23/04/2016 - 14:18

رسائل إسرائيلية من الجولان إلى فلسطين

استمرار الانقسام الفلسطيني وغياب إستراتيجية نضال فلسطينية جامعة تناسب التحولات في المنطقة، واستمرار الحروب الأهلية والانقسام العربي، قد تسهل على إسرائيل اتخاذ قرار شبيهٍ يتعلق باحتلال الضفة الغربية إلى الأبد

رسائل إسرائيلية من الجولان إلى فلسطين

لم تكن إسرائيل بحاجة إلى إعلان رسمي أن احتلالها الجولان السوري هو إلى الأبد، لكي توضح أنها لا تنوي إرجاع الجولان إلى الدولة السورية، أو لكي تبدأ بعملية تغيير تضاريس وديموغرافيا الجولان المحتل، فقد سنت إسرائيل عام 1981 "قانون الجولان"، الذي ضم عملياً الهضبة المحتلة، إليها، وحاولت فرض الهوية الإسرائيلية على السكان السوريين في الجولان.

منذ ذلك الضم، ارتفع عدد المستوطنين ثلاثة أضعاف، من سبعة آلاف عام 1983 إلى غاية 21 ألفاً عام 2015؛ وتقوم إسرائيل بمشاريع سياحية كبيرة في الجولان؛ وبدأت أخيراً بالتنقيب عن النفط في مرتفعات الجولان، ناهيك عن تعزيز الوجود العسكري. قامت إسرائيل بذلك كله، قبل أن تعلن رسمياً، يوم 17 أبريل/ نيسان الجاري، أن احتلال الجولان السوري هو إلى الأبد. ويطرح هذا الإعلان عدداً من الأسئلة، منها: لماذا جاء هذا الإعلان الآن؟ ما هي أبعاده السياسية والإستراتيجية على المنطقة؟ وما هي الرسائل السياسية لهذا القرار؟

يحاول هذا المقال طرح بعض الأجوبة على هذه الأسئلة، ويدّعي أن للإعلان الإسرائيلي أبعاداً سياسية إستراتيجية، ويحمل رسائل تطاول كل الجبهات، ولا يقتصر على الجبهة السورية.

أولاً: أعتقد أن الأخطر في هذا القرار أنه إعلان إسرائيلي غير رسمي بموت معادلة الأرض مقابل السلام، المعمول بها منذ سبعينيات القرن الماضي، لترتيب العلاقات بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، ومنذ التسعينيات مع منظمة التحرير الفلسطينية. وفقاً لهذه المعادلة، من المفروض أن تعيد إسرائيل أراضيَ محتلة من الدول العربية المحيطة، ومن الضفة الغربية وقطاع غزة، في مقابل توقيع اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات بينها وبين تلك الدول. هكذا كان مع مصر، ثم مع منظمة التحرير الفلسطينية والأردن. المنطق الثاني لهذه المعادلة وجود أنظمة عربية قوية ومستقرة يمكن أن تعتمد عليها إسرائيل، للمحافظة على اتفاقيات السلام، ولكي تحمي الحدود. فإسرائيل لا تسعي إلى تحقيق المصالحة مع الشعوب العربية، وأبعد ما يمكن تحقيقه هو اتفاقيات سلام مع الأنظمة العربية تضمن حالة اللاحرب.

تغير هذا الواقع، وتغيرت هذه القناعات، مع اندلاع الثورات العربية عام 2011، وسقوط النظامين في تونس ومصر، ومن ثم تعثر الثورات في البلدان العربية الأخرى وسرقتها من حركات متطرفة رجعية، واستماتة الأنظمة على البقاء، واندلاع صراع عربي-عربي. سقوط النظام المصري وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم كان بمثابة ضوء أحمر إستراتيجي لصناع القرار في إسرائيل، مفاده بأنه لا يمكن ضمان استمرارية أي نظام عربي، أو الاتكال على أي نظام عربي لحماية إسرائيل في المدى البعيد، أياً كان هذا النظام. في هذا مخاطرة ومغامرة إستراتيجية غير مقبولة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

ثانياً، التغيير الإضافي الذي رافق التحولات في بعض الدول العربية هو سيطرة قوات عسكرية غير خاضعة للدولة، قد تكون عدائية تجاه إسرائيل، على المناطق الحدودية مع إسرائيل، وتحويلها من مناطق حدودية هادئة إلى جبهات ساخنة. نظرياً، لا تستطيع إسرائيل أن تسمح بذلك، مما يرفع الأهمية الإستراتيجية للمناطق الحدودية وللعمق الإستراتيجي بين الحدود والمناطق السكانية في إسرائيل.

ثالثاً، في إثر الصراع العربي-العربي، والعربي-الإيراني، يتضح أن هناك إمكانية لنشوء مصالح مشتركة بين إسرائيل ودول عربية أساسية تؤدي إلى علاقات إستراتيجية وتحالفات غير علنية أو شبه علنية، من دون الحاجة لتوقيع اتفاقيات رسمية، ومن دون الحاجة إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، كما هي الحالة بين إسرائيل والسعودية، على سبيل المثال لا الحصر.

رابعاً، يعكس هذا القرار عودة الأرض والمساحات الجغرافية والمعارك البرية كمركب أساسي في العقيدة العسكرية-الأمنية الإسرائيلية، على عكس العقيدة العسكرية التي عمل بها الجيش الإسرائيلي بداية تسعينيات القرن المنصرم، واعتمدت على القوة الجوية والصاروخية، وتراجع أهمية القوات البرية والمعارك البرية، ومنها تراجع ما في المكانة الإستراتيجية للأراضي العربية المحتلة عام 1967. لذلك، هيأت البدء في مفاوضات السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير وبعض الدول العربية، إلا أن هذه القناعة تبدّلت تدريجياً منذ فشل (من منظار إسرائيلي وغربي طبعاً) حرب الخليج الأولى في القضاء على نظام صدام حسين، بواسطة الحرب الجوية، ومن ثم فشل إسرائيل في إخضاع حزب الله من الجو أو القضاء على قدراته الصاروخية، والفشل في منع حركة حماس من إطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل، وعادت أهمية المعارك البرية في حسم الحروب ومنع إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل. فكم بالحري لدى الحديث عن المكانة العسكرية الإستراتيجية للجولان، في العقيدة العسكرية-الأمنية الإسرائيلية، وموقعه الجغرافي الذي يكشف شمال إسرائيل بالكامل. إذاً، للجولان السوري أهمية إستراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها من منظور إسرائيلي، أو تبديلها بأية تكنولوجيا عسكرية، أو بدائل تقنية، خصوصاً في إثر التحولات في الحالة السورية. إعلان إسرائيل اعتراف بهذا الواقع.

خامساً: لعل الأبرز في السياق السياسي والدولي لإعلانها هو عدم اكتراث إسرائيل لردود الفعل العالمية أو العربية، فقد أبلغت مسبقا الولايات المتحدة، وعلى الأرجح روسيا والاتحاد الأوروبي، بهذا القرار، لكنها لم تربط بينه وبين ردود الفعل. بلغت إسرائيل مرحلة ترى أنها يمكن أن تغير الواقع الجيو-سياسي، من دون إذن واضح، أو قبول صريح من الدول الأساسية في الساحة الدولية. ناهيك عن أننا لم نسمع أي انتقاد أو معارضة في الساحة الإسرائيلية الداخلية على هذا القرار.

في هذه الأجواء، وفي ظل المشهد السياسي الإقليمي، نجاح بالون التجارب في حالة الجولان قد يزيد شهية إسرائيل في إلغاء معادلة الأرض مقابل السلام في الحالة الفلسطينية، ويدفعها إلى الإعلان عن فرض حل الأمر الواقع، وتحول الستاتيكو إلى حل نهائي دائم، أي الإعلان بشكل نهائي على إبقاء المستوطنات والمستوطنين، وضم مناطق ج، وتأبيد الفصل بين الضفة وغزة، وإخراج القدس الشرقية من معادلات الحلول السياسية، ومنع عودة اللاجئين، وتعيين السلطة الفلسطينية نوعاً من أنواع الإدارة المدنية في المناطق أ و ب، تهتم في قضايا الناس اليومية المعيشية فقط.

استمرار الانقسام الفلسطيني وغياب إستراتيجية نضال فلسطينية جامعة تناسب التحولات في المنطقة، واستمرار الحروب الأهلية والانقسام العربي، قد تسهل على إسرائيل اتخاذ قرار شبيهٍ يتعلق باحتلال الضفة الغربية إلى الأبد.

التعليقات