10/04/2016 - 10:41

أسئلة غائبة عن أوراق مؤتمر التجمع

​مجموعة أوراق قُدّمت للجنة التحضيرية لمؤتمر التجمع الوطني الديمقراطي السابع، الذي يُعقد مطلع حزيران من العام الجاري، نوقشت بها جملة من القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، غابَت عنها أسئلة هامّة.

أسئلة غائبة عن أوراق مؤتمر التجمع

مجموعة أوراق قُدّمت للجنة التحضيرية لمؤتمر التجمع الوطني الديمقراطي السابع، الذي يُعقد مطلع حزيران من العام الجاري، نوقشت بها جملة من القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، غابَت عنها أسئلة هامّة، أبرزها أمور استجدت على السّاحة السياسيّة في السنوات الأخيرة، حيث اتجّهت غالبيّة الأوراق، نحو أسئلة قديمة، ولم تعطِ سؤال 'ما الجديد بين مؤتمرين؟' حقّه.  

ومن الأسئلة التي استجدّت بعد مؤتمر 2011 ولم تطرح للنقاش في مؤتمر 2016:

1- هل تغيّرت اسرائيل وأصبحت تضيقُ ذرعًا بالتجمع وخطابه؟

هل اختلّت المعادلة التي صاغها التجمّع؟ هل ضاقت الجماهير العربيّة بخطاب التجمّع؟ هل تريد الجماهير خطابًا مهادنًا؟ هل تريد خطابًا 'أكثر عقلانيّة'؟ وماذا فعل التجمع حتّى يكون خطابه مهيمنًا وليس بعيدًا عن الجمهور؟ هل تأثّرت الجماهير سلبًا بتحريض المؤسسة الإسرائيلية على الحزب؟ هل تغيّرت إسرائيل وضاقت ذرعًا بخطاب التجمع؟ هل حقًا تغيّرت إسرائيل بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبحت تسلب هامش حريّة التعبير والتمثيل البرلماني، بشكل لا يُمكن الحزب من طرح خطابه كما طرحه في السابق، خاصّة في ظل قانون الإبعاد للنوّاب العرب الذي مرّ مؤخرًا بالقراءة الأولى؟

كل هذه تساؤلات يجدر أن يسألها الحزب في مؤتمره، خاصّة ما يتعلّق بسياسة نتنياهو في السنة الأخيرة، والظروف المحيطة بها: أولًا، مساعيه لتحويل/إعادة إسرائيل نحو نظام التيّار الواحد. ثانيًا، 'اكتشافه' فاعليّة التحريض على العرب في الداخل لجني الأصوات. ثالثًا، الحاجة لبُعبُع جديد بعد الاتفاق الدولي مع إيران. رابعًا، استسهال وصف حركات بالإرهاب وإخراجها عن القانون في ظل الانهماك العالمي بالموضوع.

سيناريوهات عديدة قد تنتُج عن الوضع الجديد، مثلًا أن يقيّم الحزب أن هامش الحريّة البرلمانيّة تقلّص بشكل كبير جدًا وأنّه لن يخفض سقف خطابه. هذا السيناريو يتطلّب أن يهيّئ الحزب نفسه للمواجهة. إنّ توقّع هذا السيناريو يطرح تساؤلات عن طريقة تعامل الحزب، هل يُقرر، مثلًا، بقلب وإرادة كاملة أن لا مشكلة لديه مع الإبعاد والشّطب. سيناريو آخر، هو أن يقوم الحزب بحملة وخطوات إعلامية كبيرة طويلة الأمد، لتغيير صورته وتعزيز شرعيّته. وهنا سوف تُطرح أسئلة حول الحاجة للقيام بخطوات من أجل استعادة القدرة على التواصل مع المؤسسات، بما يخص القضايا المعيشية واليومية. بغض النظر، أي السيناريوهات يتوقّع ويتبنّى الحزب، عليه أن يسعى للسيطرة على مجريات الأمور، وألا يُقاد لمكان لم يختره بإرادته، وأن يختار، بشكل واعي، السيناريو الأنسب من خلال تحضير كامل له.

2- سؤال المأسسة

كثيرة هي الأسباب التي تفرض أن يُجدد الحزب بما يتعلّق بمأسسة المجتمع العربي في البلاد. لكن هل يمكن للحزب أن يتحدّث عن بناء مؤسسات المجتمع العربي في البلاد، في حين لا يقوم بمأسسة نفسه؟ في حين تتراجع بعض مؤسساته؟ كيف يمكن أن يجدد التجمّع في مؤسسات المجتمع العربي القوميّة، مثل لجنة المتابعة، في حين لا يقوم بالتجديد في تفكيره التنظيمي. هل يعقل ان يبقى الحزب على نفس طريقة التنظيم التي ناسبت سنوات الستينات والسبعينات؟

ليسَ المطلوب هنا هدم البُنية الحالية للحزب، بل إنعاشها وملائمتها للعصر. لقد شُيّدت بنية الأحزاب في ظروف مختلفة تمامًا في أواخر القرن التاسع عشر، فعلى سبيل المثال كانت المهمة الأولى التي وضعها لينين هي إنشاء جريدة قومية وسلسلة من النشطاء الخاصين بها يعملون على تهريبها عبر الحدود وتوزيعها في المدن والمصانع، من أجل إيصال المعلومة وتوحيد الاشتراكيين، في حين تكمُن مشكلة عصرنا في فائض المعلومات وليس قلّتها او صعوبة مناليتها.

يزداد سؤال المأسسة إلحاحًا بعد إخراج الحركة الاسلاميّة عن القانون، وإثبات قدرتها، مؤقتة كانت أم ثابتة، على الاستمرار، بفضل المؤسسات التي قامت ببنائها.

3- أسئلة الحراك الشبابي وشبكات التواصل الاجتماعي

انطلق الحراك الشبابي المناهض لمخطط 'برافر' في عام 2013، ووضع نصب عينه إسقاط المخطط الخطير لسلب ما تبقى من الأراضي في النقب. وبعد ثلاثة أيّام غضب أغلقت فيها الشوارع، وأحدثت صخبًا عاليًا، رافقها مساندة شعبية ومرافعة قانونيّة وبرلمانية، تم تجميد المخطط. يجب أن يسأل الحزب، الذي كان شبابه من المبادرين للحراك الشبابي، لماذا نجح الحراك الشبابي الشعبي في إسقاط المخطط؟ ولماذا تراجع دوره مؤخرًا؟ ما هي مسببات الاستمرار من عدمه؟ وكيف يمكن إعادة تفعيله في القضايا المصيريّة؟

ومما جدّ في السنوات الأخيرة، هو النقلة النوعيّة الكبيرة التي حدثت في التواصل وتشبيك الحراك بين الشباب الفلسطيني في الضفّة وغزة والداخل، فقد تأسست عدّة تحرّكات شبابية جمعت بين شباب من الضفة والداخل والقدس وغزة، منها: الحراك ضد برافر، الحراك من أجل دعم اضرابات الأسرى، التحرّكات ضد التطبيع، ومجموعة 'متحرّكين من أجل فلسطين'، بالإضافة لعشرات النشاطات التي نُظّمت بالشراكة بين منظمات من الداخل والضفة والقدس.

هذا النوع من التواصل، ليس فقط أنّه يولّد نوع جديد من أشكال التواصل والنضال، محاولًا استنهاض الطاقات الكامنة بتحرّك الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، وليس فقط أنّه يؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني، بل يؤدّي إلى تأثّر متبادل في الخطاب والمعرفة السياسية، ويؤدّي إلى وعي سياسي عابر لحدود الخط الأخضر، وقد يشكّل تحدّي إيجابي لخطاب المواطنة يتطلّب ملائمة مستمرّة له.

ومما جدّ في السنوات الأخيرة، هو تأثير وسائل الاتصال الاجتماعي على السلوك السياسي، حيث أصبح من الواضح أانّه لا يمكن التعامل معها على أنها ساحة افتراضيّة فقط، وأي تعامُل معها على أنها مفصولة عن الواقع، هو بحد ذاته انفصال عن الواقع. ويجدر أن يقوم الحزب بالاطلاع على التطوّرات الحاصلة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي ومواكبة الدراسات حول الموضوع.

4- ما هو دور الحزب في الحركة العالميّة لمقاطعة إسرائيل (BDS)؟

تطوّرت حركة المقاطعة العالميّة لإسرائيل (BDS) وأصبحت من أكثر أنواع مناهضة إسرائيل فعاليّة في العالم. وبات الانزعاج الإسرائيلي واضحًا للعيان، حيث يكاد لا ينتهي أسبوع واحد بدون تقرير صحفي عنها، وبدون تصريحات لسياسيين إسرائيليين عن خطورتها. وباتت الحركة تحتل اهتمام الساحة السياسية الإسرائيليّة، فتُعقَد مؤتمرات لبحث سُبُل محاربتها، ويُعلن عن لجان برلمانية وشعبيّة، وحتّى إقامة مساقات تعليميّة خاصّة للتصدّي لها.

بالتّالي، فعلى التجمع تقييم أسباب نجاح حركة (BDS)، والأهم هو أن يقوم الحزب بالتنظير لدوره، بشكل خاص، في تعزيز حركة المقاطعة، ودور فلسطينيي 48 بشكل عام. قد تكون للفلسطينيين في الداخل إضافة نوعيّة، إذا ما أخذنا بالحسبان تميّزهم، النابع من تواجدهم داخل إسرائيل وإجادتهم للغة العبريّة، ما قد يساهم في اتخاذهم خطوات جدّيّة لمساندة حملة المقاطعة، مثل المقاطعة الداخلية المنظّمة لبعض المنتجات، مواكبات الأحداث ورصد الممارسات العنصريّة في أماكن العمل والجامعات والمؤسسات الرسميّة، وتحويلها لمواد خام لحملة المقاطعة.  

ليست الكتابة عن أسئلة غائبة مَهمّة صعبة، حيث لا يمكن للنَصّ، إلا أن يحضره الكثير، وأن يغيب عنه أكثر، إلا أن ما يحضر أو يغيب عنه، له دلالة. وإذا كان ما غاب عن أوراق المؤتمر هو تحليل لتطوّرات السنوات الأخيرة، فإنّ دلالته هي انشغال قيادة الحزب في معالجة الخلافات الداخليّة بدل مواكبة التطوّرات ومعالجتها.

ليس ما سلف مجرّد جلد للحزب، الذي كان له وقفات هامّة في سنوات ما بين المؤتمرين، حيث كان له الدور الأكبر في أهم إنجازين للفلسطينيين في الداخل في السنوات الأخيرة: تشكيل القائمة المُشتركة ودعم التحركات الشبابية والشعبيّة التي اسقطت مخطط 'برافر'، ما يدُل على قدرات الحزب الكامنة في تجديد نفسه وفي إحداث تغيير كبير على واقع الناس، إذا ما وجّهت الطاقات في الأماكن الصحيحة.

اقرأ/ي أيضًا | الآن الآن.. وليس غدا../ د. باسل غطاس

التعليقات