجئين إلى مناطق آمنة قد يدفع كثيرين منهم للبحث عن طرقٍ أخرى للوصول إلى أوروبا (مثل شمال أفريقيا) في قوارب اصطلح على تسميتها 'قوارب الموت'. إنّ معظم مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا تتركز في مناطق فقيرة تعاني مشاكل اقتصادية وأمنية وتعليمية؛ مما يحول دون اندماجهم في تركيا ويحرمهم من مستقبل أفضل مقارنةً بمزايا اللجوء في أوروبا، فضلًا عن أنّ أعدادهم كبيرة أصلًا في تركيا. ومن هنا، فإنّ البرنامج المتفق عليه بين تركيا والاتحاد الأوروبي لا يحل مشكلة اللاجئين إلا بشكل جزئي؛ إذ إنه معنيٌ باستقبال حدٍ أقصى يبلغ 72 ألف لاجئ فقط، في حين أنّ أزمة اللجوء السوري وحدها تطال خمسة ملايين لاجئ في دول الجوار السوري. وفي مقابل مساعدات بقيمة 6 مليارات يورو، ووعود قد لا تتحقق لتركيا بتحرير التأشيرة، تكون أوروبا قد أحكمت إغلاق الباب في وجه مئات الآلاف من اللاجئين ووفّرت عشرات المليارات من تكلفة استيعابهم وإدماجهم، وبرّأت نفسها من أي مسؤولية تجاه معاناتهم وضياع مستقبل أبنائهم.

التعليقات