20/08/2016 - 17:22

المشتركة: ما بين القيادة السياسية و"موظفي البرلمان"

أهم الأسباب لذلك التباين السياسي داخل المشتركة، وأخطرهيتمحور حول إمكانية الفصل بين حقيقة الصراع مع المشروع الصهيوني، وبين قوانين اللعبة البرلمانية نفسها. فمنهم من يرى أن هنالك إمكانية لبناء "حوار"، بل و"حوار هادئ"، مع إسرائيل

 المشتركة: ما بين القيادة السياسية و"موظفي البرلمان"

دخلت مركبات المشتركة إلى واقع جديد، ليس فقط ضمن تباين حقيقي في سقف التوقعات من هذا الواقع الجديد، بل أيضا دون تقييم صحيح لتبعات التباينات سياسيا ووطنيا. وأظهرت بعض السلوكيات مؤخرا، أن التباين ضمن سقف موحد، قد يكون أخطر من التباينات ضمن أطر مختلفة.  فما يصلح كاختلاف ضمن أحزاب مختلفة، قد لا يصلح كاختلاف ضمن إطار موحد، حتى لو أعلن هذا الإطار عن نفسه كإطار برلماني فقط، وكوحدة انتخابية وليس كوحدة أحزاب. 

وأهم الأسباب لذلك التباين السياسي داخل المشتركة، وأخطره في رأيي، يتمحور حول إمكانية الفصل بين حقيقة الصراع مع المشروع الصهيوني، وبين قوانين اللعبة البرلمانية نفسها. فمنهم من يرى أن هنالك إمكانية لبناء 'حوار'، بل و'حوار هادئ'، مع إسرائيل لا تحكمه موازين القوى بين طرفي صراع، ولا يحكمه DNA المشروع الصهيوني نفسه (على حد تعبير المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابيه).

وكلما اعتقد البعض بأن هنالك مجالا للفصل بين البرلمان والميدان، أي بين البرلمان والصراع، كلما خضعت اللعبة البرلمانية أكثر وأكثر للإملاءات الإسرائيلية، لأنها تعطينا 'الوهم' بأن الحوار مع الطرف الإسرائيلي، هو حوار بين 'طرفين متوازيين'، تحكم نتيجة حوارهما وبشكل حصري، قدرتهما 'المهنية' على إدارة حوار سليم 'بتفاهم'، دون أن يعي الطرف الضعيف، أن هذا الـ'حوار' يعكس 'موازين قوى' معروفة سلفا، وأن لا مجال له لتحسين شروط 'حواره' إلا بنضال ميداني خارج البرلمان، أو بأدوات خارجة عن 'الحوار'.

بكلمات أخرى، هنالك من يرى أن 'الحوار' بين القامع والمقموع داخل الكنيست هو جزء من عملية بناء موازين القوة، بدل أن يراه نتاجا لموازين قوة تبنى بالنضال وبوسائل أخرى 'غير حوارية'، تماما كما نقول أن المفاوضات لا تبنى ميزان القوة، بل هي انعكاس لموازين قوة تبنى خارج المفاوضات، وبالنضال أساسا.    

إهمال وسائل النضال هذه، ومنطق الصراع، ليس هو الضحية الوحيدة، لتقديس قواعد لعبة برلمانية مفصولة عن منطق الصراع، بل محاربة كل ما من شأنه 'التخريب على أجواء الحوار الهادئ' مع إسرائيل، فيتم التضحية بنفس التحدي، ويتم التضحية بربط القومي بالمدني ويتم التضحية بربط حقوقنا بحقيقتنا التاريخية، ويتم حصار كل من يخرب 'أجواء الحوار الهادئ مع إسرائيل'، بالتعريف 'الإسرائيلي' للتخريب، أي يتم تبني خطاب التحريض الإسرائيلي ليس أقل. وبخضوع الخطاب 'الوطني' شيئا فشيئا، وبشكل غير واع، للسقف الإسرائيلي واتخاذه منحى تدجينيًا، تزيد الحاجة للمبالغة في حجم الإنجازات البرلمانية، وفي تحويل حقوق هي 'تحصيل حاصل'، إلى نتاج جهد برلماني عظيم، وإلى استعمال لغة مفخمة مثل 'من إنجاز إلى إنجاز'، دون وعي منا أننا نحن، وليس إسرائيل فقط، من ينتج وعيا كاذبا بتحويل الفتات إلى 'إنجازات'.       

هذا الذي يعول على 'الحوار'، و'الأجواء السليمة' الهادئة بين القامع والمقموع، (الأجواء السليمة التي من المفروض وفق هذا المنطق أنها سادت الكنيست منذ قيام الدولة وحتى الانتفاضة الثانية)داخل الكنيست، هذا الذي يبني وعيه السياسي بانفصام كامل بين ضجيج الاستيلاء على النقب وهدم البيوت وعنف الشرطة ومحاصرة السلطات المحلية اقتصاديا وسياسات الإفقار، وبين 'هدوء الأجواء'، بين أعضاء الكنيست العرب وبين ممثلي سياسات التهويد والهدم والحصار والتطهير، هو نفسه من يستطيع تحويل صوت مخل بالهدوء داخل الكنيست إلى صوت 'تخريبي'، ظانا أن إنجازات 'الهدوء' هي القوة النضالية التي تستطيع دحر ضجيج البلدوزرات والتهويد والتطهير.

إن اللحظة التي يتحول فيها العنف ضد الفلسطيني داخل إسرائيل إلى قيمة أخلاقية، هي نفسها اللحظة التي يتم فيها تبنى البعض للتحريض الإسرائيلي ضد 'مخلي أجواء الهدوء'، وهي نفسها اللحظة التي يتحول فيها 'الهدوء' من مصلحة القوي، إلى مصلحة الضعيف، وعند هذه النقطة تحديدا، يتوقف النقاش داخل المشتركة، أن يكون 'نقاشا'، وتبدأ عملية هدم قوة المشتركة وقيمتها المضافة سياسيا.

نفهم حاجة القامع لهدوء الضحية، وتعاملها 'العقلاني'. نفهم حاجة المجرم أن تتصرف 'الضحية' بانضباط وأن تتمالك أعصابها، نفهم حاجة إسرائيل لخطاب فلسطيني تسميه هي لتوظيفات سياسية خاصة بها، 'رزينا'، و'متزنا' و'هادئا'، وبعيدا عن 'العنف'، لكن هل نفهم أن تستبطن الضحية هذا المنطق؟ هل نفهم سهولة أن تصدر لنا إسرائيل علاقاتها 'الإشكالية'، بدل أن نقوم نحن باستخدامها لصالحنا ولبناء قوتنا الذاتية؟ هل نفهم أن تمسي علاقات إسرائيل 'الإشكالية'، علاقات 'إشكالية' لنا أيضا؟ هل تمسي إشكالية المجرم إشكالية الضحية؟ وهل نفهم أن تحول الضحية علاقة 'إشكالية' لإسرائيل مع أي طرف من نقطة قوة لنا لنقطة ضعف؟

  ليس من مسؤولية الضحية تقديم نفسها كشريك مريح، كما أن توفير 'الأجواء الهادئة' للقامع هو نقيض مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية. أما ربط تصرف المشروع الصهيوني بسلوك الضحية، فهي قراءة خارجة عن السياسة وعن المسؤولية السياسية في آن. ويبقى الخيار الصحيح، بيننا وبين المشروع الصهيوني، في مرحلة التباين الحاد في ميزان القوى، وفي سياق واقع عربي وفلسطيني رديء، هو الخيار بين صراع تمر نتائجه وتمرر مخططاته، في كل ما يتعلق بهدم البيوت والتطهير في النقب والأسرلة في سياسات التعليم، والإقصاء عن سوق العمل، وسط 'هدوء الضحية'، وقبولها بحوار هادئ يؤسرل ما تبقى من الوعي، وبين مواجهة معلنة تستنفر قوة الضحية وتحافظ على وعيها وتصلب مشروعها.

دون هذا النقاش السياسي، لا تبنى إرادة سياسية، ولا يحصن الوعي، ونتحول لموظفين في البرلمان، وليس لقيادات فيه، ويتحول العمل البرلماني لعمل خال من البعد السياسي، وهو إغراء لكل من يرى العمل السياسي نوعا من العلاقات العامة، لكنه بالتأكيد ليس إغراء لمن يرى ذاته قائدا لشعبه. كما أن تحرير النقاش السياسي من جدران الغرف المغلقة للمشتركة إلى الجمهور الواسع، الذي أعطى ثقته العالية والغالية للمشتركة، هو ما من شأنه أي يعيد إحياء السياسة نفسها، بل وإحياء الأحزاب العربية، التي مات حضورها السياسي إثر موت النقاش السياسي بينها (من منطلقات 'الحفاظ على المشتركة'، وكأن المشتركة لا تتحمل السياسة، أو وكأنها هي نفسها خارج السياسة ووليدة منطق صراع بقاء ضمن شروطه الأدنى)، وأن يحيي 'المشتركة' ذاتها، عبر تفعيل دورها السياسي، وكآلية على طريق تنظيم الأقلية العربية وتصليب إجماعها الوطني.  

اقرأ/ي أيضًا لـ حنين زعبي

التعليقات