23/06/2016 - 17:05

استغلال الدين لمطامع سياسية

ماذا تغير بمجتمعنا حتى باتت فعالية اجتماعية مثل "رمضان ماركت" في الطيبة أو الطيرة أو عرعرة تثير حساسية لدى بعض الشرائح؟ هل حقًا أصبحنا أكثر تطرفًا وانغلاقًا اجتماعيًا ودينيًا؟ هل هناك فئات جديدة دخلت إلى الساحة أو المشهد؟

استغلال الدين لمطامع سياسية

يعيش مجتمعنا العربي في البلاد تحولات مقلقة قد تطيح بثوابت كانت مفهومة ضمنًا حتى سنوات قريبة ومحل إجماع وطني، إذ أن اللعب بالورقة الدينية لأهداف سياسية فئوية بات يقلق العديد ممن لديهم أدنى شعور بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية، ويلحظون خطرًا داهمًا أمامهم لكن دون أدنى قدرة على الفعل أو كيفية الفعل لحماية ما تبقى من مجتمع 'البقية الباقية في وطنها'.

وهذا اللعب بالورقة الدينية دفع بشرائح، ليست بقليلة من شبابنا، إلى الاعتقاد حقًا بأن هناك معركة على وجه المجتمع أخلاقيًا وقيميًا ودينيًا، لذا 'لبوا النداء لنصرة الدين'. فالحملات في 'الحيّز الافتراضي'، مؤخرًا، ضد فعاليات 'رمضان ماركت' في عدّة بلدات، تطرح عدة تحديات وتساؤلات لا بد من تشخيصها وتحديدها للتفكير في كيفية مواجهتها.

ماذا تغير بمجتمعنا حتى باتت فعالية اجتماعية مثل 'رمضان ماركت' في الطيبة أو الطيرة أو عرعرة تثير حساسية لدى بعض الشرائح؟ هل حقًا أصبحنا أكثر تطرفًا وانغلاقًا اجتماعيًا ودينيًا وأقل تسامحًا؟ هل هناك فئات جديدة دخلت إلى الساحة أو المشهد لتستدعي هذا الاستنفار، إلى حد التهديد بالاعتداء على هذه الفعاليات، ومن أين يستمد هؤلاء المستغلين للدين قوتهم في نقاشاتهم؟ ومن المستفيد من هذا التوتر؟

ثلاث إجابات محتملة:

1. لم يصبح مجتمعنا أكثر تطرفًا دينيًا أو اجتماعيًا، فلطالما كان مجتمعًا محافظًا، لكن شكل التدين أخذ أشكالًا أخرى أكثر حدة وعدائية وأقل بساطة وأقل تسامحًا متأثرا بالمحيط العربي، وهو ليس تدينًا شعبيًا حتى، ولا عقائديًا، هو تدين يدمج ما بين المحافظة الاجتماعية المتطرفة والإحباط الشخصي في مجتمع محتل ومقموع، وانسداد الأفق لتحقيق الذات، وبين أمراض العالم العربي الطائفية والمذهبية، التي تنتقل إلينا عبر التلفزيون أو شبكات التواصل الاجتماعي، لينتج أمامنا مخلوق جديد مشوه وعنيف، بعيد كل البعد عن قيم الدين الحنيفة، ومسألة الإجماع الوطني والسلم المجتمعي بالنسبة له أمورٌ دنيوية من عالم آخر، ولا يميز بين حيز خاص وحيز عام، وبالنسبة له أو في لا وعيه، ليست الأولوية هي مسألة تحرير وطن أو محاربة الأسرلة والحفاظ على الهوية الوطنية، وإنما مسألة  الحفاظ على قيم المجتمع كما يتخيله ويتخيلها هو أو كما لقن. وتاريخ المجتمع يبدأ منذ 'صحوته الدينية' هو كفرد، فلا يعرف مثلا أن الطيرة أو الطيبة أقيمت فيها مناسبات وطنية ضخمة منذ السبعينات، لم يكن صوت المرأة فيها عورة ولا كان محرّمًا، وكانت هتافات الفتيات الوطنية فيها أمرًا طبيعيا، وكذلك الأمسيات الثقافية حتى زمن ليس ببعيد. كانت هذه الأمور كلها جزءًا من المشهد الطبيعي. لكن ما العمل وقد لقن بأن المجتمع في حالة انحلال ويجب رده عن خطاياه، إذ لم يقل له ملقنه أن لا علاقة في بلداتنا بين 'نسبة التدين' والأخلاق والأمان، بل بالعكس، العلاقة طردية.

2. الإجابة الثانية هي أن أحدًا أو جهة تقوم باستغلال هذا التدين الأعمى والجاهل لأهداف سياسية فئوية، وأن بعض المحرضين على الفتنة باسم الدين يستخدم 'الحفاظ' على القيم المجتمعية التقليدية في نقاشاتهم حول 'رمضان ماركت' لأهداف سياسية.

وفي حالات عديدة، مثلًا، هم متدينون شكليًا فقط ولا علاقة لهم بالممارسات الدينية، وهم على استعداد لضرب المجتمع أفقيًا وعموديًا لمصالح فئوية في سلطة محلية أو لمناكفة غريم سياسي محلي لا أكثر. فهم على استعداد لإشغال بلدة كاملة طيلة أسبوعين حول إذا ما كان 'رمضان ماركت فتنة أم لا'، ويبثون كلامًا ساقطًا حول أبناء وبنات بلدهم دون مسؤولية أخلاقية ووطنية، وهذا اسمه استغلال الدين لأطماع سياسية.

3. من أين تنبع قوة هؤلاء؟ أولًا هم يستغلون مشاعر الناس لتحريضها على الآخرين، بالتساؤل غير البريء مثلا 'هل تقبل لبنتك...؟'، والتحريض على أن المناسبات الوطنية 'المختلطة' هي 'موضة غربية دخيلة'.  لكن الأمر الأهم أن هؤلاء المستغلين للدين يهاجمون 'الموضة الغربية' لكنهم مدمنون عليها، التطور التقني مثلا، والذي أتاح للجميع دون استثناء التعبير عن موقفه في الحيز العام من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى أرض الواقع مساهمته المجتمعية لا تذكر، لكنه يساهم مساهمة خطيرة في تلويث المجتمع بتحريض دنيء يتناقض ومبادئ الدين التي يستغلها، وأولها 'لا إكراه بالدين'.

 بعد هذه الإجابات علينا أن نسأل أين هؤلاء الذين هددوا وتوعدوا بالتعرض لفعاليات 'رمضان ماركت' مثلًا من الإفطارات الجماعية، التي تنظمها الأحزاب الصهيونية في البلدات العربية؟ أين هم من مشاركة وزيرة إسرائيلية فاشية تدعو لقتل الفلسطينيين أطفالا ونساء في إفطار رمضاني؟ هل شاركوا في تظاهرة واحدة؟ الإجابة لا، بل إن بعض ملقنيهم من تجار السياسة والدين يشاركون بمثل هذه الإفطارات.

التعليقات