12/05/2016 - 19:50

نتنياهو والجيش: من يطيح بمن؟

يؤكد محللون إسرائيليون أن قضية الجندي القاتل آزريا، والدعم الشعبي الواسع له كما أظهرت نتائج الاستطلاعات الأخيرة، بيّنت أن هناك فروقًا واسعة في مواقف قيادة الجيش والرأي العام.

نتنياهو والجيش: من يطيح بمن؟

أغضب خطاب نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يائير غولان، رئيس الحكومة والوزراء والرأي العام الإسرائيلي، عندما قال في حفل إحياء ذكرى ضحايا الهولوكست، إن التحولات الحاصلة داخل المجتمع الإسرائيلي قد تؤدي إلى نتائج شبيهة بما حصل في المجتمع الألماني قبيل الحرب العالمية الثانية، لجهة الميول الفاشية والعنصرية. وهذا التحذير أو التشخيص ليس جديدًا، إذ يكرره منذ سنوات أكاديميون وكتاب في الصحافة الإسرائيلية، وهو تشخيص فيه من الصحة ما يكفي، لكنه لا يطابق الحقيقة بشكل كامل، إذ أن إسرائيل الراهنة لا تشبه ألمانيا الثلاثينيات، لأن الجيش فيها ما زال “القوة العقلانية العقائدية”، التي تعمل وفق اعتبارات قومية غير سياسية انتهازية أو تكتيكية.

وإن لم تتبدل عقيدة الجيش منذ الأيام الأولى لإسرائيل، فإن المجتمع الإسرائيلي تبدل بشكل كبير، كما طفت عنصريته على السطح بفعل تطور وسائل التواصل الاجتماعي، إذ فقد الجيش قدرته على التحكم بوعي جنوده والسيطرة عليه.

وفي العام الأخير، برزت معالم مخاوف حقيقية لدى قيادة الأركان في الجيش الإسرائيلي من فقدانه حالة الإجماع الشعبي العام وتحوله من “جيش الشعب” إلى جيش رعاع أو “جيش جزء من الشعب” أو جيشين: الجيش الحالي كما نعرفه، وجيش من المستوطنين واليمين المتطرف. وذلك نتيجة التدهور الحاصل في أوساط شرائح واسعة بالمجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف والفاشية، والنوايا الواضحة والمكشوفة لبنيامين نتنياهو لفرض هيمنة اليمين على مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى النوايا الواضحة، أيضًا، للتيار الصهيوني المتديّن أو الاستيطاني للتغلغل في مؤسسات الدولة، لمنع تكرار عملية “فك الارتباط” من غزة، بالتوازي مع تحولات ديمغرافية عميقة في المجتمع الإسرائيلي لصالح اليمين والحريديم.

ويؤكد محللون إسرائيليون أن قضية الجندي القاتل آزريا، والدعم الشعبي الواسع له كما أظهرت نتائج الاستطلاعات الأخيرة، بيّنت أن هناك فروقًا واسعة بين مواقف قيادة الجيش والرأي العام.

ومنذ تفجّر الهبة الفلسطينية الأخيرة، وبعد عملية إعدام الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في الخليل وهو ملقى على الأرض بنيران الجندي آزريا قبل شهر ونصف الشهر، طفا على السطح خلاف جدي بين المؤسسة العسكرية أو بالأحرى قيادتها، وبين القيادة السياسية، وتحديدًا بنيامين نتنياهو. ولا يتوقف هذا الخلاف عند باب المؤسسة العسكرية، بل يشمل الأذرع الأمنية مثل الشاباك والموساد، بيد أن الأهمية الكبرى في هذه السياق يكتسبها الجيش، كونه يواجه الواقع الأمني الميداني بشكل يومي، وهو، كذلك، المؤسسة الأكثر تأثيرًا بل الأساسية في صياغة الهوية الإسرائيلية، بما تحمله من قيم وطنية وأخلاقية، فهو “بوتقة صهر” مجتمع مهاجرين.

ولب هذا الخلاف هو بالأساس ناتج عن رفض المؤسسة العسكرية الانجرار خلف مزيدات رعاع السياسيين في سدة الحكم، وخشيته من تسلل الممارسات الدموية الفردية والفاشية إلى صفوف الجيش، وذلك ليس رفضًا منه للممارسات الدموية والعنيفة، بل لأنه يرفضها كممارسة فردية ويريد حفظ احتكاره للقوة، أي أنه ليس رفضًا بدوافع أخلاقية بل بدوافع عقائدية، ترى أن الجيش يحتكر القوة، خصوصًا، في المناطق المحتلة.

فهذا الجيش ارتكب عددًا لا يحصى من المجازر والجرائم ضد المدنيين ولا زال يرتكبها يوميًا، لكنه يرى أنها “مقبولة”، لأنها جزء من الحرب أو المواجهة الحربية. كما يخشى من أن يفقد امتيازه كخط إنتاج للهوية الإسرائيلية، التي يرى نفسه وصيًا على التوازن المشكل لها بين قيم الإسرائيلي الجديد المقاتل والمحارب وبين ما يرى أنها قيمًا يهودية إنسانية أو قيمًا يهودية الهولوكوست.

وترى القيادة العسكرية أن القيادة السياسية تنقاد خلف مواقف يمينية متطرفة أو “مواقف رعاع يميني” لا يصلح أن يكون عقيدة عسكرية لجيش في دولة قوامها الجيش، مثل تصريحات نتنياهو الداعمة للجندي القاتل أو تصريحه بشأن أبدية احتلال الجولان أو تصريحاته الأخيرة عن التهديد بإرسال قوات عسكرية إلى القاهرة.

وقد يبدو الجيش الإسرائيلي في هذا الشأن شبيها بمعتقدات الجيوش العربية التي ترى نفسها وصية على الدولة والمجتمع، لكن خلافًا للجيوش العربية أو معظمها، فإن عقيدة الجيش الإسرائيلي هي قتالية بالأساس وتهدف إلى “حماية الدولة” ووحدتها وليس النظام الحاكم، كما تؤكد عقيدته أنه يتبع بشكل حصري لإرادة الحكومة المنتخبة من الشعب وليس العكس، أي أنه يرى نفسه “كلب حراسة” للنظام الديمقراطي، ويخشى أن يصبح مطية بيد حكومة يمين متطرف في المستقبل إذا ما استمرت الأمور على وتيرتها بالانزياح نحو الفاشية. لذا، فإن إسرائيل اليوم ليست ألمانيا الثلاثينيات الذي لم يكن جيشها حريصًا على حفظ النظام الديمقراطي.

ويبدو أن الجيش في وضع لا يحسد عليه، فلطالما كان الوزراء في الحكومة يسيرون في الشؤون الأمنية حسب رغبته وكانوا يتبدلون بعد عامين أو ثلاثة، أي كان الجيش هو الثابت والوزراء والساسة هم المتحول، لكن ترسيخ حكم نتنياهو اليميني في العقد الأخير، على ما يبدو، أدخل الجيش في حالة استثنائية باتت فيه قيادته هي المتحول ووزراء اليمين هم الثابت.

وليس هناك أكثر تعبيرًا عما تفكر به قيادة الجيش الإسرائيلي من خطاب رئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوت، في حفل إحياء ذكرى قتلى الجيش، إذ شدد على أن “الوحدة هذه هي أساس جيش الدفاع الإسرائيلي، وهي التي ترسم شكله كجيش الشعب، كجيش رسمي، الذي يضم في داخله ضباطًا وجنودًا يعملون معًا من أجل هدف مشترك، يبقون الذي يفرقهم خلفهم… هذا التزام يضمن قوة الجيش، وهي نابعة من قيم مشتركة لحب البلاد ومسؤولية الحفاظ على وحدتها، الصداقة وكرامة الإنسان”. شدد أيزنكوت على الوحدة بالتأييد للجيش وبداخله، لكن من اللافت أن يتحدث قائد جيش عن مصطلحات من الثورة الفرنسية، مثل الصداقة أو الأخوة وكرامة الإنسان، بالتوازي مع حديثه عن وحدة البلاد. حيث بدا هذا الجزء من الخطاب وكأنه في درس في المدنيات.

إذًا فمع تعزيز بنيامين نتنياهو هيمنته على مؤسسات الدولة، من إطاحته بـ”ليبرالية” المحكمة العليا وتسليم مفاتيحها لوزيرته المتطرفة آييليت شاكيد، بعدما أطاح بهيمنة “الصحافة اللبرالية المستقلة” بسوط “يسرائيل هيوم” وفكك سلطة البث الرسمية بالتوازي مع تشديد الخناق على الأكاديميا، يبدو سؤال هل يسلم الجيش من مآرب نتنياهو ملحًا، والوقت كفيل بالإجابة.

اقرأ/ي أيضًا لـرامي منصور

التعليقات