12/07/2016 - 17:19

غزوة نتنياهو وتوطيد مكانة إسرائيل في آسيا وأفريقيا

العلاقات الاسرائيلية إسرائيل ليس فقط تقتحم مواقعنا في آسيا وإفريقيا، وتحاصر إيران في القوقاز وتحاصر مصر في دول حوض النيل، بل هي توطد مكانتها وشرعيتها الدولية

غزوة نتنياهو وتوطيد مكانة إسرائيل في آسيا وأفريقيا

في وقت نحلم فيه بعزل إسرائيل وفرض المقاطعة الدولية عليها بصفتها نظام أبرتهايد، ويراهن بعضنا على هذا الخيار بعد سقوط خيارات المواجهة الأخرى، معتمدين على حركة المقاطعة الدولية "بي دي إس" التي تنشط في أوروبا وأميركا، نجد أنفسنا كمن يكشف... ليغطي وجهه حياء، وذلك في ضوء الاختراقات التي تحققها إسرائيل في الساحات الأفريقية والآسيوية وحتى الإسلامية والعربية.

وإذا كانت زيارة نتنياهو لدول حوض النيل قد أتت بوزير خارجية النظام المصري سامح شكري "على ملا وشه"، كما يقول المصريين، بعد أن استوعب الصفعة الأولى التي وجهها له نتنياهو من خلال اتفاق المصالحة مع تركيا.

 وبالرغم من تمييز البعد الشخصي/ العائلي في "غزوة نتنياهو الأفريقية" التي ابتدأت من "وطن اليهود" المفترض في اوغندا، وتحديدًا من العاصمة عنتيبي التي وضعت فيها اللبنة الأولى في سلم مجد عائلة نتنياهو، حيث سقط الشقيق ليرفع شقيقه الآخر إلى الكرسي الذي جلس عليه مؤسس دولة اليهود دافيد بن غوريون، والجنرال الذي اعطى الأوامر بتنفيذ عملية عنتيبي، رئيس حكومة إسرائيل، في حينه، يتسحاق رابين.

ورغم أن المنجزات الأفريقية هي حاصل سنوات طويلة من العمل الدبلوماسي الإسرائيلي، الذي ابتدأ قبل نتنياهو وتواصل خلال فترات حكمه، إلا أنه يسجل للأخير أن الاستدارة التي قام بها للتعويض على "التوتر" الذي شاب علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت لا تمس صلب التحالف الإستراتيجي بين الدولتين، هذه الاستدارة مكنت إسرائيل من الخروج ولو ظاهريًا من تحت العباءة الأميركية وتعزيز علاقاتها مع القطب الآخر المتمثل أساسا بروسيا والصين.

 توسيع علاقات إسرائيل مع دول في القارات الخمس، بتعبير نتنياهو، الذي يرى أن الأغلبية التلقائية ضد إسرائيل في المنتديات الدولية ترتكز إلى تكتل الدول الأفريقية وبقدر ما إلى تكتل الدول في أميركا اللاتينية، وإذا 'ما نجحت إسرائيل في شق هذه  الأغلبية، ستتغير مكانة إسرائيل في الأجسام الدولية التي تأخذ مواقف ضد دولة إسرائيل وجيشها'.

لقد ثبت نجاح هذا التوجه عندما صوتت  109 دول (بينها اربع دول عربية حسب ما نشر في مواقع مختلفة) من أصل 193 دولة لصالح تعيين السفير الإسرائيلي داني دانون لرئاسة لجنة الشؤون القانونية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المنظمة، وسط احتجاجات المندوب الفلسطيني الذي قال انه يجب  تقديم "مرشح مؤهّل ومسؤول وليس منتهِكا كبيرا للقانون الدولي".

القارة الإفريقية التي كانت أحدى أهم دوائر الحركة القومية العربية في الحقبة الناصرية بسبب القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية والثقافية المشتركة والتجاور في حوض النيل وبحيراته.

رؤية عبد الناصر التي ارتبطت بواقع القارة الإفريقية وطموحها إلى الاستقلال والتحرر، دعت دول القارة إلى اتخاذ مواقف مناهضة لإسرائيل باستثناءات قليلة، في حين ساهمت حالة التراجع العربي التي استتبعها انسحابهم من الساحة الأفريقية أسوة بغيرها من ساحات الفعل، وصلت في العام 1999 إلى أن تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية مع 42 دولة إفريقية وفي مختلف المجالات.
تخلي الدول العربية عن إستراتيجية المواجهة، وجنوحها إلى التسوية التفاوضية السلمية، وبالذات مصر، ساهمت في رفع الحرج عن الدول الإفريقية التي شرعت في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، خاصة في ضوء قصور الدول العربية عن تلبية الحاجات الأمنية والدفاعية للدول الإفريقية، بسبب تخلف صناعتها العسكرية وتكنولوجيتها الحربية مقارنة بمثيلتها الإسرائيلية، فضلاً عن عجزها في بلورة سياسات ومؤسسات يمكنها من استثمار ميراث الخمسينيات والستينيات وخلق مصالح إفريقية مشتركة قادرة على مقاطعة إسرائيل وعزلها على المسرح الدولي.

وكما يقول وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه أرنس، فإن الأصدقاء القدامى/ الجدد يعتبرون إسرائيل دولة قوية من الناحية العسكرية والاقتصادية، لهذا فهي تؤثر في محيطها، بل وأكثر من ذلك، من الأفضل أن تكون صديقا لإسرائيل، ، ويشير أرنس في مقال نشره في "هآرتس" مؤخرًا، إلى توجه إسرائيل نحو الشرق، فاقتصاد الهند يزدهر بشكل سريع. ومع جارة مثل باكستان وأقلية إسلامية كبيرة، فان مشكلاتها تشبه المشكلات التي تواجهها إسرائيل. أما الصين فهي القوة العظمى الثانية في العالم، ولا تستطيع إسرائيل تجاهلها، وبالنسبة للصين فان إسرائيل، رغم صغرها، تعتبر قوة عظمى تكنولوجيا.

على صعيد القارة الآسيوية، أيضا، حققت إسرائيل "اختراقات إستراتيجية مهمة"، حيث نجحت في إقامة علاقات مع العديد من دول القارة، أبرزها تركيا واليابان وتايلاند وبورما وكمبوديا والصين والهند ودول الاتحاد السوفياتي السابق، وذلك عبر إستراتيجية "الطرق المتواصل على أبواب آسيا"، التي كانت فيما يبدو محكمة الإغلاق في وجه إسرائيل؛ بسبب التعاطف الآسيوي مع القضية الفلسطينية، والعلاقات التاريخية التي ربطت العرب بآسيا عبر حركة التضامن الإفريقي الآسيوي وحركة عدم الانحياز.

كانت الهند على نحو خاص تؤسس موقف الرفض إزاء إسرائيل؛ المتمثل في عدم الاعتراف بها وإقامة علاقات معها، إبان حكم حزب المؤتمر الهندي؛ استنادًا إلى موقف الزعيم الروحي الهندي المهاتما غاندي، الذي كان يرى أن "فلسطين ملك للعرب تمامًا، مثلما أن إنجلترا ملك للإنجليز وفرنسا ملك للفرنسيين".

وحاليًا يبلغ حجم التبادل التجاري بين الهند وإسرائيل، بعد استئناف علاقاتهما الدبلوماسية فقط منذ 1992، أكثر من 3 مليارات دولار، وتعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري لتل أبيب في آسيا، وتاسع أكبر شريك تجاري لها على مستوى العالم. ويهدف الطرفان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 6 مليارات دولار سنويا خلال السنوات الثلاث المقبلة.

إذن إسرائيل ليس فقط تقتحم مواقعنا في آسيا وإفريقيا، وتحاصر إيران في القوقاز وتحاصر مصر في دول حوض النيل، بل هي توطد مكانتها وشرعيتها الدولية، والأنكى أنها تحظى بهذا الاحتضان الإفريقي الآسيوي والعربي الإسلامي ليس فقط في ظل تنامي حركة المقاطعة الشعبية لها في الغرب، بل وفي ضوء أحط حكومة عرفها تاريخها، حكومة ممعنة في مواصلة الاحتلال وممارسة الاستيطان والحصار الجماعي والإعدامات الميدانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.  

التعليقات