16/07/2016 - 16:55

يا فرحة "يسار" ما تمت...

​ما أن أعلن اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل قبل حوالي الشهر حتى انقض الرّداحون على هذه اللقية، ووجدوا ضالتهم أخيرا في مهاجمة إردوغان وحزبه ودولته! وراحوا يصوّرون الأمر بأنه خيبة أمل كبيرة لمن أيدوا إردوغان وسياسته.

يا فرحة "يسار" ما تمت...

ما أن أعلن اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل قبل حوالي الشهر حتى انقض الرّداحون على هذه اللقية، ووجدوا ضالتهم أخيرا في مهاجمة إردوغان وحزبه ودولته! وراحوا يصوّرون الأمر بأنه خيبة أمل كبيرة لمن أيدوا إردوغان وسياسته، وكانوا صوروه دائمًا أن له أطماعًا في ضم قطاع غزة إلى دولة الخلافة العثمانية، وأطلقوا عليه لقب السلطان العثماني. علمًا أنهم كانوا روجوا لفرية أن الدكتور محمد مرسي، رئيس مصر المعزول، أراد حل قضية فلسطين من خلال منح أرض في سيناء للفلسطينيين.   

طبعا هؤلاء لم يكن يهمهم من موضوع المصالحة سوى الردح، وكانوا سيكتئبون لو أعلن إردوغان رفضه لأي مصالحة مع إسرائيل و'وضع رجله بالمنشار'، وحينئذ سوف يفرحون أكثر بخسائر الاقتصاد التركي وبزيادة القلاقل في المناطق الكردية ويشمتون لكل انفجار في استنبول كما فعلوا بعد كل انفجار. هذا لا يعني أننا مع التطبيع مع دولة الاحتلال من أي دولة كانت، لأن التطبيع معها يزيدها غيا وغرورا وعنجهية.  

ولكن تخيلوا مثلا لو أن إردوغان نجح برفع الحصار عن قطاع غزة! ماذا كان سيكون رد فعل هؤلاء 'اليساريين'! كانوا لطموا واكتأبوا وقالوا إن المؤامرة اكتملت برفع الحصار عن قطاع غزة! وإنها مكافأة من إسرائيل وأميركا على دور تركيا في محاربة النظام القومي والوطني الممانع في سورية!

أما عن محاولة الانقلاب ضد إردوغان، ليلة السبت، فالغريب أنهم تسرعوا بإعلان فرحتهم بالانقلاب الذي ظنوه ناجحا، فالغريب هو أن تطلب لحضرتك الديمقراطية والحرية وتدعي أنك ممثلها، وفي الوقت ذاته تؤيد انقلابا عسكريا ضد نظام انتخبه شعبه وبمشاركة حزبية واسعة، الغريب أن تؤيد انقلابا عسكريا ضد إرادة الشعب حتى لو لم تكن مؤيدا لسياسة هذا الحزب! والأغرب أن أحزاب المعارضة التركية نفسها وقفت إلى جانب الشرعيّة، بينما ما يسمى يسار عربي من مؤيدي بشار والسيسي أسرعوا ليعلنوا فرحتهم التي لم تتم! فما هي مشكلة هؤلاء مع الديمقراطية وكيف يفكرون!

مشكلة هؤلاء أنهم يفضّلون أي حكم كان حتى لو كان نازيا، فالمهم أن لا يمت الحزب الحاكم للإسلام بصلة، حتى ولو انتخب من قبل الأكثرية وبالانتخابات الديمقراطية التي يدعون هيامهم بها! هذا كان موقفهم مما حدث في مصر ضد الرئيس المنتخب  محمد مرسي، فقد أسرع هؤلاء لاعتبار السيسي المخلص لمصر من مشاكلها الاقتصادية وأنه أنقذها من تدهور البلاد إلى الدكتاتورية واعتبره بعضهم خليفة عبد الناصر! وأداروا ظهورهم لاعتقال مئات الآلاف في مصر وللمجازر التي ارتكبها النظام الانقلابي أمام الكاميرات، ثم لأحكام الإعدام بتهمة التخابر السخيفة مع حماس وقطر، كل هذا وهم يدعون أن السيسي جاء ليحمي الديمقراطية والدستور وينقذ مصر!

ولكن السيسي شدد حصاره على قطاع غزة فاعتبروا أن هذا محاربة للإرهاب، وهذه شماعة علق عليها السيسي فشله ومقاومة بعض الفئات المصرية المسلحة لانقلابه.  ولكن السيسي اصطف إلى جانب نتنياهو في كل موقف وموقف، ومؤخرًا، أرسل وزير خارجيته الذي أعلن أن 'الإرهاب يعرقل السلام' مبرِّئًا الاحتلال من جرائمه! ورغم هذا ملأوا أفواههم بالماء الآسن، رغم أن الإشارات واضحة بأن السيسي اصطف إلى جانب نتنياهو، وأفقد مصر دورها الإقليمي في قضية فلسطين وفي أفريقيا ودوليا وما زالت مصر تتراجع اقتصاديا منذ توليه السلطة.

مشكلة هؤلاء أنهم يريدون تبرير مواقفهم المخزية في تأييد النظام السوري، الذي دمر بلاده وشعبه وصدقوا قصص المؤامرات التي ألفوها، فقد ألفوا قصة المؤامرة حول نجاح محمد مرسي في الانتخابات واعتبروه صنيعة أميركية، وواصلوا الكذب على الناس وعلى أنفسهم إذ اخترعوا نظرية المؤامرة على نظام الأسد، وأن لتركيا الدور الأكبر في هذه المؤامرة، صدّقوا كذبهم ومواقفهم المخزية حتى باتوا يؤيدون الدكتاتوريات والانقلابات، إلا أن الشعب الذي انتخب إردوغان وانتخب معارضيه، أيضًا، يدرك حجم الكارثة فيما لو نجح العسكر في استلام الحكم!

كذلك فإن الشعب الذي شعر بحلاوة النقلة الاقتصادية الهائلة والمكانة الكبيرة لتركيا في العالم في العقد الأخير لن يفرط بنظامه بسهولة، إضافة إلى أن الجيش في تركيا  ليس جيشا حزبيا، أي أنه ليس جيش حزب البعث كما هو الحال في سورية، حيث أن الرتب العالية لا تكون الا للحزبيين، ولهذا كان جنوده يخرجون  من الدبابات مستسلمين تحت وطأة  ضغط الجماهير دون اللجوء إلى جرائم إبادة جماعية كما حدث في سورية! لعل فشل الانقلاب فرصة لأن يستيقظوا ويفهموا الدرس بأن الشعوب التي تنتخب ممثليها وتشعر بطعم الديمقراطية والحرية لا تتنازل عن مكتسباتها بسهولة لصالح البساطير والخوذات العسكرية.


>> اقرأ/ي أيضًا في تغطية عرب 48:

> الشعب أسقط الانقلاب

> أول رد فعل إسرائيلي على الانقلاب الفاشل في تركيا

> تركيا: السيطرة على مقر هيئة الأركان وعزل 2745 قاضيًا

'نحن' ومحاولة الانقلاب في تركيا/ عزمي بشارة

> الانقلاب العسكري القادم في تركيا

احتفالات مبكرة بسقوط إردوغان

> يلدريم: 181 قتيلا واعتقال 2839 جنديًا

أسر قائد لأسطول التركي

> إيران تأمل أن 'تحترم' تركيا حكومة سورية 'المنتخبة'!

> اتحاد علماء المسلمين: الانقلاب حرام شرعًا ومن الكبائر!

> قائد الجيش التركي بالوكالة: تم إفشال محاولة الانقلاب

> تعرف إلى أبرز ضباط الجيش التركي ومصيرهم

التعليقات