25/07/2016 - 14:00

الجانب المظلم من حركة فتح الله غولن

لفتت محاولة الانقلاب الدموي في تركيا الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، انتباه العالم إلى المجموعة التي أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان مسؤوليتها عن هذا الانقلاب: حركة فتح الله غولن، وهو رجل دين تركي يعيش في منفى اختياري بولاية بنسل

الجانب المظلم من حركة فتح الله غولن

لفتت محاولة الانقلاب الدموي في تركيا الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، انتباه العالم إلى المجموعة التي أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان مسؤوليتها عن هذا الانقلاب: حركة فتح الله غولن، وهو رجل دين تركي يعيش في منفى اختياري بولاية بنسلفانيا منذ أواخر التسعينات.

ينفي غولن بشدة هذه الاتهامات. ويبدو أنَّ البعض في الغرب يعتقد أنَّ هذه نظرية أخرى من العديد من نظريات المؤامرة الغريبة التي روّجها إردوغان. ولكن هذه ليست مجرد بروباغندا. هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأنَّ هذا الاتهام صحيح.

تأسس مجتمع غولن حول رجل واحد هو فتح الله غولن. يراه أتباعه باعتباره ليس مجرد رجل دين، كما يدعون علنًا، ولكن على أنّه “المهدي المنتظر”، كما قيل لي بشكل خاص. إنّه المهدي المنتظر الذي سينقذ للعالم الإسلامي، وفي نهاية المطاف سينقذ العالم نفسه. العديد من أتباعه يعتقدون أيضًا أنَّ السيد غولن يرى النبي محمد في أحلامه ويتلقى الأوامر منه.

إلى جانب نفوذ غولن الذي لا مراء فيه، ثمة ميزة رئيسية أخرى للحركة وهي التسلسل الهرمي الصارم. تأسست حركة غولن مثل الهرم: الأئمة يعطون الأوامر لأئمة المستوى الثاني، الذين بدورهم يعطون الأوامر لأئمة المستوى الثالث، ويسر الأمر على هذا النحو وصولًا إلى القاعدة الشعبية.

ماذا تفعل الحركة؟ تشمل الأنشطة الأكثر وضوحًا للحركة فتح المدارس وإدارة الجمعيات الخيرية التي تقدّم الخدمات الاجتماعية للفقراء والحفاظ على “مراكز الحوار” التي تدعو إلى المحبة والتسامح والسلام. ليس هناك مشكلة في ذلك، بطبيعة الحال. وأنا شخصيًا تحدثت مرات عديدة في مؤسسات غولن كضيف، والتقت بأشخاص متواضعين ولطفاء للغاية.

لكن، وكما قال لي أحد أنصار غولن المحبطين العام الماضي، “هناك جانب مظلم للحركة، وعدد قليل من أعضائها يعرفون ذلك”. وعلى مدى عقود، تسللت الحركة في مؤسسات الدولة التركية، مثل قوات الشرطة والقضاء والجيش. ويعتقد الكثيرون أن بعض أنصار غولن، يتلقون الأوامر من أئمتهم، ويخفون هوياتهم ويحاولون الصعود عبر هذه المؤسسات من أجل الاستيلاء على سلطة الدولة.

عندما وصل إردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، شعروا بالخطر من العلمانيين المتشددين الذين هيمنوا على الجيش التركي منذ أيام أتاتورك، الأب المؤسس للجمهورية التركية. رأى إردوغان الكوادر من أنصار غولن شركاء ومن ثمّ نشأ تحالف بينهم. دعمت حكومة إردوغان ضباط الشرطة والمدعين العامين والقضاة من أنصار غولن وهم يطاردون العلمانيين. ومنذ عام 2007، تمّ اعتقال المئات من الضباط العلمانيين وحلفائهم المدنيين.

كان الدافع وراء هذه المطارة هي الأجندة السياسية لإردوغان، ولكنَّ أنصار غولن كانوا أكثر عدوانية من حزب العدالة والتنمية. والأكثر إثارة للقلق أن بعض الأدلة اتضح أنها مبالغ فيها. صحفيان علمانيان وقائد بقوات الشرطة كشفوا الأدلة الوهمية، وألقوا باللوم على “جيش الإمام“، وسرعان ما تمّ اعتقالهم بتهم وهمية.

“كيف يمكن أن التبرير باستخدام الأدلة الوهمية لإلقاء اللوم على أناس أبرياء؟” سألت صديق لي من أنصار غولن. فقال لي: “نظرًا لأنَّ هدفهم النهائي كبير للغاية”، مشيرًا إلى الطموح العالمي المروّع للحركة، “فهم يعتقدون أنَّ كل الوسائل مبرّرة”.

في نهاية المطاف، أصبح من الواضح لماذا كان أنصار غولن متحمسين في اضطهادهم للعلمانيين؛ لقد أرادوا أن يحلوا محلهم. العديد من الضباط الذين شاركوا في محاولة الانقلاب الأسبوع الماضي تمّت ترقيتهم في السابق بفضل حملة التطهير الرئيسي للجيش في عام 2009 الذي من المفترض أنّه أنقذ إردوغان من الانقلاب. 

بحلول عام 2012، تمّ قمع الحرس العلماني القديم، وأصبح أنصار غولن وحزب العدالة والتنمية بمفردهم في إدارة تركيا. استغرق الأمر أقل من عامين قبل انعدام الثقة والعداء بين الجماعتين الإسلاميتين في نهاية المطاف. ووصل هذا التوتر إلى ذروته في كانون الأول/ ديسمبر عام 2013، عندما اعتقل ضباط الشرطة والمدعين العامين من أنصار غولن العشرات من المسؤولين الحكوميين في تحقيق في قضية فساد، على أمل إسقاط إردوغان، الذي أدان التحقيقات ووصفها بأنها “محاولة انقلاب”. وفي ذلك الوقت، بدا اتهام إردوغان وكأنه مبالغة لخدمة مصالح ذاتية.

لكن المؤامرة الدموية في 15 تموز/ يوليو كانت أكثر تدميرًا من أي شيء شهدته تركيا في السنوات الأخيرة. والجدير بالذكر هنا، أن هذه المؤامرة جاءت في وقت كان من المفترض أن يخطط فيه إردوغان لتطهير الجيش من أنصار غولن. حدد رئيس هيئة أركان الجيش التركي، الذي عارض الانقلاب، الضباط المتمردين بأنهم من أنصار غولن. حتى أنَّ أحد المتآمرين اعترف بالعمل بناءً على أوامر من حركة غولن.

وبالنظر إلى الهيكل الهرمي لحركة غولن، كل هذا يجعل غولن المشتبه به الرئيسي في هذا الانقلاب. بالطبع، الحقيقة لا تظهر إلّا من خلال محاكمة عادلة فقط. لكن للأسف، تركيا ليست جيّدة في تلك المحاكمات – لا سيما في ضوء سيطرة إردوغان على السلطة القضائية والاستقطاب الشرس الذي تشهده البلاد اليوم. ولكن حكومة الولايات المتحدة يمكن أن تحاول التفاوض مع نظيرتها التركية لتسليم غولن، نظرًا لأنَّ الحكومة التركية تطلب ذلك الآن، على شرط المحاكمة العادلة.

وهذا من شأنه أن يضمن العدالة، ويحسّن العلاقات التركية الأميركية ويساعد على تهدئة الحماس الخطير في تركيا. بل إنّه قد يكون ضروريًا لمساعدة العديد من الناس الأبرياء في حركة غولن لمعرفة حقيقة ما تورطوا فيه، وبدء حياة جديدة كمواطنين أحرار.

(* كاتب تركي -  نيويورك تايمز - ترجمة إيوان 24)

اقرأ/ي أيضًا | حركة حزمة: ذراع غولن في تركيا والعالم

التعليقات