18/05/2016 - 12:27

الأحزاب الأيديولوجية وضرورة النقد الذاتي والتجديد

يتميز المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل بوجود أحزاب وتكتلات عقائدية كثيرة. يطفو على هذه التكتلات والأحزاب هالة من القدسية الوهمية للقيادات التاريخية والتنظيم الرسمي.

الأحزاب الأيديولوجية وضرورة النقد الذاتي والتجديد

يتميز المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل بوجود أحزاب وتكتلات عقائدية كثيرة. يطفو على هذه التكتلات والأحزاب هالة من القدسية الوهمية للقيادات التاريخية والتنظيم الرسمي. تتعامل بعض هذه الاحزاب بعقلية ستالينة - لينينة وديمقراطية مركزية تمنع الاختلاف والنقد الذاتي بين كوادرها. كما تردد القيادات السياسية للأحزاب العقائدية في الداخل مقولات عن أهمية النقد واليقظة الوطنية. هنا وجب التنويه أن السيرورة النقدية للعالم أجمع لا تصلح وغير شرعية إن لم تبدأ بالنقد الذاتي.  

سأحاول في مقالي هذا تبيان أهمية النقد الذاتي للأحزاب وضرورة التجديد في صفوف قياداتها ورفدها بوجوه وطاقات جديدة. نذكر أولا، بأن أهمية التجديد والنقد الذاتي تنبع من الحاجة الملحة والأهداف المتمثلة في البقاء والنمو والتكيف للأحداث والمستجدات. ولأن الأحزاب هي تنظيمات جماهيرية مرتبطة ببيئة ومجتمع ديناميكي فإن عليها مواكبة ذلك من خلال إجراء تغييرات داخلية على المستوى التنظيمي والتمثيلي. قد لا يتسع مقال رأي لإحصاء وتقدير وشكر الرعيل الأول من المؤسسين في الأحزاب العقائدية لهم جزيل الشكر، هم من حولوا الأحزاب من حاجة فكرية نخبوية إلى أحزاب جماهيرية منظمة لها عمقها الشعبي.

النقد الذاتي

أقصد هنا بأن على الأحزاب العقائدية إجراء حساب مع الذات تقوم من خلاله القيادات والأفراد والتنظيم بتوجيه النقد الذاتي لأنفسهم والاعتراف بالتقصير والمضي قدمًا بإجراء إصلاح جماعي للتقصير. إن النقد الذاتي الهادئ البعيد عن النزق الشخصي والذاتوية المضخمة ظاهرة صحية تؤدي إلى تصحيح المسار وتصويبه.
هناك العديد من المحطات للأحزاب السياسية تستوجب التوقف ومحاسبة الذات ( كل الأحزاب لها هفوات حتى الذين يدعون التنويرية في خطابهم). النقد الذاتي إجراء يستوجب المكاشفة والمصارحة وتحمل عبء المسؤولية المتمثلة بذلك. فمثلا إخفاق اليسار بالتواصل مع قاعدة شعبية عريضة تحميه وتحمل فكره بالمقابل نجاح الحركات الاسلامية بالتواصل مع هذه القطاعات العريضة والمهمشة، يستوجب إعادة النظر في سلم أولويات هذا اليسار.
على سبيل المثال وهنا استذكر مشاهد درامية عن العمل الحزبي والسياسي التقليدي من مسلسل ' التغريبة الفلسطينية”، لأقول على ما يبدو منذ 80 عاما لم تتغير الأحزاب وأدواتها وأدائها بل تغير العالم حولها. فمثلا حري بالحزب الشيوعي الإسرائيلي مراجعة نفسه والاعتراف بأن خلفية الصراع مع الصهيونية قومية بحتة ومن ثم مراجعة شعاراته الطبقية مثلما فعل الحزب الشيوعي اللبناني على خلفية هزيمة حزيران/ يوينيو 1967 في مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني العام 1968، الذي أحدث تحولات كبرى باتجاه الانخراط الفعلي الرائد في الصراع ضد الإمبريالية والصهيونية واعتبار التحرر القومي مقولة ثورية في الصراع ضد الإمبريالية، مجدداً نفسه بذلك، على أنقاض الرؤيا الخاطئة بـ'الترفع عن مهام الصراع القومي' في السابق.

التجديد

إن القيادة 'الأزلية ' و'عبادة ' المناصب والمكوث لمدة عقود فيها مقتل السياسة الفلسطينية في الداخل. إن المطلوب من الجيل الشاب ثورة ضد الهيمنة الأبوية إن لم تتم بتفاهم تام بين الحزبيين المخضرمين والجيل الشاب. ولا بديل للتجديد سوى التوريث والاجترار في العمل السياسي، لذا فإن التجديد حاجة عضوية لاستمرار الأحزاب العقائدية والإحساس بأنها متعافية من عقدة 'الزعامة' العربية.
التجديد الذي أتحدث عنه في الأحزاب السياسية تطور طبيعي ومطلوب وأشبه بعملية 'النمو' لجسم الإنسان. فالاستبدال وتبديل وتجديد العناصر المكونة لجسم الإنسان في دالة تصاعدية دائمة تمامًا، حيث نرى كيف التغذية المستمرة بالدماء الجديدة التي تبعث القوة والفاعلية وتحرك الطاقات وتدفع النشاط العام لأعضاء الجسم (الحزب).
التجديد الذي نتحدث عنه في الأحزاب لا يتنكر للقديم بل يكمله. أنه التجديد الذي يؤكد على ثوابت المؤسسين للأحزاب العقائدية. فأنا أدعي بأن الكثيرين يميلون عند التجديد للتفكير خارج المربع، بينما أحيانًا نحن في الحقيقة بحاجة للتأكيد على حدود المربع وتشييد أضلاعه والتجديد من خلاله. السعي للتطوير بكل ثمن دون الحفاظ على أرضية متينة 'يخلخل  المبنى'.
 
مؤتمر التجمع

جدير بالذكر في هذا السياق المؤتمر السابع للتجمع الوطني الديمقراطي، إذ سيتخلل المؤتمر انتخاب أعضاء جديدين في اللجنة المركزية ورئيس جديد وأمين عام جديد ونائب أمين عام جديد. الكرة في ملعب التجمع وعليه أن يسجل هدفا ولا يصيب العارضة. لا شك أننا نسعى لإحداث تحول في المؤتمر باتجاه تجديد الوجوه والاطر والهيئات والمناصب والخطط والبرامج الحزبية. وهناك مؤشرات إيجابية من القيادة والكوادر بهذا الجانب تدفع التجمع نحو التجديد الذي طال الحديث عنه، وذلك كي نتجنب مزيدا من الانقسامات والتفتت إذا أصر الأباء المؤسسون الاستمرار بالقبض على زمام الأمور بدل أن يرفعوا قبضتهم عن الحزب.

اقرأ/ي أيضًا لـ ممدوح إغبارية

التعليقات