08/08/2016 - 16:33

التشبيح والغوغائية في مواجهة العقل والحوار

لقد قرفت شعوبنا من هذه الغوغائية وتخوين المختلف، ولم يعد بالإمكان استيعابها، وليست هذه الغوغائية وهذا التشبيح سوى واحد من ألف سبب دعا وما زال يدعو الشعوب العربية لمواصلة الثورات حتى إزالة كل استبداد بكل أشكاله وألوانه.

التشبيح والغوغائية في مواجهة العقل والحوار

عندما لا يجد حزب أو نظام أو حركة سياسية أو فرد حجة منطقية يدافع فيها عن موقفه، فإما أن يكون حضاريًا وينسحب بهدوء وكرامة وإما أن يتمسك بما هو فيه ويلجأ إلى الغوغائية للدفاع عن فكره المفتقد للحجة والمنطق. هكذا تفعل الفاشيات على أنواعها والدكتاتوريات والنازية والأنظمة العنصرية لأنه لا منطق ولا حجة لها.

الشبيحة هم زعران ورعاع تابعون للسلطات المذكورة على أنواعها، هم موالون بشكل أعمى نتيجة مصلحة مادية يغطونها بقناع المبدئية، أو نتيجة استمراء الذل عبر العقود والتسليم له ومحاولة التظاهر بالعزة والكرامة المفقودة من خلال الإمعان بالولاء وتجاهل الحقائق والتجند لقمع كل من يخالف زعماءهم والمستبدين بهم الرأي والموقف.

وهؤلاء لا يتقبلون أي صورة أو فكرة أو حتى لعبة مخالفة لصورة الحاكم الإله التي بنوها في مخيلاتهم للدكتاتور أو حتى مرشح العائلة، الذي يتضخم الولاء له حتى يصبح مقدسًا أو حتى لفريقهم في كرة القدم الذي ممنوع أن يهزم.  

هؤلاء يعتدون لفظيًا ثم جسديًا على كل من يجهر بمعارضته للنظام أو للزعيم كي يكون عبرة لغيره، فإذا كان المعارض فنانًا أرسلوا بعض زعرانهم إلى حفله لتخريبه بافتعال طوشة بين الجمهور، وإذا كان رسام كاريكاتير مثلا، اختطفوه من الشارع وكسروا له أصابعه، كما حدث للرسام علي فرزات في دمشق كي يكون عبرة لمن يعتبر.

وقد عرف شعبنا في الداخل من هؤلاء في مسيراتنا ومهرجاناتنا الوطنية، فكانوا يهاجمون المنصات عندما يبدأ من لا يروق لهم خطابه، ويرفعون أعلامًا وشعارات خاصة بهم رغم الاتفاق العام على عدم رفع أعلام باستثناء العلم الفلسطيني، غير آبهين للضرر الذي يسببونه.  

عرفنا محليًا ظاهرة الشبيحة في مهرجانات انتخابية كثيرة، كان البعض يصر على تخريبها، إذ كانوا يطلقون أبواق السيارات والهتافات لمنع الخطيب من مواصلة خطابه، وكثيرًا ما كانوا يتهمونه  بالعمالة، وهو كلام ينقله صغارهم بعدما سمعوه من كبارهم، وكي يصبح "العميل" وطنيًا وقوميًا كبيرًا بين ليلة وضحاها ليس عليه سوى تبني خطابهم والانضمام تحت لوائهم، حينئذ يصبح معصومًا.

نذكر من الشبيحة عصابة "لا فاميليا" التابعة لفريق بيتار القدس، التي يقوم أفرادها بالهتاف في ملاعب كرة القدم "الموت للعرب"، وقد حظوا طيلة أعوام بصمت السلطات وحتى بمباركة وتواطؤ صامت على مدار السنين، كجزء من الماكنة الإعلامية العنصرية ضد العرب! وهؤلاء يعتبرون أن فريقهم مقدس وخسارة فريقهم تعني معاقبة فريق وجمهور الخصم، وتكسير وتحطيم كل ما تطاله أيديهم، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالعرب أو بفريق مصنف بأنه يساري.

عرفنا الشبيحة في الانتخابات المحلية البلدية، فيرسل بعضهم زعرانه لتخريب مهرجان خطابي لمنافسه خصوصا إذا كان المنافس مسالما ويعتمد العقل والمنطق في الحوار أكثر من اعتماده على العصا.

 نذكر هؤلاء الشبيحة على مفترقات الطرق في انتخابات الكنيست من جماعة اليمين المتطرف، الذين كانوا يعتدون على السيارات المتوقفة على الإشارات الضوئية ويعتدون على ركابها ويمزقون ما على المركبات من شارات مخالفة لمحبوبهم نتنياهو. ثم يلصقون صوره على المركبات عنوة ورغما عن السائقين، وكثيرًا ما كانوا يعتدون بالضرب خصوصًا إذا كان الركاب من العرب!

في تونس عقد في الأسبوع الماضي مؤتمر دولي لدراسة مقاطعة إسرائيل كاستراتيجية إنسانية، الأمر الذي يعني العمل على عزل إسرائيل دوليًا، شارك فيه عشرات الأكاديميين البارزين والمهمين من شتى أقطار العالم، هذا المؤتمر وأمثاله من نشاطات هي الأكثر إزعاجا لإسرائيل وحكومتها، وخصوصًا أن سلاح المقاطعة بات من أقوى الأسلحة التي يواجهها الاحتلال في عدوانه على شعبنا الفلسطيني، وقد بدأ مشروع المقاطعة بعزل إسرائيل كما حدث مع نظام جنوب أفريقيا العنصري قبيل انهياره.

إلا أنه وفي الجلسة الثانية من المؤتمر في منتجع الحمامات في تونس دخل بعض الشبيحة الموالين لنظامين هما الأسوأ في تاريخ العرب الحديث، من شبيحة القذافي والأسد ليهاجموا منصة المؤتمر  وهم يرفعون أعلام وصور الأسد ومعمر القذافي، في عمل غوغائي مقزز.

وكما هو متوقع راح يطبل ويزمر لهذا العمل الغوغائي الذي يصب في مصلحة الاحتلال ويتعانق معه ويصفه بالعمل البطولي، وكي يكون العمل بطوليا كما يدعون فقد أعلنوا أنهم هاجموا مؤتمرا يدعو "للتطبيع مع إسرائيل"، أي انهم اعتمدوا الكذب ونفس حجة التخوين المستهلكة والمقززة.

كان هم هؤلاء التقاط صورة لهم وهم يرفعون صور وشعارات أسيادهم المستبدين، ولم يكن غريبا أن يتبعهم بالردح وأن يعجب بغوغائيتهم بعض من اعتدناهم يفعلون الأمر ذاته في مناسباتنا الوطنية. لقد اعتمد هؤلاء التشبيح كسياسة لكم الأفواه لأنهم عاجزون عن دفع الحجة بالحجة، وأي حجة ممكن أن  تكون لمخربي بلادهم ومستبيحي دماء شعوبهم غير التشبيح والغوغائية والتخوين! أي حجة ممكن أن تكون لمن يهاجمون منصة مؤتمر يدعو لمقاطعة إسرائيل العنصرية سوى الكذب والدجل ووصف المؤتمر بأنه مؤتمر للتطبيع مع إسرائيل.

لقد قرفت شعوبنا من هذه الغوغائية وتخوين المختلف، ولم يعد بالإمكان استيعابها، وليست هذه الغوغائية وهذا التشبيح سوى واحد من ألف سبب دعا وما زال يدعو الشعوب العربية لمواصلة الثورات حتى إزالة كل استبداد بكل أشكاله وألوانه.

التعليقات