10/06/2016 - 18:17

وداعا خالدة جرار .... وإلى غير لقاء!

خمسة وعشرون عامًا منذ أن بدأت العمل مع الأسيرات الفلسطينيّات في السّجون الإسرائيليّة، من خلال جمعيّة "نساء من أجل الأسيرات السّياسيّات"، تعرفّت بها على المئات من الأسيرات. التقيت بكلّ أسيرة

وداعا خالدة جرار .... وإلى غير لقاء!

خمسة وعشرون عامًا منذ أن بدأت العمل مع الأسيرات الفلسطينيّات في السّجون الإسرائيليّة، من خلال جمعيّة 'نساء من أجل الأسيرات السّياسيّات'، تعرفّت بها على المئات من الأسيرات. التقيت بكلّ أسيرة  بعبارتي المعهودة مع أوّل لقاء بأنّي آمل ألّا ألتقي بها مجدّدًا داخل السّجن،  وذلك تيمّنًا بالإفراج عنها بعد الاعتقال وبدون توجيه التّهم والمقاضاة، ونفس العبارة كنت أقولها لهنّ عند الافراج عنهن.

لقد التقيت الأسيرة خالدة جرّار، عضو المجلس التّشريعيّ الفلسطينيّ وعضو منظّمة التّحرير الفلسطينيّة والمكتب السّياسيّ للجبهة الشّعبيّة  بعد اعتقالها مباشرة يوم 2 أبريل 2015، وبعد ذلك مرارًا عديدة خلال فترة سجنها 15 شهرًا داخل سجن 'هشارون' إلى أن تمّ الإفراج عنها يوم الجمعة الماضي بتاريخ 2016/6/3.

لقد خالطني شعور بالحزن والفرح عند الإفراج عن خالدة، إنّ مثل هذا الشّعور المختلط لا يراودني عادة عند الإفراج عن الأسيرات، فأنا أودّع كلّ أسيرة عادة بفرح وسعادة لتعود إلى حياتها مع عائلتها وأهلها وأولادها ودراستها وعملها مع عبارتي المعهودة بأنّي آمل ألّا أراها ثانية في السّجن.  

الوضع  خاصة مع خالدة مختلف، ومع عدد من الأسيرات اللواتي أفرج عنهن سابقًا، ففي لحظات كثيرة كنت أتساءل ماذا سيحصل عندما ستتحرّر خالدة ؟ وهذا أمر لا بدّ منه ولكن أعترف أنّه أقلقني وأقلق غيري أيضًا من الأسيرات. لقد دخلت خالدة السّجن بدون توقّع بابتسامة عريضة وبشكل ربما مفاجئ، أو غير مفاجئ في زمن أغبر يمرّ به  الفلسطينيّون، بداية بسبب أمر الاعتقال الإداريّ و فيما بعد بسبب لائحة اتّهام وحكم بالسّجن الفعليّ.

دخلت خالدة السّجن بابتسامة منتصرة لم تفارقها مدّة سجنها أبدًا، كان لقائي بها دائمًا يبعث السّعادة في نفسي أمام المشاكل التي تواجهها الأسيرات، فلم تكن تتكلّم عن مشاكلها لأنّ  مشاكلها لا تساوي شيئًا أمام تفاؤلها وعنادها ومبادئها، وكان همّها وجود حلول لمشاكل الأسيرات. وحتّى هذه المشاكل لم تستطع أن تمحو الابتسامة والأمل بمستقبل أفضل داخل السّجون. فهيهات للسجن والسّجان من  الانتصار على ابتسامة  خالدة.

لقد لعبت خالدة دورًا مهمًّا بالأسر كما خارج الأسر، فكانت الأمّ (هناك 15 قاصرة في الأسر)، الصّديقة والأخت للأسيرات أجمع، لقد ساعدت على تسيير وتنظيم حياة الأسيرات بشكل أفضل، فقد كانت كلّها آذانًا صاغية لمشاكل الأسيرات داخل السّجن وخارجه وهي كثيرة حتّى أنّها أعطيت وظيفتها البرلمانيّة في الأسر بتسليمها ملفّ شكاوى الأسيرات بشكل مطلق إن كانت تلك شكاوى داخليّة ما بين الأسيرات أو خارجيّة خاصّة بترتيب العلاقة مع السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، ففي هذا السّياق يذكر دور خالدة الهامّ بترتيب إجراءات امتحانات التّوجيهيّ للأسيرات العام الماضي للمرّة الأولى وكذلك العام الحاليّ فقد تركت وراءها أمور إجراء امتحانات التّوجيهيّ منسّقة بشكل كامل لتقوم الأسيرات الفلسطينيّات بالتّقدّم لأداء الامتحانات في الموعد المحدّد في الشّهر القادم .

لخالدة الاسيرة المحرّرة، الإنسانة الباسمة، القياديّة المتواضعة وهذه من أجمل الصّفات التي تجذبك في شخصيّتها، أقول إلى غير لقاء... ولكن سأفتقدك عند كل زيارة للسجن.

 * ملاحظة: المقال شخصيّ وغير مرتبط بالجمعيّة       

التعليقات