15/05/2016 - 16:57

لغتنا من مقومات صمودنا فلنحترمها

أحيى المئات من المجادلة، مساء يوم الجمعة في مجد الكروم، الذّكرى الخامسة لرحيل أستاذ اللغة العربيّة رشيد فرحات، وخلال ذلك أثيرت تساؤلات حول علاقتنا بلغتنا.

لغتنا من مقومات صمودنا فلنحترمها

أحيى المئات من المجادلة، مساء يوم الجمعة في مجد الكروم، الذّكرى الخامسة لرحيل أستاذ اللغة العربيّة رشيد فرحات، وخلال ذلك أثيرت تساؤلات حول علاقتنا بلغتنا.

أشعر أنّ هناك يقظة بكلّ ما يتعلّق بلغتنا العربيّة، فالكثير من المدارس باتت تحيي أسبوع اللغة العربيّة وتقيم مسيرات للكتاب ومسابقات في المطالعة، والحقيقة أنّه رغم الضّعف الذي يبدو في الظّاهر بما يتعلّق بعلاقتنا باللّغة العربيّة، إلّا أنّ هناك نهضة كبيرة في هذا المجال لدى جيل الطّفولة، وهناك اهتمام من قبل الأهالي وأولياء الأمور والمدارس والمعلّمين والمثقّفين والكتّاب والأدباء والمكتبات العامّة.

اللّغة هي التّجسيد المعنويّ لأيّ شعب أو قوم، فإذا تراجع القوم تراجعت لغتهم، فلغة الشّعوب المزدهرة تزدهر بهم وتصبح مطلبًا لطلّاب العلم والسّياسة والأدب.

وعندما يضعف القوم تتراجع لغتهم، ومثال ذلك أنّ معظم اللافتات في قرانا ومدننا العربيّة مكتوبة بالعبريّة أو بالإنجليزيّة والعبريّة، وأقلّ من نصفها تضاف العربيّة على استحياء وبخط نحيل، بينما العبريّة أو الإنجليزيّة بخطّ بارز وعريض، بل أنّ هناك تجاهلًا لدى كثير من المصالح العربيّة للّغة العربيّة فتخلو منها الكثير من اللافتات، وكأنّ الزّبون العربيّ أمر مفروغ منه، فلا حاجة لجذبه لأنّه مضمون، بينما تنادي اللافتة على الزّبون اليهوديّ من بعيد!

نحن لا ننكر على المصالح والمتاجر حقّها في جذب الزّبائن من كلّ أطياف النّاس، ولكن هل كتابة العربيّة إلى جانب العبريّة وبحجم خطّ مماثل، تؤثّر سلبًا على عدد الزبائن، هل يعقل أن نخجل بلغتنا لأجل ربح زبون إضافيّ! علمًا أنّ هذه نظرة خاطئة، لأنّ احترامنا للغتنا يعني احترامنا لأنفسنا وأنّنا لا نعاني من عقد نقص أمام الآخرين، وهذا يجعلهم ينظرون إلينا باحترام وجديّة أكثر.

من ناحية أخرى، لا يمكن لنا أن نتوجّه إلى المؤسّسات والشّركات كما يفعل أعضاء الكنيست العرب وجمعيّات المجتمع المدنيّ، ونطالبها بأن تكتب في لافتاتها وأوراقها التّوضيحيّة ومراسلاتها الحكوميّة العربيّة كما العبريّة، بينما نحن نهمل لغتنا ونخجل بها عندما يتعلّق القرار بنا!.

هناك مجالس محليّة وبلديّات ردّ البدّالة  فيها بالعبريّة، وكأنّ  على العرب أن يفهموا العبريّة ولا حاجة للغتهم، علمًا أنّها بلديّة وبلدة عربيّة، هناك مجالس بلديّة يدور تعاملها الدّاخليّ كلّه بالعبريّة، وإذا أردت أن تسمع العجب العجاب، فاحضر جلسة مجلس بلديّ واسمع نقاش الأعضاء والرّئيس ونائبه ومهندس البلديّة أو محاسبها بما يتعلّق بالتّخطيط والميزانيّات وعلاقات البلديّة بالمؤسّسات! سوف تذهل بأن نصف اللّغة إن لم يكن أكثرها بالعبريّة، بسبب مصطلحات كثيرة في العمل البلديّ ليس لها بدائل عربيّة، وما نرجوه هنا أن يعمل المختصّون مثل مجمّع اللّغة العربيّة على إيجاد بدائل لكلّ اصطلاح.

لقد جعل الاستلاب البعض عند تكلمهم العبريّة يلفظون حرف (الراء) العبريّ كما يلفظه الأشكنازيون(غ)، وكأنّ هذا يمنحهم امتيازًا ما، ويبعدهم عن (الرّاء) المشبعة، كما يلفظها العربيّ!  هذا من أمراض استلاب الشّخصيّة وضعفها أمام الأقوى ومحاولة تقليده حتى بلفظ الأحرف وبالعادات واللباس وحتّى قصّات الشّعر وغيرها!

هناك من يقول إنّه لا خوف على لغتنا العربيّة فهي محفوظة في القرآن الكريم وهذا صحيح، لا خطر على اللّغة ولكن الخطر هو على أصحابها الذين يتنازلون عنها، لأنّ اللّغة تعني الانتماء، وعندما يفقد الإنسان لغته يضعف انتماؤه، وتضعف لديه القيم التي تحملها لغته، فاللّغة تنقل قيم الأمّة، وتمنحها الحصانة، وترتقي بها.

نضيف إلى أنّ دراسات كثيرة أكّدت على أنّ من يتقن لغته الأمّ بشكل جيّد، قادر على النّجاح في المواضيع كافّة، حتّى في المواضيع العلميّة لأنّ فهم المقروء يتحسّن لديه حتّى بلغات أخرى بما لا يقاس من ذلك الذي لا يتقن لغته الأمّ، ثمّ أنّ احترامنا للغتنا سيجعل الأجيال الصّاعدة تتمسّك بها.

أخيرًا فإنّ بيد مجالسنا البلديّة القدرة على فرض اللّغة العربيّة على اللافتات في مناطق نفوذها من خلال سنّ قوانين مساعدة، فمن لا يكتب العربيّة إلى جانب العبريّة على لافتته لن يحصل على ترخيص لمصلحته! وهذا ما فعلته بعض المجالس البلديّة منذ سنوات مثل مجلس كفر ياسيف المحليّ، وسنرى أنّ الأمر سوف يتحسّن كثيرًا.

التعليقات