29/04/2016 - 08:06

رسالة إلى صديق لا يزال أوسلويا

فالأرض هي فلسطين، وساكنوها هم العائدون من لاجئيها وسكانها الحاليون من فلسطينيين ويهود، وهذا ما سوف يُشكِلُ الكتلة الديموغرافية لِمواطني دولتها الديمقراطية دون تمييزٍ يُذكَر بناءً على الجنس أو اللغة أو الانتماء الإثني أو الديني أو الطائفي أو المناطقي

رسالة إلى صديق لا يزال أوسلويا

عزيزي رمضان، صباح الخير،

أن تكون يسارياً في هذا الزمن الرديء هو شيء جميل أما أن تكون أوسلوياً باحثاً عن حل لدولتين فهو أقلُ جمالاً، وذلك لتعارضه مع حقوق شعبنا الأساسية.

أنت من أنصار حل الـ'دولتين' فلا بـأس عليك، فأنت أوسلوي حتى لو أعلنت تحفظك على أوسلو. يمكنك الانتظار قرناً إضافياً. أما بالنسبة للجبهة الديمقراطية، ولما تبقى من'اليسار الستاليني'، فإن مشاركتهم في صياغة 'روح أوسلو' لا تحتاج الى إثبات. 'وثيقة البرنامج السياسي المرحلي' لمنظمة التحرير الفلسطينية والمقرر من 'المجلس الوطني' في دورته الثانية عشرة (8/6/1974) أو 'برنامج النقاط العشر' كان الترجمة المباشرة لبرنامج 'الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين' في ذلك الحين.

أما بالنسبة لي، فموقفي السياسي كعضو في 'الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة' يقوم على تحليلنا في الحركة لسلوك 'الكيان الصهيوني الذي لا يريد سلاما مع الفلسطينيين، ويرى في العامل الديمغرافي، أي مجرد الوجود الفلسطيني تهديدا للكيان وللنظرة العنصرية الابرتهايدية ضد الشعب الفلسطيني. ولذلك فإننا نصل إلى نتيجة أن حل الدولتين هو مجرد وهم لذر الرماد في العيون وإعطاء غطاء للسياسة العنصرية الصهيونية.

إننا نرى، في الحركة الشعبية، ضرورة توعية أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج على خطورة الاستمرار في الجري وراء أوهام حل الدولتين، وتوحيد الشعب الفلسطيني خلف إستراتيجية كفاحية واحده، قائمة على مناهضة النظام العنصري الصهيوني الأبرتهايدي والتصدي الجماهيري لإجراءات التطهير العرقي والتوسع الاستيطاني'.

موقفنا هذا يقوم على ضرورة تحديث الخطاب السياسي الفلسطيني بما هو ممارسة سياسية لتفعيلِ الدعم الدولي لقضية عادلة، ولتوفيرِ ولتجديد دعم تآكل بفعل السياسات الفلسطينية الأوسلوية ذات الآثار الكارثية على جهود حشد المزيد من الدعم والتأييد لصالح القضية الفلسطينية (الإهمال المُتَعَمَد للجاليات الفلسطينية والعمل على تفكيكها، الابتعاد عن نبض الحركات الشعبية وقوى المجتمع المدني والركون إلى مخاطبة الشعوب عبر حكوماتها عبر العمل الدبلوماسي حصراً، محاولات متعثرة للالتحاق بالنظام الرسمي دولياً وإقليمياً: رام الله بيمينها وبيسارها متواطئة مع النظام الدموي في دمشق، والنظام القمعي في القاهرة، وغزة بحماسها لا تنفك عن اللهاث وراء الدعم الإيراني استباقاً لتوقف الدعم القطري يوماً ما.. إلخ).

في الواقع، لم تكن الفكرة الأوسلوية سوى سلسلةٍ من التنازلات المتسارعة من القيادة الفلسطينية عن الحقوق الوطنية الفلسطينية عبر الاعتراف بـِ «دولة إسرائيل'، اعترافاً يُكرِس وجودها في الواقع كـ'دولةٍ قومية ـ يهودية' تتعايش جنباً إلى جنب مع 'دولة فلسطين العربية' مُتخليةً بذلك عن أكثرَ من ثلاثة أرباع شعبها وعن أكثر من ثمانين بالمئة من أرض فلسطين التاريخية. ولقد كان هذا السلوك الأوسلوي يتمثلُ بالتضحية بالقضية الفلسطينية برمتها لصالح 'دويلة' مسخ أشبه ما تكون بـِ'بانتوستان' مُلحَق بمركزه الاستعماري: دولة إسرائيل اليهودية والكولونيالية والأبارتهايدية.

هنا، لم يكن رفض القيادات الأوسلوية مؤخراً لمطالبة نتانياهو باعتراف فلسطيني بـ'يهودية دولة إسرائيل' سوى ذر للرماد في عيون حقيقة التسليم الرسمي الفلسطيني المُسبَق بيهودية هذه الدولة، أي الاعتراف بها كـ'دولة قومية' ليهودها. أن مبدأ 'دولتين لشعبين' هو اعترافُ بإسرائيل كدولة قومية لليهود وما ينتجُ عن ذلك من خياراتٍ مُلزِمة: تخيير فلسطينيي هذه الدولة القومية اليهودية ما بين 'الأسرلة' أو الهجرة أو التهجير القسري فالدولة لا تتسعُ إلا ليهودها، ناهيك عن سقوط 'حق العودة' والذي يُهدِدُ بالفعل طابعها اليهودي الحصري. أما الحديث عن تمسك القيادات الأوسلوية بـ'حق العودة' فهو حديثٌ للاستهلاك الداخلي إذ يتعارض قطعاً مع خيار 'دولتين لشعبين'.

وهكذا وفي ظلِ تواصل الهجمة الصهيونية والتراجع المأساوي وحالة الإفلاسِ لنخب السلطة الفلسطينية، في الضفة وفي غزة، والمعارضات من يسارية ودينية، تبدو قضية اشتقاق البديل البرامجي أكثرُ من ضرورية، ولم يكن خطاب الدولة الواحدة سوى الترجمة الأكثر عقلانيةً للخروج من حالة التراجع هذه.

خطاب 'الدولة الواحدة' هو خطابٌ سياسي إنساني وأخلاقي يجمعُ المزيد من الحلفاء الدوليين ويُساعد اليهود العاملين على التخلصِ من الصهيونية ولا يمزٌق الشعب الفلسطيني إلى تجمعاتٍ متروكٌ كلٌ منها ليواجه مصيره على انفراد. إنه خطاب توحيدي وليس بخطابٍ حربي، فشعار 'تدمير دولة الكيان' قد يُستبدلَ بشعار تفكيك 'المؤسسة الصهيونية' كشرطٍ لقيام دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها. فالأرض هي فلسطين، وساكنوها هم العائدون من لاجئيها وسكانها الحاليون من فلسطينيين ويهود، وهذا ما سوف يُشكِلُ الكتلة الديموغرافية لِمواطني دولتها الديمقراطية دون تمييزٍ يُذكَر بناءً على الجنس أو اللغة أو الانتماء الإثني أو الديني أو الطائفي أو المناطقي.

ربطُ هذا البرنامج التحرري الحداثي والمتمثل بالنضال من أجلِ إقامة دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها بقضية 'حق العودة' قد يشكِلُ تعويضاً للتنازل الفلسطيني عن البرنامج الوطني الفلسطيني التاريخي بما هو برنامجٌ قومي عربي فلسطيني محض. عودة اللاجئين وتعويضهم، وليس تعويضهم بدلاً عن عودتهم، كحق فردي وجماعي غير مشروط هو تعويضٌ لهم عن الغبن الذي لحق بالجيل الأول منهم وهي تعبير عن حق متوارث لا يسقط بالأقدمية. انتزاع الحق بهذه العودة المنتظرة من جيل إلى جيل قد يُعادِلُ رمزياً هذا 'الثمن' الباهظ والمدفوع من قِبَل الشعب الفلسطيني في حالة قبوله لمبدأ العيش المشترك مع سالبي حقوقه وسارقي أرضه وقاتلي أطفاله.

انتزاع حق العودة هو عودة بفلسطين إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل، وهو بهذا سيكون بمثابة تضميدٍ لجروح نكبة 1948 ونكسة 1967ومحواً لنتائجهما الكارثية على الشعب والوطن الفلسطيني. أما قبول مبدأ العيش المشترك فلسطينياً فهو قبول بما سبق وأن مارسه المجتمع الفلسطيني في هذا الماضي القريب.

إعادة إحياء مبادئ العيش المشترك والذي دمرته آلة الحرب الصهيونية وسياساتها في التطهير العرقي وبعد هذا النزاع الدامي الطويل الأمد لا بدّ وأن يمرَ عبرَ بثِ ثقافة التسامح وقبول الآخر والصفح عما مضى وتجربة تفكيك نظام الأبارتهايد في 'جنوب أفريقيا' قد تقدم نماذج مفيدة في هذا الخصوص.

عودة اللاجئين وتعويضهم عن أملاكهم المفقودة والمُصادرة هي محك الحقيقة ونقطة البداية لإنجاز مصالحة تاريخية لطي صفحة الماضي صهيونياً و'القومية الفلسطينية العربية' فلسطينياً.

نهاية الصهيونية كأيديولوجية كولونيالية وعنصرية قد يفتح الباب نحو قبول فلسطيني بطي صفحة حقهم القومي بدولتهم القومية الحصرية، وقد يُتيح لهم قبول مبدأ 'المواطنة' و'المساواة' مع شركائهم في الوطن في ظل دولة حديثة 'ما ـ بعد' قومية، دولة لجميع مواطنيها. وهكذا، ترتبط قضية 'الدولة الواحدة' ارتباطاً عضوياً حميماً بقضية 'حق العودة' فهما وجهان لعملةٍ واحدة.

ربط 'الحركة الشعبية لدولة ديمقراطية واحدة في فلسطين' لشعارها البرامجي بـِ 'حق العودة' هو التجسيد الأمثل لملامح الخطاب الفلسطيني الحديث بما هو خطاب تقدمي، عقلاني، إنساني وأخلاقي لمخاطبة الخصم والعالم وأبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجدهم.

وأخيراً، أنا أدعوك لقراءة وثائقنا ومواصلة النقاش.

التعليقات