06/09/2016 - 14:50

التلويح بالإضراب والتلويح بالأعلام

ما حدث في قرية طمرة يجب أن يضيء ضوء أحمر في مكاتب اللجنة القطرية ولجنة المتابعة والقائمة المشتركة والأحزاب والحركات السياسية المختلفة، إنه اختراق خطير يهدد بالعودة بمجتمعنا سنوات طويلة إلى الوراء ويضع مكتسباتنا وهويتنا الجمعية على المحك

التلويح بالإضراب والتلويح بالأعلام

هكذا هو بنيامين نتنياهو، يحرص على اختيار الخصم الأضعف ليضمن الفوز عليه، بالضربة القاضية إن أمكن، ويسارع للتلويح بيديه انتصارًا من فوق جسد غريمه الملقى أرضًا. هو قائد صغير، كما يقول عنه الإسرائيليون، هو لم يعبر القناة ويقتحم الجولان و'يفتح القدس' مثل رابين ولا اجتاح لبنان وحاصر بيروت مثل شارون، ولا هو اخترق عواصم عربية في عمليات كوماندوز اغتال فيها غسان كنفاني وأبو جهاد مثل براك. لذلك هو لم يقتحم الناصرة ويدخل معقل توفيق زياد مثلما فعل شارون في 2007 أو انتهك معقل 'محمود درويش' مثلما فعل بيرس في 2012، بل اختار قرية صغيرة مغمورة هي قرية طمرة في مرج ابن عامر، ليقتنص فيها صورة انتصاره 'أطفال عرب يتحلقون حوله وهم يلوحون بأعلام إسرائيل' في مشهد لم يحظ به سوى بن غوريون وإشكول، ولكن في عهد الحكم العسكري.

بجهد بسيط حصل نتنياهو على الصورة التي يريد، لقد نال منا ووجه لنا ضربة معنوية أصابت هويتنا الوطنية في الصميم، ولن يسعفنا الادعاء بأن الحديث يدور عن قرية هامشية لا تعبر بأي حال عن واقع وصورة المجتمع الفلسطيني في الداخل، ولا إبداء الشفقة على الأطفال الذين جرى زجهم في هذه الوضعية دون وعي منهم، ولا العودة إلى تقسيم مجتمعنا الى قطاعات إضافة الى البدو والدروز. فقبل فترة قصيرة كان كل أعضاء الكنيست العرب بل كل العرب 'زُعبيز' بلسان يائير لبيد.

إننا أمام مشهد لا يذكر حتى بأيام أوسلو عندما قذفت حكومة رابين لنا ببعض الفتات، وظن عرب البلاد أن القضية الفلسطينية وجدت حلها هناك في الضفة والقطاع، فرفع بعضهم أعلام إسرائيل على سياراتهم وذهبوا للاحتفال بـ'عيد الاستقلال'، بل هو مشهد يذكر بسنوات الحكم العسكري بما تنطوي عليه الصورة من مضامين الضعف والرضوخ والتسبيح بحمد السيد الذي تقرع له الطبول والزمور، ويلوح له بأعلام إسرائيل.

'حكومة نتنياهو بدأت بكسر الحلقات الضعيفة في السلسلة وطمرة لن تكون نهاية المطاف'

إسرائيل التي يفترض أن نشكر نعمها علينا حتى لو لم تلق لنا بالفتات، كما تفعل حكومة المستوطنين التي يرأسها نتنياهو بعد أن سحبت الجزرة ولم تعد تتعامل مع العرب سوى بسياسة العصا، إنها أتت حتى على الفتات التي كانت الحكومات السابقة تلقيه لنا. هي نتاج حالة الضعف والهوان الذي بات يتناسب طردًا مع الظلم والتمييز والإجحاف والقمع، حالة لا تجرؤ فيها قياداتنا حتى عن التلويح بالإضراب وبعدم افتتاح السنة الدراسية احتجاجًا على النواقص الخطيرة التي تعاني منها مدارسنا ومؤسساتنا التربوية.

إن سياسة نفاق دوائر السلطة والامتناع عن التصعيد، خصوصًا في الأيام المفصلية، مثل افتتاح السنة الدراسية بالرغم من التمييز القاتل الذي يعاني منه جهاز التعليم العربي، هو ما يحوّل هذه المناسبات من أيام نضالية يجري فيها التركيز على عنصرية السلطة وتمييزها إلى أيام احتفالية يتم التسبيح فيها بحمد السلطة، وحالة قرية طمرة قد تكون أول الغيث، فمسؤولو وزارة التربية والتعليم يستقبلون منذ زمن في مدارسنا ومجالسنا وبلدياتنا المحترمة والمركزية بالورود وتقام لهم المأدبات وما كان ينقص فقط هو التلويح لهم بأعلام إسرائيل، وسلوك بعض أعضاء الكنيست العرب مثل الوقوف على نشيد 'هتكفا' والإفطارات الجماعية مع مسؤولين إسرائيليين هو 'مثال سيء يحتذى'.

ما حدث في قرية طمرة يجب أن يضيء ضوء أحمر في مكاتب اللجنة القطرية ولجنة المتابعة والقائمة المشتركة والأحزاب والحركات السياسية المختلفة، إنه اختراق خطير يهدد بالعودة بمجتمعنا سنوات طويلة إلى الوراء ويضع مكتسباتنا وهويتنا الجمعية على المحك، فحكومة نتنياهو بدأت بكسر الحلقات الضعيفة في السلسلة وطمرة لن تكون نهاية المطاف.

اقرأ/ي أيضًا| في واقعنا السياسي: أين "إرادة شعب"؟

التعليقات