05/07/2016 - 14:47

عن داعش وتفجير الحرم النبوي

يبقى أخيرًا، أن داعش كظاهرة هو نتيجة للاستبداد الطائفي الوضيع الذي عاشته سورية والعراق، وأن القضاء عليه لن يكون عسكريًا فقط، بل معالجة أسباب ظهوره الحقيقة، وهو ما لن يحدث قريبًا بشكل قد يفتح الباب في المستقبل القريب على تفتق حركات قد تكون

 عن داعش وتفجير الحرم النبوي

في آخر حلقات مسلسل الإجرام، شن تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش ) أمس الإثنين هجمات في المدينة المنورة على دورية أمن سعوديّة بالقرب من الحرم النبوي والقبة الخضراء وأوقع 6 ضحايا.

واهم من يعتقد أن هذا التفجير أو التفجيرات السابقة التي نفذها التنظيم في إسطنبول وفي مدن أوروبية وعربية أخرى تعد مؤشرًا على قوة التنظيم بل العكس تمامًا، إذ  أصيب التنظيم بمرض الشيخوخة المبكرة بالمقارنة مع حجم الأراضي والموارد التي سيطر عليها، وآن أوان دفنه، وهو بكل الأحوال سينتهي كظاهرة 'جهادية' محليّة نهاية العام الحالي 2016، خصوصًا إذا ما نجحت قوات التحالف الدولي في طرده من الموصل، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى الوقوف على مختلف التحليلات التي كانت تبالغ في قوة التنظيم وإمكانيّة أن يبقى كـ'دولة'، بل إن بعضها راهن على إمكانية حصوله على اعتراف دولي.

قمت برصد مختلف معارك تنظيم داعش منذ تأسيسه في سورية في العام 2013، وتبين لي بشكل لا لبس فيه أن التنظيم قوة هجومية قوية ليس بسبب الخطط العسكرية وقدرات الضباط فيه كما بالغت التحليلات المتسرعة، بل لسبب بسيط يتمثل في توافر عدد كبير من الانتحاريين. في المقابل، فإن داعش قوة دفاعيّة هشة هزمت أمام جميع القوى المحلية المسلحة في العراق وسورية وليبيا، ولم يتنصر في أي معركة دفاعيّة أبدًا، إلا على أقرانه من التنظيمات السلفية الجهادية، لسبب بسيط أيضًا هو انضمام قسم كبير من منتسبي هذه الحركات إليه أو رفض مقاتلته بسبب خطابه الديني المزايد.

وبناء عليه، فإن حال داعش اليوم يشبه حاله عندما كان يحمل اسم 'دولة العراق الإسلاميّة' في العام 2008، بحيث يخسر المدن التي يسيطر عليها تدريجيًا ويتجه للتفجيرات كوسيلة وحيدة لإثبات وجوده قبل أن ينعزل في الصحاري والبوادي

ولا ينطوي نجاح داعش في إحداث تفجيرات في بقع مختلفة على تخطيط محكم أو إستراتيجية أو حتى اختراق أمني، فكل ما يحتاجه شخصيات مريضة وأدوات بدائية وقرار مركزي، وهذا ما يملكه وتملكه سائر الحركات المتطرفة.

في العام 2009 زادت وتيرة التفجيرات الانتحارية في العراق بشكل كبير، واستهدفت الأسواق والمخابر والساحات العامة ولم تكتف بعناصر الشرطة أو الجيش، وحصل ذلك نتيجة فتاوى متطرفة كفرت عوام الشيعة ووضعتهم في خانة من يجب قتلهم. وفي العام الحالي تزداد وتيرة التفجيرات الانتحارية لتستهدف جميع الأديان والطوائف، ما يعني أن داعش بدأ، على مستوى التنظير ( نقولها مجازًا)، مرحلة تكفير عوام المسلمين ولديه الفتاوى جاهزة موجودة في كتاب فقه الجهاد لأبي عبد الله المهاجر تجدونها في الجزئية المتعلقة بدار الإسلام ودار الكفر.

إن تكفير عوام المسلمين والدعوة لقتلهم ليس بجديد في سجل الحركات الجهادية المتطرفة، فإبان الحرب الجزائرية قامت مجموعة جهادية من 17 شخصًا بتكفير جميع المسلمين من هم خارج الجماعة وأحلت قتلهم وذبحهم والتنكيل بهم.

المشكلة، أن قتال داعش اليوم يختلط فيه المحلي بالخارجي ويرسم معالم جيوسياسية جديدة بالمنطقة لجهة صعود قوى محلية على حساب قوى أخرى، لا سيما وأن داعش كان ينتشر على مساحات كبيرة، وبالتالي فإن من يقاتله اليوم وينتصر عليه يتحكم بميراثه الكبير، وهو  ما يفرض على جميع القوى إعادة التفكير في أولوياتها المرحلية على الأقل من أجل الحصول على الحصة الأكبر من جسد الرجل المريض.

وما هو مفيد بالنسبة لنا وللجميع هو انكشاف داعش بالنسبة لعوام المسلمين بأنه قوة تخريبية عبثية تستغل الإسلام ولن تمانع يومًا في استهداف المسلمين ومقدساتهم إذا تعلق الأمر بمصالحها، وهو ما قد ينطبق على حركات سلفية جهادية أخرى لا سيما تلك التي تختطف قادة الجيش الحر في سورية وتدعي أنها تنتصر للمسلمين وللسوريين.

اقرأ/يضًا | المدينة المنورة: قتلى في تفجير انتحاري قرب الحرم النبوي الشريف

يبقى أخيرًا، أن داعش كظاهرة هو نتيجة للاستبداد الطائفي الوضيع الذي عاشته سورية والعراق، وأن القضاء عليه لن يكون عسكريًا فقط، بل معالجة أسباب ظهوره الحقيقة، وهو ما لن يحدث قريبًا بشكل قد يفتح الباب في المستقبل القريب على تفتق حركات قد تكون أعنف من داعش.

(* الكاتب باحث سوري يقيم في الدوحة)

اقرأ/ي أيضًا | عشية عيد الفطر: 'داعش ينتهك مسجد الرسول وقبره'

التعليقات