07/04/2016 - 08:55

جوليو ريجيني وعمر النايف

قُتل مناضلٌ فلسطيني يقيم في بلغاريا منذ عشرين عاماً، في مبنى سفارة وطنه في صوفيا، قبل نحو أربعين يوماً، وكان قد لجأ إلى السفارة في ديسمبر/كانون ثاني الماضي، بعد أن طلبت إسرائيل من الحكومة البلغارية أن تسلّمه لها. جاءت الأخبار على الواقعة،

جوليو ريجيني وعمر النايف

يُغْبَط الطليان، حكومةً وبرلماناً وصحافةً ومجتمعاً أهلياً، على دأبهم شديد الإلحاح، من أجل 'معرفة الحقيقة' في قضية مقتل مواطنهم، جوليو ريجيني، في القاهرة، بعد تعذيبٍ شنيعٍ تعرّض إليه، قبل أكثر من شهرين. بات الحكم في مصر موضع اشتباهٍ، بل واتهامٍ ربما، وتحت ضغطٍ إعلامي وسياسي، إيطالي (وأوروبي وأميركي)، من أجل أن يكون 'صادقاً' بشأن جريمة تغييب هذا الشاب الذي كان يقيم في القاهرة طالباً جامعياً وباحثاً، وكان قد تم استنطاقه في مركزٍ أمني، بسبب آرائه الناقدة ممارساتٍ للسلطة الحاكمة في مصر. والمرجّح أن تتدحْرج الأزمة الماثلة بين روما والقاهرة إلى فصولٍ مثيرة، ربما يصير من عناوينها تقديم رؤوسٍ في جهاز الشرطة المصرية (وغيره؟) إلى محاكماتٍ من غير الصنف المعهود في مداولات القضاء المصري إيّاه. نُتابع، نحن المواطنين العالمثالثيين، ضجيجَ الرأي العام الإيطالي بشأن ريجيني، فيغشانا غيظٌ غزيرٌ، يعادل دهشة رفاعة الطهطاوي لمّا زار الغرب، قبل أزيد من مائة عام.

قُتل مناضلٌ فلسطيني يقيم في بلغاريا منذ عشرين عاماً، في مبنى سفارة وطنه في صوفيا، قبل نحو أربعين يوماً، وكان قد لجأ إلى السفارة في ديسمبر/كانون ثاني الماضي، بعد أن طلبت إسرائيل من الحكومة البلغارية أن تسلّمه لها. جاءت الأخبار على الواقعة، وأخذت مطرحها في حينها في الجرائد وعلى الشاشات، ثم نظم ناشطون في غزة ورام الله وقفتين محدودتين، طالبتا بكشف 'الحقيقة'، وحمّل ناقمون مسؤولية الجريمة على السفير وطاقمه هناك. ثم بردت القصّة وراحت إلى الأرشيف المهمَل إيّاه. ولولا همّة نشطاء في الجالية الفلسطينية في بلغاريا رفعوا الصوت من أجل 'معرفة الحقيقة' في حادثة اغتيال النايف التي تبدو أصابع الموساد فيها ظاهرةً، بتنفيذ يدٍ فلسطينية، ومع تواطؤٍ بلغاري غير مستبعد، لولا همّتهم لما تناثرت أخبارٌ موجزة في مواضع محدودة عن قضيةٍ ما زالت مفتوحة، بل عن جريمةٍ من الشّائن على كل فلسطيني، في أيّ مطرح، أن لا يلحّ على وجوب تبيّن كل خيوطها. وهذه جثة الشهيد النايف مبطوحةٌ في مستشفى بلغاري، ولم تدفن بعد، بانتظار صدور التقرير الجنائي البلغاري الذي يتردّد، والله أعلم، أنه قد يبتدع 'حقيقةً' منقوصةً، أو محمولةً على وجهةٍ مطلوبةٍ دون غيرها.

هناك، أي في إيطاليا، غضب شاسع. وهناك، أي في فلسطين، تسليمٌ، شاسع أيضاً، بأنه لا لزوم لوجع الراس. فداحة جريمة قتل ريجيني أن الاشتباه يحوم حول جهاز أمني مصري، وفداحة جريمة قتل عمر النايف أنها ارتُكبت في سفارة. هناك إلحاحٌ وطنيٌّ يجتمع عليه عموم الطليان، من أجل القصاص من القاتل. أما الفلسطينيون، فلم يُسمع لأي مسؤول رفيع بين ظهرانيهم أيُّ تعقيبٍ أو توضيح. لم ير أحدٌ من هؤلاء وجوباً لأن يُدلي بشيءٍ في أي دلاء. وإذا كانت لجنةُ تحقيق فلسطينية تم إيفادها إلى صوفيا قد دردشت مع من دردشت معهم هناك، فإن أحداً لم يقرأ عن 'خيوط' حقيقةٍ ما توصلت إليها، ولأن عواراً مكشوفاً شاب أداءَها حلّت نفسَها، بعد انسحاب اثنين من أعضائها الأربعة. وإذ يروّج السفير الفلسطيني في صوفيا، أحمد المذبوح، (طبيب مسالك بولية)، بين السفراء العرب أن الشهيد المغدور قضى منتحراً (رفض سفير الجزائر زعمَه)، فذلك يعني أنّ شِرش الحياء في المؤسسة الفلسطينية الرسمية قد طقّ، إلا إذا عوينت مهنيةٌ ومسؤوليةٌ عاليتان في أداءِ لجنة تحقيقٍ فلسطينيةٍ جديدةٍ، وصلت إلى صوفيا، أول من أمس، وتبدّى أن ثمّة قراراً فلسطينياً رسمياً، جدّياً وملحوظاً، باتجاه الوصول إلى 'حقيقة' قتل مناضلٍ فلسطيني، تمكّن من الفرار من سجنه الإسرائيلي، بعد عمليةٍ فدائية في القدس، قبل نحو ثلاثين عاماً. لم يطوِ الاحتلال مسألته 'الجنائية'، بحسب المعايير الإسرائيلية المعلومة، والمشتهى أن لا يطوي الفلسطينيون، حكومةً وبرلماناً وصحافةً ورأياً عاماً ومجتمعاً مدنياً، جريمة قتله في ضيافة السفير أحمد المذبوح، أقلّه من أجل أن لا يشيع شعورٌ بين الفلسطينيين والعرب، عامّتهم طبعاً، أن جريرة عمر النايف أنه ليس طليانياً، كما جوليو ريجيني. 

(العربي الجديد)

اقرأ/ي أيضًا | عائلة عمر النايف لم تتلق أي معلومات عن التحقيق

التعليقات